انتقادات حقوقية لقرار اليونان تعليق طلبات اللجوء لمهاجري شمال إفريقيا
انتقادات حقوقية لقرار اليونان تعليق طلبات اللجوء لمهاجري شمال إفريقيا
في ظل تصاعد أزمات الهجرة غير النظامية نحو السواحل الأوروبية، اتخذت الحكومة اليونانية قرارًا مثيرًا للجدل بتعليق النظر في طلبات اللجوء المقدمة من مهاجرين قادمين من شمال إفريقيا، ما أثار موجة واسعة من الانتقادات المحلية والدولية.
ويأتي القرار، الذي صادق عليه البرلمان اليوناني منتصف يوليو الجاري، في سياق تصاعد الخطاب السياسي المتشدد تجاه المهاجرين، مع تعزيز الإجراءات الأمنية وإنشاء مراكز احتجاز جديدة، وبالأخص في جزيرتي كريت وغافدوس، اللتين تشكلان بوابة عبور رئيسية عبر المتوسط من السواحل الليبية، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز"، الجمعة.
ورغم إقرار السلطات اليونانية بالتحديات التي تواجهها جراء تضاعف أعداد الوافدين خلال الأشهر الأخيرة، إلا أن تعليق الحق في طلب اللجوء وفرض خيار "السجن أو العودة" على المهاجرين، يمثل بحسب منظمات حقوقية "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي"، وتجاهلًا خطيرًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية الذي يُعد أحد الأعمدة الأساسية في القانون الدولي الإنساني.
ردود فعل منددة بالقرار
أجمعت العديد من الجهات الحقوقية على أن القرار الجديد يُعد سابقة خطيرة تمهد لشرعنة انتهاكات جسيمة بحق المهاجرين واللاجئين.
وعبر مفوض مجلس أوروبا لحقوق الإنسان، مايكل أوفلاهيرتي، عن قلقه من أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى إعادة أشخاص إلى مناطق قد يواجهون فيها خطر التعذيب أو الاضطهاد، ما يُعد انتهاكًا مباشرًا للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، واتفاقية اللاجئين لعام 1951.
بدورها، أعربت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عن قلقها العميق، مؤكدة أن القرار يتعارض مع المبدأ القانوني الأساسي المتمثل في حق الجميع في طلب اللجوء بغض النظر عن بلد منشئهم أو طريقة دخولهم إلى الأراضي الأوروبية.
وحذّرت من أن هذا التوجه قد يؤدي إلى إعادة قسرية جماعية دون دراسة فردية لكل حالة، ما يُعد ممارسة تمييزية وغير إنسانية، خصوصًا تجاه لاجئين سودانيين وليبيين يفرّون من نزاعات مسلحة واضطهاد ممنهج.
ومن جهتها، أدانت منظمة العفو الدولية القرار باعتباره "مشينًا" و"انتهاكًا صريحًا للمعايير الدولية"، وأكدت أن إنشاء مراكز احتجاز مغلقة سيؤدي إلى احتجاز تعسفي طويل الأمد، في ظروف قد تفتقر للحد الأدنى من المعايير الإنسانية.
تضامن المجتمع المدني
في الداخل اليوناني، لم يكن الرفض مقتصرًا على المنظمات الدولية فحسب، بل وقّعت أكثر من 109 جمعيات ومنظمات حقوقية محلية ودولية على بيان مشترك يدين التشريع، من بينها رابطة حقوق الإنسان اليونانية والمجلس اليوناني للاجئين، مطالبين المفوضية الأوروبية باتخاذ موقف واضح وحازم من هذه "السابقة غير القانونية".
ونبّهت شبكة تسجيل العنف العنصري (RVRN) إلى أن الخطاب السياسي المتصاعد المعادي للاجئين في البلاد –الذي يصفهم بالغزاة أو التهديد الديمغرافي– يعزز مناخ الكراهية والعنصرية ويقوّض التماسك الاجتماعي، داعية إلى ضبط الخطاب العام واحترام كرامة الإنسان.
وفقًا للبيانات الرسمية، وصل أكثر من 7300 مهاجر إلى جزيرتي كريت وغافدوس خلال النصف الأول من عام 2025، مقابل 4935 خلال العام السابق كاملاً.
وتُعد جزيرة غافدوس، الصغيرة في جنوب كريت، التي لا يتجاوز عدد سكانها 70 شخصًا في غير موسم السياحة، مركزًا غير مؤهل لاستقبال أعداد المهاجرين المتزايدة، الأمر الذي يثير مخاوف من تفاقم الأوضاع المعيشية والصحية في مراكز الاحتجاز هناك.
ويفر العديد من هؤلاء الوافدين من سواحل ليبيا الشرقية، خصوصًا مدينة طبرق، هاربين من النزاع، الفوضى الأمنية، والانتهاكات الحقوقية، ما يجعل ترحيلهم دون دراسة أو احتجازهم التعسفي انتهاكًا مباشرًا لحقوق الإنسان الأساسية.
تسييس ملف الهجرة
تؤكد التطورات في اليونان أن تسييس ملف الهجرة والاستجابة له من منظور أمني محض، يقوّض القيم التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي ويهدد مصداقيته في احترام الكرامة الإنسانية وحقوق اللاجئين.
ويثير إصرار أثينا على تنفيذ هذه السياسات رغم الانتقادات الدولية الواسعة تساؤلات جدية حول مدى التزامها بالقانون الدولي، وضرورة قيام المؤسسات الأوروبية بمحاسبة الحكومات التي تنتهك المبادئ الجوهرية لحقوق الإنسان.