"بلا صوت ولا ملاذ".. اللاجئون السوريون في لبنان بين ألم الغربة ومخاوف العودة
"بلا صوت ولا ملاذ".. اللاجئون السوريون في لبنان بين ألم الغربة ومخاوف العودة
في بلدٍ صغير كلبنان، يكاد اللاجئ السوري لا يجد مكاناً يختبئ فيه من الخوف، فبين جدران المخيمات التي بالكاد تحجب حرارة الصيف وبرد الشتاء، وخلف أبواب البيوت المتواضعة التي لا تمنح أماناً، يعيش أكثر من مليون لاجئ سوري تحت وطأة التهديد الدائم بالطرد، والملاحقة، والإهانة.
وأمام مجلس النواب اللبناني، أعلن رئيس الحكومة نواف سلام، في 16 يوليو الجاري، أن أكثر من 16 ألف لاجئ سوري تقدموا بطلبات "عودة نهائية" إلى سوريا خلال عشرة أيام فقط، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز"، اليوم الخميس.
وبدا الرقم للبعض مؤشراً على نجاح خطة "العودة الآمنة والمستدامة"، لكن خلفه تختبئ حكايات كثيرة عن الخوف، والضغط، والاختناق من حياة صارت في كثير من جوانبها أشبه بمطاردة مفتوحة.
وتزامن هذا الإعلان مع تصاعد في وتيرة المداهمات الأمنية، والاعتقالات الجماعية، وحالات الترحيل القسري، كما تؤكد شهادات موثقة نقلها "مهاجر نيوز" ومنظمات حقوقية محلية ودولية. عشرات السوريين تم ترحيلهم قسراً إلى بلدٍ ما زال مدمراً ومنهكاً، بلد غادروه أصلاً بحثاً عن الحياة.
"سفرونا وضربونا"
شاب سوري، عمره 30 عاماً، كان يعيش في كسروان اللبنانية، روى كيف تم اقتحام مكان سكنه عند الثالثة صباحاً من 11 يوليو: "جاءوا بسيارات، وضعونا فيها عنوة، رغم أن بعضنا يحمل كفالات مجددة، لم يُسمح لنا بالكلام.. ضربونا.. نقلونا إلى الحدود وسلّمونا دون أي أوراق".
يقول بصوت خافت من سوريا: "لم أعد أملك شيئاً، لا مكان، ولا أمان".
قصة هذا الشاب ليست استثناءً.. بل هي مشهد متكرر في عشرات البلدات والمخيمات من جبولة في بعلبك إلى صيدا في الجنوب.
وفي المنصورية وحدها، تم اعتقال ما بين 60 و70 شخصاً في عملية واحدة، كثير من هؤلاء لم يكن لديهم فرصة للاتصال بعائلاتهم أو بمحامٍ، ناهيك عن تمكينهم من الطعن في القرار أو توضيح موقفهم.
مهدد في كل لحظة
في لبنان، لا يُسمح للسوريين بتسوية أوضاعهم القانونية بسهولة. إذ تتداخل البيروقراطية مع التشدد الأمني، وتُغلق الأبواب أمام أغلبهم.
كثيرون لا يستطيعون العمل، أو التنقل، أو حتى زيارة المستشفيات دون خوف من الحواجز.
أبٌ سوري لثلاثة أطفال يعمل في توصيل الطلبات قال: "نعيش حالة رعب يومية، كل حاجز هو احتمال للاعتقال، لم نعد نجرؤ على الخروج ليلاً، هناك مدنيون يوقفوننا، يفتشون هواتفنا، ويتهموننا بالإرهاب دون سبب، بل ويحلقون شعورنا على قارعة الطريق".
عودة طوعية أم ترحيل؟
تصِف الحكومة اللبنانية الخطة بأنها "عودة طوعية"، وتعلن عن حوافز مالية تشمل 100 دولار لكل شخص قبل مغادرته، و400 دولار للأسرة تُمنح عند وصولهم إلى سوريا، لكن على الأرض، وفي شهادات اللاجئين، لا يبدو أن الخيار فعلاً "طوعياً".
يقول أحدهم: "لو كانت سوريا أفضل، لكنا عدنا منذ سنوات. لكننا نعلم ما ينتظرنا هناك: لا بيوت، لا وظائف، وأحياناً اعتقالات أو تصفيات، نحن لا نختار بين بلدين، بل بين نارين".
قلق حقوقي وصمت دولي
منظمة "مركز وصول لحقوق الإنسان" وثّقت في تقريرها الصادر في 22 يوليو عمليات طرد وترحيل تمت دون إنذار أو محاكمة.
وأكدت أن "برامج العودة الطوعية" في كثير من الأحيان تخفي وراءها ضغوطاً ممنهجة وإجراءات تعسفية تجعل البقاء مستحيلاً، والرحيل قسرياً.
وتوقفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن تسجيل اللاجئين منذ عام 2015، تحت ضغط الحكومة اللبنانية، ما يزيد من هشاشة وضع هؤلاء قانونياً.
وتفيد المفوضية بأن نحو 785,000 لاجئ فقط مسجلون رسمياً من أصل أكثر من 1.5 مليون.
بين السكين والجدار
اللاجئون السوريون في لبنان اليوم يعيشون بين الخوف من الغد واليأس من الحاضر. لا هوية آمنة، ولا عمل يقي الجوع، ولا قانون يحمي من الاعتقال العشوائي.
وبينما ترتفع الدعوات داخل لبنان لإعادة اللاجئين، يغيب الحديث الجاد عن توفير ضمانات حقيقية لسلامتهم عند العودة.
هؤلاء ليسوا أرقاماً، هم بشر، لهم أسماء ووجوه وأحلام، بعضهم يحلم فقط بأن ينام ليلة دون صوت اقتحام، أن يصحو دون أن يكون على قائمة ترحيل، أن يحظى بفرصة عادلة للحياة.. فقط الحياة.