"الإيكونوميست": حديث ترامب عن "إبادة البيض" يُهدد السلم الاجتماعي في جنوب إفريقيا

"الإيكونوميست": حديث ترامب عن "إبادة البيض" يُهدد السلم الاجتماعي في جنوب إفريقيا
أمريكا وجنوب إفريقيا

أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فبراير أمرًا تنفيذيًا يقضي بتعليق المساعدات الموجهة لجنوب إفريقيا، بما فيها تمويل أدوية فيروس نقص المناعة البشرية التي يستفيد منها ملايين المواطنين، حيث اتهم حكومة جنوب إفريقيا بـتأجيج العنف ضد الأقلية البيضاء، وأدان قانونًا يسمح نظريًا بمصادرة الأراضي دون تعويض، معتبرًا أنه "هجوم على المزارعين البيض" المعروفين بـ"الأفريكانرز"، وهم من أصول أوروبية هولندية وفرنسية وألمانية.

ووفقا لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست"، اليوم الأربعاء، دعا ترامب هؤلاء إلى طلب اللجوء إلى الولايات المتحدة، ووصف سياسة جنوب إفريقيا الخارجية بالعدائية تجاه واشنطن وحلفائها، خاصة إسرائيل، على خلفية اتهامها بالإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية.

استقبل الرئيس الأمريكي نظيره الجنوب إفريقي، سيريل رامافوزا، يوم 21 مايو في البيت الأبيض، شارك في اللقاء وزراء بالحكومة، ورئيس نقابة عمالية، وبعض المقربين من ترامب في مجال الغولف.

سعى رامافوزا خلال اللقاء للحفاظ على استفادة بلاده من "قانون النمو والفرص في إفريقيا" (AGOA)، الذي يتيح امتيازات تجارية لدول إفريقية بالأسواق الأمريكية. 

واجه الوفد عرضًا مصورًا يظهر زعيمًا معارضًا متطرفًا يُحرّض ضد البيض، بينما ردد ترامب مزاعم كاذبة عن دعوات من مسؤولين لقتل المزارعين والاستيلاء على أراضيهم.

وتراجع تأثير الولايات المتحدة المباشر على جنوب إفريقيا مقارنة بالسنوات الماضية، وبلغت صادرات جنوب إفريقيا إلى أمريكا في عام 2023 نحو 13% فقط من إجمالي صادراتها، بينما شكّل قانون AGOA حوالي ربع هذه النسبة.

وقدّرت منظمات الأعمال أن بين 200 و300 ألف وظيفة في قطاعات مثل السيارات والزراعة تعتمد على هذا الاتفاق التجاري، وأبدى مشرعون أمريكيون من الحزبين انزعاجهم من تقارب جنوب إفريقيا مع الصين وروسيا وإيران، وكذلك من تعاطفها مع حركة "حماس".

التمكين الاقتصادي

أبدى رئيس بلدية كيب تاون، جوردين هيل-لويس، وهو عضو في حزب التحالف الديمقراطي المؤيد للأعمال، قلقه من خسائر محتملة نتيجة انسحاب أمريكا من AGOA، خاصة في صادرات الحمضيات والنبيذ وقطع السيارات.

صرّح هيل-لويس بأن جنوب إفريقيا تصرفت بطريقة "مروعة" تجاه الولايات المتحدة لسنوات، وأضاف: "لو كان هناك دليلٌ على كيفية عزل الأصدقاء، فقد كتبناه نحن".

انتقدت شركات أمريكية كبرى شروط "التمكين الاقتصادي للسود"، وهو نظام يُلزم الشركات الأجنبية بإنشاء فروع محلية وبيع 30% من أسهمها لشركاء سود، ورغم تطبيق تعديلات في بعض القطاعات تسمح بالاستثمار المجتمعي أو دعم الموردين المحليين بدلًا من نقل الملكية، ترددت الحكومات في توسيع هذه البدائل خشية غضب القاعدة الصلبة في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي.

استجابت الحكومة أخيرًا لضغط الملياردير الجنوب إفريقي الأصل، إيلون ماسك، وسمحت لشركته "ستارلينك" بتوفير إنترنت مجاني لـ5,000 مدرسة ريفية كبديل عن بيع الحصص المحلية، وصف ماسك نظام تمكين السود بـ"العنصري"، ما أثار جدلًا واسعًا في البلاد.

عواقب تطبيق النموذج المتشدد

أشار زعيم التحالف الديمقراطي، جون ستينهويزن، إلى أن الضغط الخارجي يُتيح فرصة للمدافعين عن الإصلاحات للقول: "كما ترون، هناك عواقب حقيقية لتطبيق النموذج المتشدد من تمكين السود".

وافقه الرأي زعيم حزب رايز مزانسي، سونغيزو زيبي، الذي أوضح أن قانون نزع الملكية لا يُعبّر عن موقف راديكالي بل عن صيغة وسطية متوافقة مع الدستور.

وأشار رجل الأعمال سيكيلا ديبيلا، صاحب مقهى في بلدة خايليتشا السوداء، إلى أنه لم يكن يعلم بأن المساعدات الأمريكية موّلت عيادة محلية لعلاج الإيدز، إلا حين تحدث الأطباء عن إغلاقها خلال تناولهم القهوة.

أثنى ديبيلا على هدوء رامافوزا في البيت الأبيض، مشيرًا إلى أن الوضع لم يكن محرجًا كما حدث مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي، لكنه عبّر عن استيائه من الحديث عن "إبادة جماعية للبيض"، ووصفه بالمضلل.

وأوضح كولين مكوسي، مؤسس شركة توصيل بالدراجات في بلدة لانغا، أن تمكين السود ضروري لضمان عدم تهميشهم، وأن منحهم الملكية يُشكّل حماية حقيقية، وعارض مكوسي ما وصفه بمحاولات المستثمرين الأجانب لإملاء طريقة إدارة الاقتصاد المحلي.

السود أكثر عرضة للعنف

استقبل الرأي العام الجنوب إفريقي تصريحات الوفد الحكومي في واشنطن بإيجابية، خصوصًا إقراره بمعدلات الجريمة المرتفعة، وسعيه لإقناع الإدارة الأمريكية بأن المواطنين السود أكثر عرضة للعنف من المزارعين البيض.

ويُدرك كثيرون أن العداء الأمريكي لن يُغيّر سياسات جنوب إفريقيا بين ليلة وضحاها، إلا أن بعض قادة الأعمال والمجتمع المدني يرون في هذه الأزمة فرصة لدفع الإصلاحات قدمًا.

وقد لا تُثمر العاصفة التي فجّرها ترامب تغييرًا فوريًا، لكنها على الأرجح ستُعمّق النقاش الداخلي حول مستقبل العدالة الاقتصادية، وتُعيد تشكيل العلاقة بين جنوب إفريقيا وشركائها الدوليين.



 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية