أزمة غير تهدد الحياة اليومية للملايين.. إيران تُطلق نداء استغاثة لتوفير المياه
أزمة غير تهدد الحياة اليومية للملايين.. إيران تُطلق نداء استغاثة لتوفير المياه
في ظل موجة حر لاهبة تضرب البلاد تجاوزت فيها درجات الحرارة المحلية حاجز الخمسين درجة مئوية، أطلقت السلطات الإيرانية، الأحد، نداءً عاجلاً لمواطنيها لتقليل استهلاك المياه، لتفادي تفاقم أزمة نقص غير مسبوقة باتت تهدد الحياة اليومية للملايين.
مستويات تاريخية متدنية لمخزون المياه
أعلنت شركة إدارة المياه في محافظة طهران أن احتياطات السدود التي تغذي العاصمة الكبرى، والتي يقطنها أكثر من 13 مليون نسمة، قد هبطت إلى أدنى مستوى لها منذ مئة عام. هذه الأرقام الصادمة نشرتها وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية (إرنا)، لتكشف حجم الخطر المحدق بعاصمة تعاني أصلًا من الضغط الهائل على مواردها الطبيعية.
رئيس مجلس بلدية طهران، مهدي تشمران، دعا السكان صراحةً إلى الاقتصاد في استخدام المياه لتجنب انخفاض ضغط المياه في الأنابيب، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى انقطاع تام، كما ناشدت شركة إدارة المياه السكان بخفض استهلاكهم بنسبة لا تقل عن 20%، في محاولة عاجلة لإبطاء وتيرة استنزاف الموارد.
انقطاعات طويلة في مختلف المحافظات
لم تعد الأزمة حكرًا على العاصمة، ففي الأيام الأخيرة، عممت السلطات الإيرانية الدعوات نفسه في محافظات أخرى تعاني بدورها من الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، مثل فارس في الجنوب، وخراسان رضوي في الشمال الشرقي، وخوزستان في الجنوب الغربي، وأذربيجان الغربية في الشمال الغربي.
صحيفة "جوان" المحافظة سلطت الضوء على معاناة المواطنين جراء "انقطاعات متكررة ولفترات طويلة للمياه" في طهران والبرز، وذكرت أن الأسر تواجه ظروفًا قاسية خلال الصيف الحار مع انقطاع المياه لفترات تصل بين 12 إلى 18 ساعة يوميًا، ما يجعل الحياة اليومية شديدة الصعوبة.
بلد قليل الأمطار يواجه عواقب التغير المناخي
تاريخيًا، تُعد إيران واحدة من أكثر الدول قلةً في معدلات الأمطار على مستوى الشرق الأوسط، بمعدل سنوي يقارب 250 ملم فقط، ومع التغيرات المناخية المتسارعة، تكررت موجات الجفاف واشتدت حدتها، في وقت زادت فيه الضغوط السكانية والاستهلاك الصناعي والزراعي.
تقارير منظمات أممية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) حذرت مرارًا من أن إيران تقف أمام "كارثة مائية" محتملة إذا لم تُعالج مشكلات الإدارة المستدامة للموارد، ومنها الهدر الزراعي الكبير، واستنزاف المياه الجوفية غير القابلة للتجدد.
الاحتباس الحراري يعمّق الجراح
وفق الأرصاد الجوية الإيرانية، يعيش الإيرانيون حاليًا أكثر أسابيع العام حرارةً، حيث تجاوزت درجات الحرارة محليًا 50 درجة مئوية، موجات الحر هذه، التي أصبحت أطول وأكثر شدة مقارنة بالسنوات الماضية، تعني زيادة التبخر بشكل أكبر، ما يقلل بدوره من كميات المياه السطحية والجوفية المتاحة.
أعباء مضاعفة على الأسر
إلى جانب الانقطاعات الطويلة، يواجه السكان أيضًا انخفاضًا في جودة المياه المتبقية بسبب زيادة تركيز الأملاح والمعادن مع انخفاض مستويات الخزانات، هذه التحديات تُثقل كاهل الأسر محدودة الدخل، التي تُضطر لشراء مياه الشرب المعبأة بتكلفة مرتفعة لا تناسب دخلها.
تهديد الأمن الغذائي والاقتصاد
المياه ليست فقط موردًا حيويًا للشرب، بل هي العمود الفقري للزراعة التي يعتمد عليها ملايين المزارعين الإيرانيين. استمرار الجفاف يعني تقلص الإنتاج الزراعي، وزيادة أسعار المواد الغذائية محليًا، وارتفاع معدلات الهجرة من الريف إلى المدن بحثًا عن موارد العيش.
كما تهدد الأزمة بعض الصناعات الاستراتيجية، ما ينذر بانعكاسات اقتصادية أوسع قد تطول معدلات التضخم وفرص العمل.
أزمة الإدارة المستدامة
رغم التحذيرات المستمرة، يرى خبراء أن جزءًا من جذور الأزمة يرتبط بالسياسات المائية غير المستدامة على مدار العقود الماضية، كالمشاريع الزراعية المفرطة في استهلاك المياه، وتوزيع المياه بأسعار مدعومة تشجع على الهدر.
دراسات أكاديمية إيرانية وتقارير دولية دعت مرارًا إلى إصلاحات جذرية، تتضمن تحديث شبكات الري، والاعتماد على تقنيات الزراعة الحديثة، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي بعد معالجتها، لكن التنفيذ الفعلي بقي محدودًا لأسباب اقتصادية وإدارية.