على وقع ملف الهجرة.. احتجاجات لوس أنجلوس تعيد رسم المشهدين الأمني والسياسي في أمريكا

هل ينجح ترامب في تنفيذ سياساته؟

على وقع ملف الهجرة.. احتجاجات لوس أنجلوس تعيد رسم المشهدين الأمني والسياسي في أمريكا
الشرطة تواجه المتظاهرين في لوس أنجلوس

دخل ملف الهجرة في الولايات المتحدة مرحلة تصعيد جديدة، مع إصدار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا بنشر ألفي عنصر من الحرس الوطني في شوارع لوس أنجلوس، أحد أبرز معاقل الديمقراطيين، عقب احتجاجات عنيفة اندلعت إثر حملات دهم استهدفت مهاجرين غير نظاميين.

وفي تصريح لـ"جسور بوست"، عدّ عضو في الحزب الجمهوري إدارة ترامب "تُصحح أخطاء إدارة بايدن"، مؤكدًا أنها تطبق القانون ولا تستهدف سوى المخالفين، متوقعًا أن "تنجح القوات في فرض الأمن دون تصعيد إضافي"، في إشارة إلى إمكانية تكرار الإجراءات مستقبلًا في مدن أخرى.

في المقابل، رأى خبير في الشؤون الأمريكية، في حديث لـ"جسور بوست"، أن ما يحدث في لوس أنجلوس يمثل "منعطفًا حاسمًا" في تعاطي ترامب مع ملف الهجرة، مؤكدًا أن الرئيس "يراهن على فرض القانون ولو على حساب الحريات المدنية"، خصوصًا أن التراجع في هذا الملف "سيُحسب هزيمة أمام الديمقراطيين"، وهو ما لن يسمح به مع اقتراب الانتخابات.

احتجاجات حاشدة

 التصعيد الأخير جاء بعد أربعة أشهر من قرارات مشددة ضد المهاجرين غير الشرعيين، وبلغ ذروته بإعلان ترامب يوم الأحد عن نشر الحرس الوطني في المدينة، بحسب وكالة "فرانس برس".

واندلعت الاحتجاجات في لوس أنجلوس يوم الجمعة، عقب تنفيذ إدارة الهجرة والجمارك عمليات دهم واسعة أسفرت عن اعتقال 118 شخصًا، من بينهم خمسة يُشتبه بانتمائهم لعصابات.

وسرعان ما تحولت المظاهرات إلى أعمال عنف، خاصة في ضواحي باراماونت، حيث أظهرت مقاطع مصورة سيارات محترقة، وأشخاصًا ملثمين يرمون المفرقعات على القوات الفيدرالية، إضافة إلى إقامة حواجز من عربات التسوق والكتل الإسمنتية.

وخرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع، رافعين أعلامًا مكسيكية وهتافات منددة بسياسات الهجرة، فيما أُحرقت أعلام أمريكية، في مشهد أثار ردود فعل متباينة.

وأكد نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، دان بونجينو، أن "القانون والنظام سيسودان"، بينما صرّح المدعي العام لمنطقة كاليفورنيا الوسطى بأن عناصر الحرس الوطني سينتشرون خلال 24 ساعة، في حين لم تستبعد وزارة الدفاع الاستعانة بوحدات من مشاة البحرية إذا تصاعدت الاضطرابات.

وفي إجراء أثار جدلًا واسعًا، أصدر ترامب قرارًا بحظر ارتداء الأقنعة خلال التظاهرات، مبررًا ذلك بالرغبة في تعزيز الرقابة، وهو ما عدته بعض الجهات الحقوقية تقييدًا لحرية التعبير.

نزاع حزبي

وزاد نشر القوات من تأجيج الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين، إذ وصفت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولاين ليفيت، الوضع في المدينة بـ"الفوضوي"، محمّلة قادة كاليفورنيا الديمقراطيين المسؤولية.

وكشفت أن ترامب فعّل قرار نشر الحرس دون الرجوع إلى حكومة الولاية، في خطوة تعكس مقاربة اتحادية صارمة للتعامل مع ما وصفته بـ"أعمال الشغب الموجهة ضد سلطة الدولة".

وقال ستيفن ميلر، نائب كبير موظفي البيت الأبيض، إن ما يحدث هو "تمرد على سيادة القانون"، في حين وصف حاكم كاليفورنيا الديمقراطي، غافين نيوسوم، قرار ترامب بأنه "تحريض مباشر على العنف"، معتبرًا أن نشر القوات لا علاقة له بنقص القدرات الأمنية، بل هو مجرد "استعراض سياسي".

وكتب ميلر عبر حسابه على منصة "إكس": "يريدون عرضًا سياسيًا... لا تعطوهم هذا العرض. التزموا بالسلمية".

من جانبها، شددت رئيسة بلدية لوس أنجلوس، كارن باس، على أن العنف والتخريب "غير مقبولين"، لكنها أقرت بأن هناك حالة من "الخوف الحقيقي" بين سكان المدينة نتيجة الإجراءات الفيدرالية الأخيرة.

