الأمم المتحدة: أزمة ديون عالمية تهدد أهداف التنمية وحقوق الإنسان

خلال الدورة 59 لمجلس حقوق الإنسان

الأمم المتحدة: أزمة ديون عالمية تهدد أهداف التنمية وحقوق الإنسان
مجلس حقوق الإنسان الأممي - أرشيف

في ظل اتساع الفجوة بين الاقتصادات المتقدمة والدول النامية، حذرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان من أن أزمة الديون العالمية باتت تشكل تهديداً مباشراً لحقوق الإنسان وجهود تحقيق التنمية المستدامة، مطالبة بإصلاحات جذرية في النظام المالي الدولي وإعادة صياغة قواعد التعاون الاقتصادي العالمي من منظور حقوقي.

جاء ذلك في تقرير المفوضية المقدم إلى الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والتي تنعقد حتى 9 يوليو المقبل، واطلع «جسور بوست» على نسخة منه، حيث ركز التقرير على النتائج الرئيسية لاجتماع ما بين الدورات حول دور حقوق الإنسان في تنفيذ أجندة التنمية المستدامة 2030، الذي عُقد في فبراير الماضي.

وسلط التقرير الضوء على التحديات المتفاقمة التي تعوق تحقيق التنمية المستدامة، وعلى رأسها أعباء الديون المتزايدة التي تثقل كاهل الدول النامية، وتمنعها من الوفاء بالتزاماتها الحقوقية، ولا سيما في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية. 

وأشار إلى أن الإنفاق على خدمة الدين بات يأتي على حساب الاستثمارات الاجتماعية الضرورية لضمان الحد الأدنى من مستويات المعيشة والكرامة الإنسانية.

وأوضح التقرير أن استمرار هذا الوضع يضعف قدرة الدول على تحقيق أهداف التنمية المستدامة ويهدد بتفاقم أوجه عدم المساواة، مؤكدا أن نحو 3.3 مليار شخص يعيشون في بلدان تنفق على خدمة الدين أكثر مما تنفقه على قطاعات التعليم والصحة مجتمعة.

وانتقد التقرير اعتماد النظام المالي العالمي على تصنيفات ائتمانية غير منصفة تعرقل وصول الدول الفقيرة إلى التمويل الميسر، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض ويزيد من هشاشة الاقتصادات المحلية، خاصة في الدول الجزرية والبلدان المتوسطة الدخل التي تواجه تحديات مناخية واقتصادية مركبة.

كما شدد التقرير على أن النظام الضريبي العالمي يعاني تشوهات هيكلية، ويمنح الأفضلية للشركات الكبرى وأصحاب الثروات على حساب العدالة الضريبية والموارد المحلية، داعياً إلى إرساء قواعد عادلة للضرائب الدولية تمكن الدول من تعزيز قدراتها المالية بدون الاعتماد المفرط على القروض الأجنبية.

وتناول التقرير أيضاً تجارب واقعية من دول الجنوب العالمي، مثل باربادوس وجنوب إفريقيا، التي طرحت مبادرات لإعادة هيكلة الديون من منظور حقوق الإنسان، بما يضمن الاستدامة المالية دون الإضرار بالحقوق الأساسية للفئات الضعيفة. وأشاد بما وصفه بـ«مقاربة العدالة المناخية»، التي تقترح تحويل الديون إلى استثمارات في مشاريع بيئية وتنموية ذات أثر مباشر في تحسين حياة المجتمعات المحلية.

كما أشار إلى ضرورة تغيير النموذج التنموي القائم، الذي يربط النجاح الاقتصادي بنمو الناتج المحلي فقط، مؤكداً أن هذا النمو لا يترجم تلقائيا إلى تحسن في مؤشرات حقوق الإنسان، بل قد يؤدي إلى تفاقم التفاوتات إذا لم يكن مصحوباً بإصلاحات اجتماعية وهيكلية شاملة.

وأوصى التقرير بتعزيز الشفافية والمساءلة في عملية إدارة الديون، مع إدماج منظمات المجتمع المدني، لا سيما في الدول النامية، في عمليات صياغة السياسات الاقتصادية والمالية، بما يضمن تمثيل أصوات الفئات الأكثر تضرراً من الأزمات الاقتصادية.

ودعا التقرير إلى إصلاحات جوهرية في بنية النظام المالي العالمي تضمن اعترافا قانونيا بتأثيرات الديون على حقوق الإنسان، وإلى إنشاء آليات دولية لرصد مدى التزام المؤسسات المالية العالمية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بالمعايير الحقوقية. كما طالب بتطوير أدوات تقييم المخاطر المالية تأخذ بعين الاعتبار الآثار الاجتماعية والحقوقية، وتعزز مبدأ العدالة في توزيع الموارد والفرص، مع توفير التمويل الكافي للتنمية المستدامة من خلال القنوات الرسمية والمساعدات الإنمائية الموجهة بشكل عادل.

واختتم التقرير بتأكيد أن مواجهة أزمة الديون لا تتطلب فقط حلولا اقتصادية، بل تتطلب إعادة تعريف للعقد الاجتماعي بين الدول وشعوبها، بحيث يتمحور حول العدالة، والكرامة، والمساواة، واحترام حقوق الإنسان بوصفها أساسًا لأي مشروع تنموي ناجح وعادل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية