بولندا تشدد الرقابة على حدودها مع ألمانيا للحد من تدفق المهاجرين
بولندا تشدد الرقابة على حدودها مع ألمانيا للحد من تدفق المهاجرين
أعادت بولندا، فرض إجراءات تفتيش صارمة على حدودها مع ألمانيا، في خطوة مفاجئة كشفت تصاعد التوتر السياسي بين البلدين في أعقاب ما أصبح يُعرف بالحرب الإسرائيلية الإيرانية، وما تبعها من ضغوط متزايدة على ملف الهجرة الأوروبي.
وأقامت السلطات البولندية 52 نقطة تفتيش جديدة على الحدود الغربية مع ألمانيا، إضافة إلى تدابير مماثلة في 13 معبرًا حدوديًا مع ليتوانيا، ردًا على ما اعتبرته وارسو "إعادة غير منسقة للمهاجرين" من قبل الجانب الألماني، في ظل غياب اتفاق ثنائي أو تنسيق مسبق، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز"، اليوم الأربعاء.
ودافع رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك عن هذه الإجراءات، معتبرًا أنها تهدف إلى الحد من تدفق المهاجرين غير النظاميين "في الاتجاهين"، مؤكدًا أن بلاده لم تكن ترغب في اللجوء إلى هذه الخطوة، لكنها اضطرت للرد بالمثل على السياسات الأحادية الألمانية.
إشارة ضرورية لاحتواء الهجرة
من جانبها، أكدت الحكومة الألمانية أن التفتيش الحدودي مؤقت ويهدف إلى "ضمان النظام"، وفق ما أعلنه المتحدث باسم وزارة الداخلية، والذي أشار إلى أن هذه الخطوة تمثل إشارة ضرورية لاحتواء الهجرة غير المنظمة، بالتوازي مع انتظار تطبيق نظام اللجوء الأوروبي الموحد.
وصف مفوض الحكومة الألمانية لشؤون بولندا، كنوت أبراهام، الإجراء البولندي بأنه "عبء ثقيل" على سكان المناطق الحدودية، مؤكدًا أن سلاسل الإمداد والتوريد تتطلب حرية حركة كاملة، محذرًا من اختناق اقتصادي في حال تمديد هذه القيود.
وأعربت نقابة الشرطة الألمانية عن قلقها من غياب التنسيق، مطالبة باتفاقيات ملزمة تمنع ما وصفته بـ"لعبة شد الحبل بالمهاجرين"، بينما اعتبرت كلارا بونغر، النائبة عن حزب اليسار، أن هذه الإجراءات تعكس "معاملة غير إنسانية للاجئين"، داعية الحكومة الألمانية للتراجع عنها فورًا.
منظمات تدافع عن حقوق اللاجئين
أطلقت منظمة "برو أزول" المدافعة عن حقوق اللاجئين تحذيرات صارخة، خلال مؤتمر صحفي في فرانكفورت يوم 7 يوليو الجاري، من أن الممارسات الحالية تهدد بتفكك المشروع الأوروبي.
وصرّح المتحدث باسمها طارق العلاوي أن إعادة طالبي اللجوء بشكل غير منظم خلق حلقة مفرغة من الترحيل دون حماية، ما يعرض المهاجرين للتشرد أو الاحتجاز.
وانتقدت المنظمة سياسة الائتلاف الحاكم في برلين، ووصفت عمليات الإعادة بأنها "انتهاك صارخ للقانون الأوروبي"، مطالبة بعودة ألمانيا للالتزام الكامل بمواثيق حقوق الإنسان الأوروبية، خصوصًا في التعامل مع الفئات المستضعفة.
الحدود المغلقة.. صدمة للسكان
عبّر سكان المناطق الحدودية عن غضبهم من الإجراءات المفاجئة، حيث قالت كينغا دزيوبا، بائعة سجائر في مدينة سلوبتسه البولندية: "90% من زبائني ألمان، لكني أفضّل الأمان على التجارة".
وعبّر العامل ماريك كلودنيتسكي، الذي يعبر يوميًا إلى ألمانيا للعمل، عن خيبة أمله، قائلاً: "انتظرنا سنوات لرؤية أوروبا بلا حدود.. والآن تُغلق مجددًا".
وأكّد أن هذه الإجراءات تدمّر الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتعيد إحساس الانقسام الذي حاول الاتحاد الأوروبي تجاوزه منذ توقيع اتفاقية شنغن.
توتر في ملف الهجرة
صعدت الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي بشأن تقاسم أعباء اللاجئين منذ أزمة 2015، لكن الحرب الإسرائيلية الإيرانية زادت من حدة الانقسامات، خاصة بعد توقعات بارتفاع موجات النزوح من مناطق النزاع في الشرق الأوسط.
وعجز الاتحاد عن صياغة اتفاق إلزامي لتوزيع اللاجئين، مما دفع بعض الدول، مثل ألمانيا وبولندا، إلى اتخاذ تدابير انفرادية، تُعد في نظر منظمات حقوق الإنسان انتكاسة للمشروع الأوروبي، وتراجعًا عن المبادئ التأسيسية للتضامن والحرية.
وينتهي مبدئيًا العمل بالتفتيشات الحدودية في 5 أغسطس، لكن تمديدها يبدو مرجّحًا في ظل غياب حلول سياسية شاملة، ومع اقتراب فصل الخريف، تتزايد الضغوط على وارسو وبرلين لصياغة تفاهمات جديدة توازن بين الأمن والسيادة من جهة، والحقوق الإنسانية من جهة أخرى.