ومنذ توليه السلطة في يناير الماضي، كثّف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حملته ضد المهاجرين غير النظاميين، مستخدمًا لهجة شديدة ومتوعّدًا بسياسات "صفر تسامح"، وهو ما أثار قلق منظمات حقوق الإنسان وسكان مدن ذات كثافة لاتينية مثل لوس أنجلوس.

ويأتي هذا التصعيد في توقيت سياسي بالغ الحساسية، مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، حيث يعوّل ترامب على تعزيز شعبيته لدى القاعدة المحافظة عبر تشديد الإجراءات الأمنية، في وقت تحذّر فيه الأصوات الليبرالية من "عسكرة المدن" وتقويض الحريات.

تحقيقات وسياسة ردع

وفي تطور لافت، وجه ترامب أخيرًا بفتح تحقيق رسمي في مزاعم تتعلق بإخفاء الحالة الذهنية للرئيس السابق جو بايدن، و"استغلال سلطاته الدستورية"، في خطوة وصفها الديمقراطيون بأنها "تحرّك انتقامي ذو دوافع سياسية"، بحسب ما نقلته وكالة "فرانس برس".

من جانبه، قال جبريل صوما، خبير القانون الدولي وعضو المجلس الاستشاري للرئيس السابق دونالد ترامب، وعضو اللجنة الانتخابية لحملة ترامب 2024، إن ما يحدث الآن هو "تصحيح لأخطاء كارثية ارتكبتها إدارة بايدن"، مؤكدًا في تصريحات لـ"جسور بوست" أن ترامب يعيد فرض سيادة القانون بعد أن سمحت السياسات السابقة بدخول أكثر من 20 مليون مهاجر بصورة غير قانونية.

وأضاف صوما في تصريح لـ"جسور بوست": "طلب ترامب من هؤلاء المهاجرين تسجيل أنفسهم لدى الجهات الرسمية، لكن كثيرين لم يمتثلوا، وبعضهم لديه سجلات جنائية في بلاده"، لافتًا إلى أن "الاحتجاجات اندلعت لأن كثيرًا من المهاجرين من أصول مكسيكية لديهم أقارب في الولايات المتحدة، ويرفضون مغادرتها رغم انتهاء أوضاعهم القانونية".

وأكد أن كل من تلاحقهم إدارة ترامب هم مخالفون للقانون، وأن الإجراءات الحالية تهدف فقط إلى استعادة النظام، مضيفًا: "المظاهرات السلمية مكفولة دستورياً، لكن حين تتحول لأعمال عنف وتخريب، فإن من واجب السلطات التدخل وفق القانون".

مواجهة في معقل ديمقراطي

في المقابل، رأى الدكتور سعيد صادق، الأكاديمي المتخصص في الشأن الأمريكي، أن ما يجري في لوس أنجلوس هو "مواجهة فاصلة" اختارها ترامب عن قصد، في معقل ديمقراطي بارز لتنفيذ وعوده الانتخابية المتعلقة بملف الهجرة.

وقال صادق لـ"جسور بوست": "لوس أنجلوس من كبريات المدن في ولاية كاليفورنيا الخاضعة لحكم ديمقراطي، وخصومة ترامب مع مسؤوليها معروفة، لذا فإن تدخله الأمني يُقرأ في إطار صراع سياسي بامتياز".

وأضاف: "إدارة ترامب تعتبر هذه المواجهة اختبارًا حاسمًا لإثبات الجدية في معالجة أزمة الهجرة، وهي لن تتراجع خشية أن يتكرر سيناريو الاحتجاجات في مدن أخرى، ما قد يُفهم كفشل انتخابي مبكر".

وأشار إلى أن ما يجري أيضًا جزء من معركة ممتدة بين الجمهوريين والديمقراطيين، والتي شهدت أخيرًا دعوة من ترامب للتحقيق في كفاءة الرئيس بايدن، ما يُظهر أن ترامب يسعى للربط بين الملفين: الأمني والسياسي.

وجدد صادق التأكيد على أن ترامب لا يُعير الانتقادات الحقوقية الكثير من الاهتمام، لكنه "قد يُبطئ وتيرة التصعيد قليلاً مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي بعد نحو عامين، في محاولة لتهدئة الأجواء دون التخلي عن خطابه المتشدد تجاه الهجرة".

ختتم حديثه بعبارة: "الاحتجاجات قد تُحتوى على المدى القصير، لكن من غير المستبعد تكرارها في مدن أخرى، ما لم يُعالج الملف جذريًا، وهو ما لا يبدو مطروحًا في الأفق القريب".

في خضم تصاعد الجدل السياسي والأمني، تمضي إدارة ترامب في تنفيذ رؤيتها الصارمة تجاه ملف الهجرة، مستفيدة من لحظة سياسية دقيقة لتأكيد حضورها القوي في معاقل المعارضة الديمقراطية. 

وبينما ترى الإدارة أن ما تقوم به هو تصحيح لمسار اختل خلال عهد بايدن، تحذّر أطراف عدة من تداعيات عسكرة المدن وتآكل الحريات، وتبقى الأيام المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كانت هذه المواجهة ستعزز فرص ترامب في الانتخابات المقبلة، أم ستفتح الباب لموجة جديدة من الغضب والانقسام داخل المجتمع الأمريكي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية