ليس معاداة للسامية.. أولمرت يٌرجع الغضب من إسرائيل إلى انتهاجها التطهير العرقي
ليس معاداة للسامية.. أولمرت يٌرجع الغضب من إسرائيل إلى انتهاجها التطهير العرقي
أقرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، بأن موجات الغضب المتصاعدة عالميًا تجاه إسرائيل ليست وليدة مشاعر معاداة السامية كما تدّعي الحكومة، بل ناتجة عن فظائع ترتكبها قوات الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
وأكد أولمرت في مقابلة نشرتها صحيفة "الغارديان" أن السياسة الإسرائيلية الحالية تفقد شرعيتها الدولية، وتدفع -حتى- أكثر حلفائها تقليدية إلى التململ منها.
اتهم أولمرت الحكومة الإسرائيلية بارتكاب جرائم حرب، مؤكدًا أن مشروع "المدينة الإنسانية" الذي طرحه وزير الخارجية يسرائيل كاتس ليس سوى معسكر اعتقال جديد للفلسطينيين، يندرج تحت سياسة تهجير قسري تمهّد لتطهير عرقي جماعي.
مخطط تهجير مموّه
رفض رئيس الوزراء الأسبق خطة كاتس التي تقضي ببناء "المدينة الإنسانية" على أنقاض رفح، محذرًا من أن تنفيذها سيمثل تصعيدًا خطِرًا، وقال أولمرت: "إذا تم ترحيلهم إلى المدينة الجديدة، فيمكن القول إن هذا جزء من تطهير عرقي.. لم يحدث ذلك بعد، لكن هذا هو التفسير الحتمي للخطة".
ووصف أولمرت الخطة بأنها معسكر اعتقال مقنّع، وأوضح أن الحكومة تسعى إلى فرض حصار دائم على مئات الآلاف من الفلسطينيين في هذه المدينة، حيث لن يُسمح لهم بالمغادرة إلا إلى دول أخرى، وعدّ هذا يشكل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، ويفضح زيف الادعاءات بأن المدينة تهدف إلى حمايتهم.
وأكدت وسائل إعلام إسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يدعم هذا المخطط، وأنه يرفض الانسحاب من منطقة رفح، ما يعوق جهود التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
ادعاءات الحماية تفتقد للمصداقية
هاجم أولمرت بشدة الخطاب الرسمي الإسرائيلي الذي يسوّق المدينة الإنسانية حلًّا إنسانيًّا، وقال: "عندما يبنون مخيمًا، حيث يخططون لتطهير أكثر من نصف سكان غزة، فإن الفهم الحتمي لاستراتيجية هذه الخطة هو أنها ليست لإنقاذهم، بل لترحيلهم ودفعهم بعيدًا".
أكد أولمرت أن المشروع لا يمكن فصله عن تصريحات متكررة لوزراء الحكومة الحاليين، الذين دعوا صراحة إلى "تطهير غزة" وإعادة توطينها بمستوطنين إسرائيليين، وأضاف أن الخطة تفتقر إلى المصداقية، خاصة في ظل تاريخ من المواقف العدائية تجاه السكان الفلسطينيين.
وأشار باحثو ومحامو حقوق الإنسان إلى أن الخطة المقترحة قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، بل وقد تتسع لتصل إلى تعريف الإبادة الجماعية إذا تم تنفيذها تحت الإكراه والحرمان من الحقوق الأساسية.
قالت منظمات حقوقية إسرائيلية إن إجبار السكان على مغادرة ديارهم ونقلهم إلى "مدينة مغلقة" يمثل نمطًا من أنماط التهجير القسري المنهجي، وهو ما تحظره المعاهدات الدولية بما في ذلك اتفاقات جنيف.
حملات تخوين وتحريض
تعرض بعض الإسرائيليين الذين شبّهوا المشروع بمعسكرات الاعتقال النازية إلى حملات تخوين وتحريض من قبل مناصري الحكومة، اتهم مركز "ياد فاشيم" -وهو مؤسسة إسرائيلية رسمية معنية بإحياء ذكرى الهولوكوست- أحد الصحفيين بـ"تشويه غير لائق لمعنى المحرقة"، بعد مقارنته المدينة الإنسانية بمخيمات النازية.
وشهدت الضفة الغربية موجة جديدة من العنف قادها مستوطنون مسلحون ضد قرى فلسطينية، تسببت في مقتل فلسطينيين، أحدهما يحمل الجنسية الأمريكية، في حادثة أثارت غضبًا واسعًا.
