المئات يتظاهرون احتجاجاً على حظر الإجهاض في مستشفى ألماني
المئات يتظاهرون احتجاجاً على حظر الإجهاض في مستشفى ألماني
شهدت مدينة ليبشتات الواقعة في ولاية شمال الراين-وستفاليا الألمانية، الجمعة تظاهرة حاشدة شارك فيها نحو ألفي شخص، احتجاجًا على قرار إحدى المستشفيات التابعة لمؤسسة كاثوليكية منع إجراء عمليات الإجهاض.
التظاهرة، التي لاقت تغطية إعلامية واسعة، تسلط الضوء مجددًا على الجدل الدائر في ألمانيا بشأن الحق في الإجهاض، خاصة عندما يتداخل الطب مع التوجهات الدينية للمؤسسات الصحية.
المظاهرة نُظمت بدعوة من الطبيب المعني بالقضية يواكيم فولز، الذي يعمل منذ 13 عامًا كرئيس لقسم أمراض النساء والتوليد في مستشفى إيفانجيليكال، والسياسية الألمانية من حزب الخضر سارة جونشوريك.. وجاءت تحت شعار واضح يحمل دلالات قوية "أوقفوا الحظر الكاثوليكي على الإجهاض".
قرار المحكمة المرتقب يثير ترقبًا واسعًا
تأتي هذه الاحتجاجات في وقت حساس للغاية، قبيل البت القضائي المنتظر من محكمة العمل في مدينة هام بشأن الدعوى التي رفعها الطبيب ضد إدارة المستشفى.. وتتمحور القضية حول ما إذا كان من المشروع، من الناحية القانونية، أن تمنع المؤسسة الكاثوليكية الطبيب من أداء عمليات الإجهاض، رغم أن القانون في ألمانيا يتيح هذه الإجراءات ضمن شروط تنظيمية محددة.
وقد أكد فولز في تصريحات إعلامية سابقة أنه أجرى عمليات الإجهاض على مدار سنوات طويلة، بشكل قانوني ومنظم، ضمن المهام الطبية الموكلة إليه، قبل أن يتم إيقافه عن أداء هذه العمليات تحت ضغط توجهات المؤسسة الدينية التي تدير المستشفى.
الحقوق الإنجابية تحت التهديد
النقاش حول الإجهاض في ألمانيا ليس جديدًا، لكنه عاد للواجهة في السنوات الأخيرة، خاصة مع تزايد الأصوات النسوية والحقوقية المطالبة بتوسيع نطاق حرية النساء في اتخاذ قراراتهن المتعلقة بالصحة الإنجابية دون تدخل ديني أو سياسي.
منظمات حقوق الإنسان والجمعيات النسوية المحلية أعربت عن دعمها للطبيب فولز، معتبرة أن ما يجري هو انتكاسة في مسار حقوق النساء في ألمانيا، وشددت هذه المنظمات على أن المؤسسات الطبية يجب أن تستند في عملها إلى القوانين والسياسات الصحية العامة، لا إلى توجهات دينية قد تتعارض مع احتياجات المرضى وحقوقهم الدستورية.
وفقًا للقانون الألماني، يُسمح بالإجهاض خلال أول 12 أسبوعًا من الحمل، شريطة أن تخضع المرأة لجلسة استشارة مسبقة لدى مركز معتمد، وأن تنتظر 3 أيام بعد الجلسة قبل الخضوع للعملية. وتُعتبر هذه الإجراءات مزيجًا بين السماح القانوني والقيود الأخلاقية التي تهدف إلى التوفيق بين وجهات النظر المتباينة داخل المجتمع.
المجتمع المدني يتحرك
أثارت التظاهرات في ليبشتات ردود أفعال واسعة داخل المجتمع السياسي والمدني، وقد دعت جهات حقوقية وبرلمانية إلى مراجعة الإطار القانوني الذي يُمكّن المؤسسات الدينية من التأثير على سياسات الرعاية الصحية، كما حذر عدد من النواب من أن استمرار هذا النوع من التدخل قد يُقوّض الثقة العامة في العدالة الطبية وفي التزام الدولة بحقوق الأفراد دون تمييز.
وقد ربط نشطاء بين ما يحدث في ألمانيا وبين التوجهات المحافظة التي تتصاعد عالميًا، والتي تضع حقوق النساء الإنجابية في مواجهة مباشرة مع صعود الخطاب الديني والسياسي المحافظ في أكثر من بلد.
حق الإجهاض في ألمانيا
لطالما كان الحق في الإجهاض في ألمانيا مسألة شائكة ومتجذرة في صراعات فكرية وأخلاقية وقانونية. فقد نص القانون الجنائي الألماني لسنوات طويلة على أن الإجهاض يُعد جريمة، قبل أن تبدأ التعديلات التدريجية في سبعينيات القرن الماضي بالسماح به ضمن ظروف محددة.
وفي عام 1993، أصدرت المحكمة الدستورية الاتحادية قرارًا مفصليًا يوازن بين حق المرأة في تقرير مصير جسدها، وحق الجنين في الحياة، لتنشأ منذ ذلك الحين منظومة قانونية تُقيّد الحق بالإجهاض بقيود إجرائية واستشارية صارمة.
لكن رغم ذلك، لا يزال النقاش مستمرًا، لا سيما في ظل الاختلاف الكبير بين الولايات الألمانية في طريقة تطبيق القوانين، وتوافر مراكز الإجهاض، ودور المؤسسات الدينية في تقديم أو حجب هذه الخدمات.