المكسيك تندد بتقرير أمريكي انتقد انتخاب القضاة وتصفه بالتدخل غير المقبول
المكسيك تندد بتقرير أمريكي انتقد انتخاب القضاة وتصفه بالتدخل غير المقبول
ندّدت الحكومة المكسيكية، بما ورد في تقرير صادر عن منظمة الدول الأمريكية، والذي أوصى بعدم تكرار تجربة الانتخابات القضائية الأخيرة التي نظمتها المكسيك، معتبرة إياها نموذجًا "غير ملائم" لبقية دول أمريكا اللاتينية.
ووصفت الخارجية المكسيكية هذه التصريحات بأنها تمثل تدخلًا غير مقبول في الشؤون الداخلية للبلاد، وانتهاكًا لحق السيادة الوطنية في تنظيم مؤسساتها على النحو الذي تراه مناسبًا، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الأحد.
أعربت البعثة الدائمة للمكسيك لدى منظمة الدول الأمريكية عن "رفضها التام" للتقرير الأولي الذي أعدته بعثة المراقبة التابعة للمنظمة، مشيرة إلى أن التقرير "ينتهك مبدأ سيادة الدول الأعضاء في تقرير شؤونها الداخلية"، بحسب بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية المكسيكية.
وأوضحت الوزارة أن تقييم المنظمة "تجاوز صلاحيات البعثة الرقابية"، متهمة إياها بمحاولة فرض نموذج موحد على الدول الأعضاء في ما يخص طريقة تنظيم أنظمتها القضائية، ما يتعارض مع مبادئ احترام التعددية القانونية والسياسية في القارة.
ملاحظات بعثة المراقبة
نشرت منظمة الدول الأمريكية تقريرها الأولي يوم الجمعة 7 يونيو، عقب الانتخابات القضائية التي جرت في الثاني من الشهر نفسه، والتي وُصفَت بأنها "معقّدة للغاية".
وأكدت بعثة المراقبة التي ترأسها وزير خارجية تشيلي السابق هيرالدو مونوز أن "النموذج المعتمد في المكسيك يجب عدم تكراره في دول أخرى"، في إشارة إلى الأسلوب المباشر الذي جرى فيه انتخاب القضاة من قبل الناخبين.
وشدد التقرير على أن العملية الانتخابية تفتقر إلى مقومات التبسيط والفعالية، ما قد يؤدي إلى إضعاف استقلال القضاء، نظرًا للضغوط السياسية والشعبوية المحتملة خلال الحملات الانتخابية التي يخوضها مرشحون لمنصب قضائي.
أبعاد العملية الانتخابية
شهدت المكسيك في 2 يونيو انتخابات غير مسبوقة لاختيار 880 قاضيًا فيدراليًا، من بينهم قضاة في المحكمة العليا، بالإضافة إلى مئات القضاة المحليين في مختلف الولايات.
وتُعد هذه التجربة هي الأولى من نوعها التي يُمنح فيها الناخب المكسيكي حق اختيار هذه الشخصيات القضائية الحساسة عبر الاقتراع العام.
ورغم الانتقادات الدولية، أشادت الرئيسة المكسيكية كلاوديا شينباوم بنجاح العملية، ووصفتها بأنها "نجاح تام"، مشيرة إلى أنها خطوة مهمة في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في النظام القضائي، رغم الإقرار بضعف نسبة المشاركة الشعبية.
انقسام حول التجربة
لاقى هذا النموذج انتقادات حادة من المعارضة التي وصفت الانتخابات بأنها "مهزلة سياسية تهدد استقلال القضاء"، معتبرة أن إشراك المواطنين في اختيار القضاة قد يفتح المجال أمام التسييس والضغط الشعبي على قرارات العدالة، خاصة في ظل ضعف الوعي العام بتفاصيل الكفاءة القضائية.
وبالمقابل، دافعت الحكومة عن التجربة بوصفها وسيلة ضرورية لـ"تفكيك البنية الفاسدة" التي تسيطر على النظام القضائي في البلاد، والحد من ظاهرة الإفلات من العقاب التي طالما شكا منها المواطنون والمنظمات الحقوقية.
ومن المتوقع إجراء انتخابات تكميلية في عام 2027، لاستكمال بناء النظام القضائي الجديد وفق التصور الذي تطرحه حكومة شينباوم، التي تسعى لمواصلة إصلاحات دستورية وقضائية كانت قد بدأت في عهد سلفها أندريس مانويل لوبيز أوبرادور.
وتثير هذه الإصلاحات جدلاً متصاعدًا بين من يعدها ضرورية لتحديث الدولة ومكافحة الفساد، ومن يراها محاولة للهيمنة السياسية على السلطات المستقلة، وتهديدًا لمبدأ الفصل بين السلطات الذي يقوم عليه النظام الديمقراطي.
حدود التدخل الدولي
تبرز الأزمة بين المكسيك ومنظمة الدول الأمريكية توتّرًا متجددًا حول حدود التدخل الدولي في الشؤون السيادية، وتسلّط الضوء على الجدل المحتدم بشأن كيفية تحقيق استقلال القضاء في ظل الأنظمة الديمقراطية.
وبينما تمضي المكسيك في طريق الإصلاح القضائي عبر صندوق الاقتراع، يتصاعد القلق من تبعات تلك الخطوة على المدى الطويل داخل البلاد وخارجها.