بين التجويع والرهائن.. جرائم الحرب تلاحق أطراف النزاع في حرب غزة
بين التجويع والرهائن.. جرائم الحرب تلاحق أطراف النزاع في حرب غزة
في مشهد بات يتكرر في النزاعات الحديثة، لم تعد الهجمات العسكرية وحدها تشكل التهديد الأكبر على حياة المدنيين، بل أصبحت أساليب غير تقليدية أكثر فتكًا، مثل التجويع الجماعي، والحرمان الممنهج من الغذاء، واحتجاز المدنيين كرهائن، تتصدر قائمة الجرائم التي ترقى إلى جرائم حرب.
أمام مجلس الأمن في جلسته يوم الثلاثاء، قال ميروسلاف ينتشا، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، بعبارات صادمة إن "الجوع بات في كل مكان في غزة"، وإن الرهائن يُستخدمون ورقة ضغط، في تحدٍّ سافر للقانون الدولي.
ومنذ بداية التصعيد العسكري في غزة، يعاني أكثر من2.2 مليون فلسطيني من حصار خانق ونقص كارثي في الغذاء والماء والدواء. ووفق تصريحات ينتشا، فإن أكثر من 1200 فلسطيني قتلوا أثناء محاولتهم الوصول إلى الغذاء، فيما أصيب أكثر من 8100 آخرين، كثيرون منهم كانوا يحاولون الوصول إلى نقاط توزيع المساعدات قرب مناطق عسكرية.
وفي انتهاك مباشر لاتفاقيات جنيف، تُفرض قيود شديدة على مرور المساعدات إلى داخل القطاع، حيث تسمح إسرائيل بدخول كميات لا تفي بالحاجات الأساسية، وسط تحذيرات من منظمات إنسانية دولية من خطر المجاعة الجماعية.
الرهائن.. ورقة تفاوض
من جهة أخرى، لا تزال حركة حماس والفصائل الفلسطينية المسلحة تحتجز نحو 50 رهينة، من بينهم 28 يُعتقد أنهم قتلوا، في ظروف وصفتها الأمم المتحدة بـ"المروعة والمهينة". وقد أظهرت مقاطع مصورة الرهينتين الإسرائيليين إيفياتار ديفيد وروم براسلافسكي وهما في حالة هزال شديد، وتحدثا عن معاملة قاسية وظروف غير إنسانية.
وفي تصريح مؤلم، أشار المسؤول الأممي إلى أن أحد الرهينتين بدا وكأنه أُجبر على حفر قبره، هذه المشاهد، وفق ينتشا، "تشكل إهانة للإنسانية، وتضع العالم أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية للرد الحازم".
ووفق اتفاقيات جنيف الأربع، يعد احتجاز المدنيين كرهائن جريمة حرب، كما يُمنع منعًا باتًا حرمان السكان من المواد الأساسية للحياة، سواء بالغارات أو بالحصار أو بتعطيل المساعدات.
وأكد ينتشا أن القانون الدولي ينص بوضوح على ضرورة أن يُعامل المحتجزون بكرامة وإنسانية، وأن يُسمح لهم بتلقي زيارات من اللجنة الدولية للصليب الأحمر. لكن أيا من هذه الشروط لا يُحترم حاليًا في غزة.
وجددت الأمم المتحدة دعوتها إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، مؤكدًا أن استخدامهم كورقة سياسية أو تفاوضية أمر "لا أخلاقي ويشكل جريمة حرب".
رأي محكمة العدل الدولية
في يوليو 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا يُحمّل إسرائيل مسؤولية إنهاء وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، ويُلزمها بوقف الأنشطة الاستيطانية ورفع الحصار فورًا.
ويعزز هذا الرأي موقف المجتمع الدولي المطالب بـ وقف العقوبات الجماعية المفروضة على السكان الفلسطينيين، ولا سيما تلك التي تمس حقهم في الغذاء والماء والرعاية الصحية.
وأشار ينتشا إلى أن هناك مخاوف كبيرة من توسع العملية العسكرية الإسرائيلية لتشمل مناطق إضافية في غزة، ما قد يفاقم المعاناة الإنسانية ويعرض حياة الرهائن لخطر أكبر. وتؤكد الأمم المتحدة أن "لا حل عسكريًا لهذا الصراع"، بل إن الخروج من الكارثة يتطلب وقفًا دائمًا لإطلاق النار، وإفراجًا فوريًا عن جميع الرهائن، وتدفقًا عاجلًا وآمنًا للمساعدات الإنسانية، وحماية فعالة للمدنيين من جميع الأطراف.
ويأتي ذلك في ظل صمت دولي ملحوظ، مع عجز مجلس الأمن عن إصدار قرارات ملزمة لوقف إطلاق النار أو حماية السكان، بسبب الانقسامات السياسية بين أعضائه الدائمين.
التجويع كسلاح حرب
ليست هذه المرة الأولى التي يُستخدم فيها التجويع سلاح حرب، فقد وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية أخرى، استخدام هذا الأسلوب في سوريا، واليمن، وجنوب السودان خلال العقدين الأخيرين، وهو ما أدى إلى وفيات جماعية وانتكاسات إنسانية طويلة الأمد.
وفي كل تلك الحالات، أُدينت الجهات المسؤولة، لكن قلة منها خضعت للمحاسبة الفعلية، مما يثير تساؤلات حول فاعلية النظام الدولي في ردع الجرائم ضد المدنيين.
منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش طالبتا بإجراء تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات الجارية في غزة، بما في ذلك القتل الجماعي لمن يسعون للحصول على الغذاء.
وشددت المنظمات على ضرورة إنهاء العقوبات الجماعية، وتمكين المنظمات الإنسانية من العمل بحرية، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم بحق المدنيين، سواء من الدول أو الفصائل المسلحة.
الصليب الأحمر الدولي بدوره، أعرب عن قلقه العميق من عدم تمكنه من الوصول إلى الرهائن، وغياب أي إطار تفاوضي لإطلاق سراحهم، محذرًا من أن استمرار احتجازهم دون زيارات أو إشراف مستقل يشكل خطرًا جسيمًا على حياتهم.
الإنسانية تُختبر من جديد
في غزة، كما في مناطق نزاع أخرى، يواجه المدنيون العزّل كلفة الصراع وحدهم، بين التجويع الممنهج والحرمان من الدواء والماء، واحتجازهم كرهائن في مشاهد تُعيد الإنسانية إلى الوراء.
وفي ظل العجز الدولي عن اتخاذ قرارات ملزمة لحماية المدنيين، تبقى المعاناة قائمة، وتبقى المسؤولية الأخلاقية والإنسانية على عاتق الجميع، دولًا، ومنظمات، وأفرادًا، لإنهاء هذا النزيف الجماعي للكرامة والحق في الحياة.