تصاعد القلق الحقوقي في أنغولا.. تزايد الإعدامات يعمق الأزمة الإنسانية

تصاعد القلق الحقوقي في أنغولا.. تزايد الإعدامات يعمق الأزمة الإنسانية
أعمال العنف خلال احتجاجات أنغولا - أرشيف

بينما تتواصل تداعيات الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها أنغولا، تتصاعد الأصوات الحقوقية المنددة بما تصفه بـ"الإعدامات التعسفية" والانتهاكات الجسيمة التي ارتُكبت على أيدي قوات الأمن في تعاملها مع المتظاهرين، فالاحتجاجات، التي اندلعت في أعقاب ارتفاع أسعار الوقود، تحولت سريعًا إلى واحدة من أعنف موجات العنف الاجتماعي منذ سنوات، وأعادت إلى الواجهة تساؤلات عميقة حول وضع حقوق الإنسان، وغياب العدالة، واستمرار الإفلات من العقاب في البلاد.

في غضون يومين فقط، سقط أكثر من 30 قتيلًا، بينهم شرطي، وأصيب المئات، فيما وثّقت منظمات محلية ودولية استخدامًا مفرطًا للقوة وعمليات قتل خارج إطار القانون، هذا التصعيد الخطِر كشف هشاشة النظام القضائي، وتآكل مؤسسات الرقابة، في ظل نظام سياسي يقوده حزب واحد منذ ما يقرب من نصف قرن.

رصاص الشرطة وغياب المساءلة

أربعة من أبرز المنظمات غير الحكومية في أنغولا، من بينها "لجنة العدل والسلام" التابعة لمؤتمر الأساقفة الكاثوليك، أدانت، في بيان مشترك يوم الثلاثاء، بشدة ما وصفته بـ"عمليات إعدام خارج القانون"، واعتبرت أن تدخل الشرطة في فض الاحتجاجات تجاوز كل المعايير القانونية والإنسانية، وأكدت أن "الشرطة لم تتصرف بروح المسؤولية أو وفق القانون، بل لجأت إلى القوة القاتلة في مشهد دموي كان يمكن تفاديه".

وأشارت المنظمات في بيانها إلى أن العديد من مقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت عناصر الشرطة في أنغولا وهم يطلقون النار عشوائيًا على المتظاهرين، بمن فيهم من لم يكونوا يشكلون تهديدًا مباشرًا، ووصفت ذلك بأنه "سلوك ممنهج وليس تصرفًا فرديًا"، مطالبةً بفتح تحقيقات مستقلة وشفافة تحت إشراف دولي.

الشرطة من جانبها أعلنت مقتل 30 شخصًا وإصابة أكثر من 270، واحتجاز نحو 1500 متظاهر، وأوضحت أن "العنف لم يكن سلميًا"، مشيرة إلى تعرض 118 متجرًا للتخريب، و24 حافلة عامة للاعتداء، لكن مراقبين حقوقيين يؤكدون أن ردّ قوات الأمن لم يكن متناسبًا مع حجم التهديد، وأن كثيرًا من القتلى لم يكونوا طرفًا في أي اعتداءات.

السلطة في موضع الاتهام

الرئيس الأنغولي جواو لورينسو حاول في خطاب علني احتواء الغضب الشعبي، متحدثًا عن "أعمال إجرامية يجب أن تُدان"، ومقدمًا تعازيه لأهالي الضحايا، لكنه في الوقت نفسه قدّم إشادةً واسعة بقوات الأمن، دون أن يشير إلى أي نية للتحقيق في سلوكها، أو لمحاسبة المتورطين في الانتهاكات.

ينتمي الرئيس لورينسو إلى "الحركة الشعبية لتحرير أنغولا"، التي تحكم البلاد منذ استقلالها عن البرتغال عام 1975، وهيمنة الحزب الحاكم على القضاء والأمن والإعلام تثير الكثير من الشكوك بشأن جدية أي محاولات للمساءلة أو الإصلاح.

في هذا السياق، يقول مراقبون إن "رد الفعل الرسمي لا يزال أسيرًا للنموذج السلطوي التقليدي، حيث تُعامل المطالب الشعبية على أنها تهديد وجودي، ويُنظر إلى المحتجين باعتبارهم مخربين يجب سحقهم، لا مواطنين يجب الاستماع إليهم".

