بعد 40 عاماً في سجون فرنسا.. الناشط اللبناني جورج عبدالله يؤكد تمسكه بـ"المقاومة"
بعد 40 عاماً في سجون فرنسا.. الناشط اللبناني جورج عبدالله يؤكد تمسكه بـ"المقاومة"
على أرض مطار بيروت، وعيناه تلمعان بتعب السنين وعناد القضية، نطق جورج إبراهيم عبدالله أولى كلماته بعد أربعين عامًا في زنازين فرنسا: "المقاومة من أجل فلسطين يجب أن تستمر". قالها وهو يلف كتفيه بالكوفية الفلسطينية، وكأنه يريد أن يذكّر من حوله: حتى القيد لم ينجح في انتزاع حلمه.
جورج عبدالله، المدرّس الذي صار مناضلًا، ثم سجينًا، صنّفته فرنسا أحد أخطر خصومها، عاد إلى وطنه لبنان بعد أربعة عقود، ووراءه رحلة تداخلت فيها السياسة بالتاريخ بالمعاناة الإنسانية.
سجين تحوّل إلى رمز
وُلد عبدالله قبل 74 عامًا في بلدة القبيات شمال لبنان. في نهاية السبعينيات، أصيب خلال الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، فانضم إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأسس لاحقًا مع مقربين منه «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية»، وهي تنظيم ماركسي مناهض للإمبريالية نفذ هجمات في أوروبا نصرةً لفلسطين.
في عام 1984 ألقت الشرطة الفرنسية القبض عليه، وحوكم بتهمة التواطؤ في اغتيال دبلوماسيين أمريكي وإسرائيلي في باريس، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 1987. بقي خلف القضبان أربعين عامًا، رغم أن القانون أجاز الإفراج المشروط عنه منذ ربع قرن. قدم 12 طلبًا للإفراج، رفضتها السلطات الفرنسية كلها.
لكن محكمة الاستئناف الفرنسية رأت أخيرًا أن بقاءه خلف القضبان أصبح غير متناسب مع الجرائم المرتكبة ومع سنه، فصار الإفراج واقعًا، بشرط مغادرة فرنسا وعدم العودة إليها.
أحلام لم تُصب بالشيخوخة
قبل الرحيل، أفرغ عبدالله زنزانته التي زيّنها بصورة تشي غيفارا وعلم أحمر. تبرع بمعظم ملابسه لرفاقه السجناء، وغادر فقط بحقيبة صغيرة، كما نقل محاميه. وخلف القضبان، لم تبهت في قلبه فكرة المقاومة.
يقول محاميه إنه بدا سعيدًا جدًا بالحرية، لكن وعيه بما يجري في الشرق الأوسط كان حاضرًا بقوة؛ عاد إلى وطنٍ يعيش على وقع حرب في غزة، وأزمات لا تنتهي.
لم تنتظره الدولة اللبنانية بمراسم رسمية، لكن في المطار تجمع العشرات من المؤيدين: رفعوا أعلام الحزب الشيوعي اللبناني والفلسطيني، وقرعوا الطبول، ورددوا الهتافات. في الصف الأمامي، وحضر نواب من حزب الله وحركة أمل، وأمين عام الحزب الشيوعي اللبناني.
على لافتة مرفوعة في قاعة الوصول، كُتب: “جورج عبدالله حر – مناضل لبناني وفلسطيني ودولي، من أجل الحرية على طريق تحرير فلسطين”.
إسرائيل في آخر فصول وجودها
في كلمته أمام الصحفيين، بدا عبدالله متماسكًا ووفيًا لقناعاته القديمة: “المقاومة يجب أن تستمر وتتصاعد، وتكون بمستوى الهياكل العظمية لأطفال غزة”، قالها بصوت بدا عليه ثقل السنين لكنه لم يخلُ من العزم. وأضاف: “إسرائيل تعيش آخر فصول وجودها”.
ثم غادر المطار متوجهًا إلى بلدته القبيات، حيث ينتظره بيت وأرض وجذور، لكنها لن تقدر على انتزاعه تمامًا من ساحة الصراع التي عاش فيها عمره كله.