بعد تجاوز الحرارة 50 درجة.. إيران تُعلن اليوم عطلة رسمية لمواجهة أسوأ أزماتها البيئية
الحرارة حولت العاصمة إلى مدينة غير صالحة للسكن
يقول رضا، الرجل الأربعيني المقيم في وسط طهران، بعد أن عانى من انقطاع مياه دام 20 ساعة دون سابق إنذار: "في شارعنا، ترى الناس يحملون جرارًا إلى منازل أقاربهم لمجرد الحصول على الماء"، ومع تصاعد درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة، أصبحت هذه الصورة اليومية مألوفة في أحياء العاصمة الإيرانية، حيث يتعامل السكان مع أزمة بيئية متفاقمة دفعت السلطات إلى إعلان عطلة رسمية غير مسبوقة في واحدة من أكثر مدن الشرق الأوسط كثافة سكانية.
وبحسب صحيفة "فايننشيال تايمز"، لم يعد انقطاع المياه حدثًا استثنائيًا في طهران، بل أصبح "روتينًا جديدًا" فرضه الجفاف والتغير المناخي وسوء الإدارة، ومع وصول درجات الحرارة إلى ما فوق 50 درجة مئوية في بعض المناطق، أغلقت السلطات الإيرانية المكاتب الحكومية والبنوك والشركات التجارية في العاصمة، مطالبة السكان بالبقاء في منازلهم، وترشيد استهلاك الماء والكهرباء بنسبة لا تقل عن 20%.
لم يكن رضا الوحيد الذي يشعر بالاختناق وسط هذه الظروف، زهرة، ربة منزل تقطن في العاصمة، قالت: "يمكنك العيش بدون كهرباء أو حتى غاز، ولكن كيف يمكنك العيش بدون ماء؟"، وتضيف: "بعد الحرب مع إسرائيل، شعرت أننا على الأقل خرجنا من الكابوس، لكن انقطاع الماء ليس مزحة، إنه تهديد حقيقي لحياتنا اليومية".
تنقل هذه الشهادات الفردية ملامح كارثة بيئية تتصاعد حدّتها في البلاد عامًا بعد عام، لكنها بلغت ذروتها هذا الصيف، حيث يُنظر إلى طهران على أنها مثال واضح على ما يمكن أن تؤول إليه المدن الكبرى في ظل التغير المناخي، فقد حذّر الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، من أن العاصمة نفسها "قد تصبح غير صالحة للسكن" ما لم تُتخذ إجراءات جذرية.
جفاف وانهيار للبنية التحتية
يشير تقرير لصحيفة "الغارديان" إلى أن إيران تعاني من جفاف مستمر منذ خمس سنوات، في حين شهدت البلاد هذا العام أحد أقل معدلات هطول الأمطار منذ ستة عقود.
ويمتلك البلد مئات السدود التي بُنيت منذ خمسينيات القرن الماضي، لكن الجفاف المتواصل قلّص إنتاجها بشكل كبير، وقد انعكس هذا على شكل انقطاعات متكررة في الكهرباء والمياه، إضافة إلى تدهور في البنية التحتية الحيوية.
أفادت شركة المياه والصرف الصحي في محافظة طهران أن منسوب المياه في خزان أمير كبير انخفض بنسبة 58% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وسجلت انخفاضات حادة أيضًا في سدود لار (34%)، لاتيان ومالكو (47%)، وطالقان (32%)، وتُظهر هذه الأرقام مدى الخطر المحدق بأمن المياه في العاصمة التي يزيد عدد سكانها عن 14 مليون نسمة.
قرارات استثنائية
في مواجهة هذه الأوضاع، أعلنت الحكومة يوم الأربعاء 23 يوليو عطلة رسمية في طهران وما لا يقل عن عشر محافظات أخرى، بحسب "أسوشيتد برس".
ودعت المتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجراني، السكان إلى تقليل استهلاكهم للكهرباء والماء، قائلة عبر منصة إكس: "في ضوء استمرار الحر الشديد وضرورة ترشيد استهلاك المياه والكهرباء، أُعلن يوم الأربعاء عطلة رسمية".
ويعكس الإجراء غير المسبوق حجم الضغط الذي تواجهه السلطات، إذ لم يسبق أن أُغلقت محافظة بأكملها بسبب ندرة المياه، رغم اعتياد الإيرانيين على أزمات متكررة تتعلق بتلوث الهواء أو نقص الغاز، وقد ارتفعت درجات الحرارة في بعض المناطق إلى مستويات قياسية، حيث سجلت مدينة شبانكاره في جنوب غرب البلاد 52.8 درجة مئوية، وهي أعلى درجة حرارة مسجلة هذا العام، وفقًا لخبير المناخ ماكسيميليانو هيريرا.
أزمة متعددة الأبعاد
لا يمكن اختزال الأزمة في موجة حر واحدة، بل تمتد جذورها إلى التغير المناخي والإدارة الحكومية وأثر العقوبات، وبحسب "فايننشيال تايمز"، تعاني إيران من اختلالات مزمنة في إدارة موارد الطاقة، رغم امتلاكها ثاني أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم، وقد أدى هذا إلى إغلاق المصانع أحيانًا لإعطاء الأولوية للاستهلاك المنزلي، فيما باتت المياه تشكل الآن مصدر ضغط إضافي.
وفيما أعلنت الحكومة عن خطة لخفض استخدام المياه في الزراعة والصناعة بمقدار 45 مليار متر مكعب سنويًا بحلول 2032، فإن تنفيذ هذا الهدف يتطلب استثمارات ضخمة، غير أن العقوبات الأمريكية المستمرة تعيق قدرة إيران على جذب التمويل الأجنبي أو تحديث بنيتها التحتية، ما يجعل الهدف صعب المنال في الوقت الراهن.
إضافة إلى الداخل، تلعب التوترات مع دول الجوار دورًا في تعقيد المشهد، فوفقًا لصحيفة "الغارديان"، تفاقمت أزمة المياه في مدينة مشهد بسبب سدٍّ شيّدته أفغانستان في ولاية هرات على نهر هريرود، وقال إحسان علي، أحد سكان المدينة، إن السد أدى إلى تقليص تدفق المياه، ما فاقم المعاناة من انقطاعات الكهرباء التي تصل إلى تسع ساعات يوميًا.
إدارة الأزمات البيئية
ورغم التحذيرات التي صدرت قبل شهور من "صيف العطش"، بحسب تعبير خبراء محليين، فإن الحكومة لم تتخذ خطوات وقائية كافية، هذا الفشل في التخطيط عزّز حالة عدم الثقة بين المواطنين والسلطات، خاصة في ظل شعور واسع بأن الحكومة تفتقر إلى الشفافية في إدارة الأزمات البيئية.
ويقول حسين حسن، أحد سكان طهران، لـ"الغارديان": "أشعر أن الشمس تحرق جلدي.. أستحم مرتين في اليوم، وأسمع أن بعض المناطق تُقطع عنها المياه لأكثر من 12 ساعة.. نحن نعيش على حافة الكارثة".
ما بدأ كموجة حر موسمية، تحوّل إلى أزمة تهدد بقاء العاصمة، وربما مستقبل الحياة الحضرية في البلاد، وقد لا يكون الحديث عن "تحول طهران إلى مدينة غير صالحة للسكن" محض مبالغة، بل نذيرًا لما قد يحدث في السنوات القادمة إذا لم تُتخذ إجراءات جذرية.