أزمة اجتماعية.. المرأة الإيرانية تعاني عنفاً ممنهجاً وسط صمت رسمي مُقلق

أزمة اجتماعية.. المرأة الإيرانية تعاني عنفاً ممنهجاً وسط صمت رسمي مُقلق
نساء إيرانيات - أرشيف

في مجتمع تتغلغل فيه الذهنية الأبوية منظومةً فكريةً واجتماعيةً مترسخةً، تُدفع المرأة في إيران، كما في أجزاء واسعة من الشرق الأوسط، إلى هامش الحياة، حيث تتحول أدوارها إلى قوالب تقليدية تُقيّد حريتها وتضعها تحت رحمة منطق القوة الذكورية. 

وتُعيد هذه البنية، التي تُشرعنها القوانين والعادات، إنتاج واقع مأساوي للمرأة، حيث يصبح العنف وسيلة للسيطرة، والقتل والانتحار من النتائج المريرة لهذا التسلط المتجذر، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، الأحد.

خلال الفترة الممتدة من 22 يونيو حتى 22 يوليو الجاري، وثقت تقارير حقوقية مقتل 21 امرأة و6 أطفال، فيما أقدمت 12 امرأة على الانتحار في ظروف غامضة، في حين نفّذت السلطات الإيرانية حكم الإعدام بحق امرأة، وقُتلت خمس نساء وطفل على يد الأجهزة الأمنية. 

وتُظهر هذه الإحصاءات المقلقة أن العنف ضد المرأة لم يعد محصورًا في الإطار الخاص أو الأسري، بل امتد ليصبح سلوكًا عامًا تمارسه الدولة والمجتمع على حد سواء.

جرائم نتيجة نزاعات أسرية

معظم حالات القتل جاءت نتيجة ما يُعرف بجرائم “الشرف”، أو بسبب نزاعات أسرية، أو ردّاً على رغبة النساء في الطلاق أو اختيار شريك الحياة. ففي أورمية، قُتلت مدربة كرة طائرة، سولماز عباسي، على يد زوجها؛ فقط لأنها طلبت الطلاق. 

وفي مهاباد، لقيت نيلوفر فتوحي مصرعها لأنها رفضت عرض زواج. وفي بيرانشار، قُتلت فتاة على يد شقيقها بذريعة الشرف، وهي التهمة التي باتت تُستخدم غطاءً لتبرير جرائم القتل الممنهجة ضد النساء.

هذا العنف لا يقتصر على الأفراد، بل تمارسه أجهزة الدولة بشكل مباشر. ففي مدينة إيرانشهر، فارقت المعلمة حسنية كولكولي الحياة بعد إصابتها برصاص الأمن، في حين توفيت خان بيبي بامري في خاش خلال مداهمة أمنية، وقُتلت صديقة شيخي وأفراد من عائلتها في خمين برصاص القوات الحكومية.

وتسلط هذه الحالات الضوء على ما يمكن وصفه بـ"العنف المُمنهج" الذي تُمارسه السلطة ضد النساء، وتضع علامات استفهام كبرى حول المساءلة والإفلات من العقاب.

معاناة نفسية واجتماعية

من ناحية أخرى، أقدمت العديد من النساء، وبينهن فتيات في سن المراهقة، على إنهاء حياتهن لأسباب غير معلنة، وهو ما يعكس حجم المعاناة النفسية والاجتماعية التي يواجهنها في ظل محيط خانق، لا يتيح لهن التعبير عن الألم أو طلب النجدة. 

الانتحار هنا ليس قرارًا فرديًا فحسب، بل صرخة صامتة في وجه مجتمع لا يرى المرأة إلا كائناً تابعَاً، لا يحق له الغضب أو الرفض أو حتى الحلم بحياة مختلفة.

تتكرر في هذه القصص مشاهد الألم، رجال يقتلون زوجاتهم أو شقيقاتهم، فتيات يُنتزعن من الحياة لأنهن خالفن التوقعات، أمهات يُتركن للرحيل وسط العنف، وأطفال يُقتلون إما ضمن النزاعات العائلية أو خلال مواجهات مع الأمن. 

وخلف كل اسم من هذه الأسماء حكاية مؤلمة، وأسرة مدمّرة، ومستقبل مهدور. ولا تزال القوانين والأعراف في كثير من الأحيان توفّر غطاءً لهذه الجرائم أو تتعامل معها بتساهل، ما يُكرّس ثقافة الإفلات من العقاب.

الصمت يزيد حجم الأزمة

الصمت المُطبق الذي يُقابل هذه الوقائع، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، يُسهم في استمرار النزيف، ويطرح تساؤلات حول دور المجتمع المدني، والإعلام، والمنظمات الدولية في حماية النساء، وفضح ممارسات العنف المنزلي والرسمي. 

وفي إيران اليوم، لا تواجه النساء فقط خطر العنف، بل يُفرض عليهن صراع يومي من أجل البقاء في منظومة تعتبرهن درجة ثانية.

هذا التقرير ليس فقط توثيقًا لسلسلة من الجرائم، بل هو نداء إنساني عاجل. ما تحتاجه النساء في إيران هو أكثر من الحداد على من رحلن، وما يحتجنه هو مساءلة، تشريعات عادلة، أصوات تضامن تتخطى الخوف، وتحرك دولي يفرض على النظام احترام كرامة الإنسان، أيًّا كان جنسه، فحين تصبح حياة النساء سلعة رخيصة في سوق العنف، فإن المجتمع بأسره يكون قد فقد بوصلته الأخلاقية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية