انتهاكات خلف القضبان.. العنف والتمييز يحاصران النساء في نظام العدالة الجنائية
خلال الدورة 59 لمجلس حقوق الإنسان والتي تستمر حتى 9 يوليو المقبل
كشفت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في تقرير جديد قدمته إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته الـ59 المنعقدة حالياً وتتواصل حتى 9 يوليو المقبل، عن أوضاع صادمة تتعرض لها النساء والفتيات المحتجزات في أنظمة العدالة الجنائية حول العالم، وسط تفشي العنف والتمييز وتجاهل واضح لاحتياجاتهن الأساسية، داعية إلى إصلاحات شاملة وضمانات فعالة لوقف الانتهاكات.
وبحسب التقرير الأممي، الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، فإن عدد السجينات حول العالم بلغ 700 ألف امرأة بنهاية عام 2022، وهو ما يمثل أقل من 7% من إجمالي نزلاء السجون عالميًا.. لكن اللافت أن نسبة النساء في السجون ارتفعت بنسبة 60% منذ عام 2000، مقارنة بـ22% فقط بين الرجال.
وترتفع نسبة النساء المدانات في جرائم المخدرات بشكل كبير مقارنة بالرجال، حيث تمثل السجينات 35% من المدانين بهذه الجرائم، مقابل 19% فقط من الذكور.. وغالبًا ما تُسجن النساء بسبب جرائم بسيطة غير عنيفة، مثل السرقة أو التشرد أو التسكع، ما يشير إلى تجريم مفرط للفقر، بحسب التقرير.
وأشار التقرير إلى أن السجون مصممة بالأساس لاستيعاب الرجال، وبالتالي لا تراعي الاحتياجات الخاصة بالنساء، سواء على صعيد الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية أو الصحة النفسية أو برامج التأهيل والعلاج من الإدمان. واعتبرت المفوضية أن هذا الإهمال "يُفاقم من هشاشة النساء داخل منظومة العقاب والاحتجاز".
وتعاني العديد من السجينات، وفق التقرير، من تجارب سابقة للعنف الجسدي والجنسي والنفسي، بعضها ارتُكب على أيدي شركاء حميمين.. وفي كثير من الحالات، تكون جرائم النساء نتاجًا مباشرًا لتجارب العنف تلك، كما في حالات النساء اللاتي قتلن شركاءهن دفاعًا عن النفس، أو أُجبرن على التورط في الاتجار بالمخدرات تحت تهديد العنف.
ولا تتوقف الانتهاكات عند السياق السابق للاحتجاز، بل تمتد إلى فترات الاحتجاز نفسها، إذ يرصد التقرير تعرض النساء لأشكال مختلفة من العنف الجنساني داخل السجون، من بينها التحرش، والاغتصاب، والتفتيش الجسدي الجائر، والتجريد من الملابس، والإهانات اللفظية، وغالبًا ما يمارس هذا العنف على أيدي موظفين ذكور.
ويلفت التقرير إلى أن الافتقار إلى آليات تحقيق فعالة، إلى جانب الخوف من الانتقام، يسهم في خلق بيئة من الإفلات من العقاب.. بل إن بعض مسؤولي السجون يتغاضون عن العنف أو يشجعونه ضمنيًا، فيما تضطر بعض السجينات إلى الاعتماد على نزلاء ذكور لحمايتهن، ما يكرّس أنماطًا من التبعية وسوء المعاملة.
وخصص التقرير حيزًا مهمًا لما تتعرض له السجينات من المثليات ومزدوجات الميل ومغايرات الهوية الجنسانية، مشيرًا إلى أنهن عرضة لانتهاكات ممنهجة، بما في ذلك الاغتصاب "التصحيحي" والحرمان من العلاج والرعاية الصحية النفسية والإنجابية.. ويُحرمن أيضًا من الحق في الزيارة من شركائهن، ما يؤدي إلى مزيد من الوصم والعزلة النفسية.
وتواجه النساء المحتجزات صعوبات هائلة في الوصول إلى العدالة، خاصة إذا كن من الفقيرات والمهمشات.
وبحسب التقرير، فإن العديد من السجينات غير قادرات على دفع الكفالات أو تأمين تمثيل قانوني فعال بسبب التبعية الاقتصادية لأفراد الأسرة الذكور، كما أن المساعدة القانونية المجانية -عند توفرها- غالبًا ما تكون محدودة وغير كافية.
ودعا التقرير الدول إلى توسيع التدابير غير الاحتجازية، مثل التحويل إلى برامج التأهيل المجتمعي والعمل التطوعي، خاصة للحوامل والأمهات، واللاتي تعرضن للعنف.
كما شدد على ضرورة توفير بدائل للاحتجاز منذ بداية الإجراءات الجنائية، وعلى تعزيز برامج إعادة الإدماج قبل الإفراج وبعده لتفادي تكرار دائرة الفقر والسجن.
واختتمت المفوضية توصياتها بضرورة توفير آليات فعالة وسرية لتقديم الشكاوى، وضمان الرقابة المستقلة على السجون، مع إشراك منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في عمليات المراقبة والتفتيش، بما يسهم في كشف الانتهاكات ومنع تكرارها.