مجاعة غزة.. 193 ضحية بينهم 96 طفلاً وسط تحذيرات أممية من “انتشار الموت”
مجاعة غزة.. 193 ضحية بينهم 96 طفلاً وسط تحذيرات أممية من “انتشار الموت”
تعيش غزة اليوم واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، حيث ارتفع عدد ضحايا المجاعة وسوء التغذية إلى 193 شخصًا، من بينهم 96 طفلًا، في ظل حصار خانق، وتدمير ممنهج للبنية التحتية، ونقص كارثي في المواد الغذائية والطبية، في حين يستمر القصف والحصار الإسرائيلي منذ ما يزيد عن 22 شهرًا، يجد سكان القطاع، البالغ عددهم نحو 2.4 مليون نسمة، أنفسهم محاصرين بين نيران الحرب والموت جوعًا.
وفي تحذير شديد اللهجة، أعلن "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" المدعوم من الأمم المتحدة، أن "السيناريو الأسوأ للمجاعة يتجسد حاليًا في قطاع غزة"، مؤكدًا أن استمرار الوضع دون تدخل عاجل سيؤدي إلى "انتشار الموت على نطاق واسع".
وأشار التصنيف إلى أن المجاعة لم تعد مجرد تهديد، بل أصبحت واقعًا قاتمًا يهدد حياة مئات الآلاف، في ظل انعدام الأمن الغذائي الحاد وشبه الكلي.
شلل المعابر وانهيار الخدمات
منذ مارس الماضي، تعاني غزة من إغلاق شبه كامل للمعابر، ما تسبب في توقف دخول المساعدات الغذائية والطبية، وتوقف الإمدادات التجارية، وصرّح المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، جينس ليركي، أن "الناس هناك يموتون حرفيًا كل يوم"، مشيرًا إلى أن المساعدات التي تدخل القطاع "غير متناسبة على الإطلاق مع حجم الكارثة".
وأوضح ليركي أن غزة تحتاج إلى مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات يوميًا لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات، مشددًا على أن "المساعدات الإنسانية وحدها لا تكفي"، بل لا بد من دخول شاحنات تجارية كذلك لاحتواء الأزمة المتفاقمة.
وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن نحو 1 من كل 5 أطفال في مدينة غزة يعاني من سوء تغذية حاد، ووفقًا لوكالة "الأونروا"، فإن حالات سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة تضاعفت بين مارس ويونيو فقط، الأطفال الذين نُزع عنهم الأمان باتوا يفتقدون أيضًا الطعام والدواء وحتى الماء النظيف.
ويُعد الأطفال أكثر عرضة لمضاعفات سوء التغذية، مثل ضعف النمو، وضعف المناعة، والموت المبكر، ولا سيما في ظل انهيار النظام الصحي وتدمير عشرات المستشفيات والمراكز الطبية في القطاع.
منظمات دولية تدق ناقوس الخطر
العديد من المنظمات الحقوقية، من بينها "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية"، وصفت الوضع في غزة بأنه "وصمة عار على جبين الإنسانية"، واعتبرت أن الحصار الإسرائيلي المشدد، والهجمات الممنهجة على المدنيين، والتجويع الجماعي للسكان يرقى إلى مستوى "جرائم حرب" و"جريمة إبادة جماعية".
وأكدت المنظمات أن منع دخول الغذاء والماء والدواء يعد انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني، مطالبةً المجتمع الدولي بضرورة فرض ضغوط جدية لوقف الحرب ورفع الحصار فورًا.
وعلى الرغم من محاولة السلطات الإسرائيلية، وعلى رأسها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، نفي وجود مجاعة في غزة، لكنّ تصريحات رسمية أخرى تبرهن على الواقع المؤلم، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه اعترف بوجود "مجاعة حقيقية" في غزة في تصريح نادر يُعد بمثابة إدانة صريحة.
هذا التناقض يعكس الازدواجية في التعامل مع الكارثة، حيث تسعى إسرائيل إلى تبرير أفعالها بدعوى "محاربة الإرهاب"، في حين يرى المجتمع الإنساني أن ما يحدث في غزة يتجاوز كل الأعراف، ويشكّل جريمة جماعية بحق المدنيين.
من الحصار إلى الإبادة
ليست المجاعة في غزة وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تراكمات تاريخية لحصار مستمر منذ 2007، أعقبه ثلاث حروب كبرى قبل الحرب الحالية التي اندلعت منذ ما يزيد عن عام ونصف. على مدى سنوات، تعرض القطاع لعزلة شبه تامة، وتقييد شديد لحركة الأفراد والبضائع، وتدمير للبنية التحتية الحيوية.
في الأشهر الأخيرة، تصاعدت وتيرة العنف لتتحول إلى حرب إبادة حقيقية، بحسب وصف منظمات إنسانية، استُهدفت فيها المدارس والمستشفيات ومراكز الإيواء، ما أدى إلى انهيار المنظومة الصحية والغذائية بالكامل.
الحرب لم تترك أي مجال للحياة: المياه ملوثة، الكهرباء شبه معدومة، الخبز نادر، والأدوية في حكم المفقودة، العائلات تحاول النجاة بما تبقى من فتات المساعدات، في حين تنام الغالبية ببطون خاوية.
أين العالم؟
المجتمع الدولي، على الرغم من التصريحات المتكررة، لم يُبدِ حتى الآن موقفًا حازمًا يمكن أن يُنقذ ما تبقى، وبينما تطالب الأمم المتحدة بفتح ممرات إنسانية، وإدخال المساعدات بشكل منتظم، تقف القوى الكبرى عاجزة -أو متواطئة- أمام آلة القتل والتجويع.
وتؤكد المنظمات الحقوقية أنه ما لم يتحرك العالم فورًا، فإن الأرقام ستستمر في الارتفاع، وسيصبح كل تأخير بمثابة إسهام غير مباشر في هذه الجريمة المستمرة، مشددة على أن مجاعة غزة لم تعد خطرًا يُحذر منه، بل أصبحت واقعًا دامغًا يهدد حياة الملايين.
وأمام هذا الموت البطيء، لا يكفي الصمت ولا التعاطف، بل المطلوب تحرك حقيقي لإيقاف الكارثة، ورفع الحصار، وفرض مساءلة دولية للمتسببين في تجويع شعب بأكمله.