وشارك أولمرت، في يوم المقابلة ذاته، في تشييع جثمانَي الرجلين، ووصف الهجمات بأنها جرائم حرب. وقال: " إنها أمر لا يُغتفر، غير مقبول، هناك عمليات مستمرة تُنظم وتُدار بأكثر الطرق وحشية وإجرامًا من قبل مجموعة كبيرة".
وانتقد أولمرت رواية المؤسسة الإسرائيلية التي تصف هؤلاء المستوطنين بـ"شباب التلال" باعتبارهم مجموعة هامشية، واقترح استخدام مصطلح "فظائع التلال" للدلالة على الحجم والاتساع الفعلي لهذه الممارسات الوحشية، مؤكدًا أن هذه الأعمال لا تتم إلا بتواطؤ أو تساهل من السلطات العسكرية والأمنية في الأراضي المحتلة.
وزراء متطرفون بالحكومة
هاجم أولمرت بشدة أعضاء الحكومة الإسرائيلية من الجناح المتطرف، وعدّهم يشكلون تهديدًا أكبر من أي عدو خارجي، وقال: "هؤلاء هم العدو من الداخل"، في إشارة إلى الوزراء الذين يدفعون نحو استيطان أوسع، وتعطيل إنفاذ القانون، وتغذية العنف في الضفة وغزة.
أعرب عن قلقه من أن سياسات هؤلاء الوزراء، التي تتم بتواطؤ من قيادة الجيش والحكومة، تقوض أسس الديمقراطية في إسرائيل وتؤجج الغضب الدولي، ما يهدد بتصعيد العزلة السياسية والاقتصادية.
قال أولمرت إنه دعم الحملة العسكرية في بدايتها بعد هجمات 7 أكتوبر 2023، لكنه شعر بالصدمة عندما تحولت إلى "آلة تدمير بلا هدف".
وأكد أن الحكومة الإسرائيلية تخلت علنًا عن أي مفاوضات بحلول ربيع 2024، وأن أفعال الجيش تُظهر غياب أي محاسبة أو ضوابط ميدانية، خاصة عندما تُترك الوحدات لتتصرف بطريقة تؤدي حتمًا إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين.
وقال: "لهذا السبب لا يسعني إلا اتهام هذه الحكومة بالمسؤولية عن جرائم الحرب المرتكبة"، مشيرًا إلى أن الإهمال وتجاهل المعايير الإنسانية لا يقلان خطرًا عن الأوامر المباشرة بالقتل أو القصف.
حل الدولتين ما زال ممكناً
رغم سوداوية الوضع، أبدى أولمرت تمسكه بإمكانية التوصل إلى تسوية تاريخية، ودعا إلى تدخل دولي أوسع لفرض حل الدولتين، وكشف أنه يعمل مع وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق ناصر القدوة للدفع في هذا الاتجاه، مقترحًا أن يكون التطبيع مع السعودية جزءًا من الحوافز مقابل إنهاء الحرب ورفع الحصار عن غزة.
وانتقد بشدة تحركات نتنياهو الأخيرة، خصوصًا ترشيحه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام، رغم صدور مذكرة اعتقال دولية بحقه، معتبرًا ذلك محاولة يائسة لتلميع صورة مشوهة.
واتهم أولمرت الإعلام المحلي بالتقصير في تغطية الفظائع والانتهاكات التي تُرتكب في الأراضي الفلسطينية، وقال: "لا يرى المواطن الإسرائيلي الصورة الكاملة.. لو نقلت وسائل الإعلام الحقائق كما هي، لكان الموقف الشعبي مختلفًا".
وأضاف أن الرأي العام الدولي بدأ يفقد ثقته بإسرائيل بسبب تناقض الخطاب الرسمي مع ما تبثه وسائل الإعلام العالمية ومنصات التواصل الاجتماعي.
رسالة من مسؤل سابق
قال أولمرت، وقد بدت عليه ملامح الغضب والأسى: "ماذا يمكنني أن أفعل لتغيير هذا الموقف، سوى الاعتراف بهذه الشرور، وثانيًا، انتقادها والتأكد من أن الرأي العام الدولي يعرف أن هناك أصواتًا أخرى في إسرائيل؟".
ورأى أن الوضع الحالي لا يحتمل السكوت، ودعا الإسرائيليين إلى اليقظة والتحرك قبل أن تفقد بلادهم آخر ما تبقى من دعم شرعي في المجتمع الدولي، وختم حديثة "نحن بحاجة إلى شجاعة داخلية.. لا يمكن بناء مستقبل عبر إنكار الحقيقة أو التهرب منها".