واقع يغذي الانفجار الاجتماعي

الاحتجاجات اندلعت في بداية يوليو عقب إعلان الحكومة رفع الدعم عن الوقود، ما تسبب في ارتفاع الأسعار بشكل حاد. سائقو سيارات الأجرة كانوا أول من أطلقوا شرارة الغضب، لكن سرعان ما التحقت بهم شرائح واسعة من المواطنين ممن ضاقت بهم سبل العيش.

فرغم أن أنغولا تُعد ثاني أكبر منتج للنفط في إفريقيا، فإن أكثر من نصف سكانها البالغ عددهم 36 مليونًا يعيشون تحت خط الفقر، فيما بلغ معدل البطالة نحو 30%، والتضخم تجاوز 20%، وهذه الأرقام القاتمة تعكس مفارقة مزمنة تتمثل في ثروة نفطية هائلة، مقابل اقتصاد هش لا يلامس حياة المواطن العادي.

وتُحمّل منظمات المجتمع المدني الحكومة المسؤولية عن الفشل في تنويع الاقتصاد، وغياب برامج الحماية الاجتماعية، فضلاً عن الفساد المستشري في مختلف مفاصل الدولة.

الإفلات من العقاب

ما يثير القلق أكثر هو غياب الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة. أكثر من 1500 معتقل حتى الآن، وفق بيانات الشرطة، ولا معلومات واضحة عن أماكن احتجازهم أو التهم الموجهة إليهم، أو ما إذا كانوا قد حظوا بفرصة التمثيل القانوني.

تقارير منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش لطالما وثّقت نمطًا مقلقًا في أنغولا يتجلى في الاعتقال التعسفي، ومحاكمات صورية، وتعذيب السجناء السياسيين والمعارضين، فضلًا عن تقييد حرية التعبير والتجمع.

وقد دعت هذه المنظمات في بيانات حديثة إلى إرسال لجنة تحقيق أممية إلى أنغولا لتقصي الحقائق في عمليات القتل الأخيرة، والمطالبة بالإفراج الفوري عن المعتقلين السلميين.

صمت دولي تجاه الأزمة

رغم خطورة ما يجري، لم يصدر عن المجتمع الدولي أي موقف حازم تجاه أنغولا. ويرى خبراء أن "النفط" يلعب دورًا رئيسيًا في هذا الصمت، حيث تُعد أنغولا موردًا رئيسيًا للطاقة، كما تحظى بعلاقات استراتيجية مع قوى دولية مثل الصين والولايات المتحدة، ما يجعل حكومات كثيرة تُفضّل الحفاظ على العلاقات الاقتصادية على اتخاذ مواقف مبدئية في قضايا حقوق الإنسان.

وفي حين تبنت بعض المنظمات الدولية مواقف إدانة محدودة، إلا أن غياب الضغوط الحقيقية يضعف فرص الإصلاح، ويمنح السلطات ضوءًا أخضر للاستمرار في القمع.

وبحسب مراقبين فإن ما حدث في الأيام الأخيرة ليس حدثًا عابرًا، بل مؤشر على عمق الأزمة التي تعيشها أنغولا سياسيًا واقتصاديًا وإنسانيًا. عمليات القتل خارج نطاق القانون، والاعتقالات الجماعية، وغياب العدالة، كل ذلك يهدد بتقويض السلم الاجتماعي، ويقود البلاد نحو مزيد من الاضطراب.

ومنذ استقلالها في عام 1975، دخلت أنغولا في حرب أهلية دامت 27 عامًا بين "الحركة الشعبية لتحرير أنغولا" و"الاتحاد الوطني لاستقلال أنغولا الكامل – يونيتا"، وانتهت رسميًا عام 2002، إلا أن البلاد لم تعرف ديمقراطية حقيقية منذ ذلك الحين، حيث يحكم الحزب نفسه، وسط اتهامات مستمرة بفساد النخب وغياب سيادة القانون، وعلى الرغم من الموارد الطبيعية الضخمة، لا تزال التنمية بعيدة عن متناول المواطن العادي، بينما تُواجه الأصوات المعارضة بالقمع.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية