من التعليم إلى الحرية الجسدية.. كيف تقوّض سياسات طالبان أساس المجتمع الأفغاني؟

من التعليم إلى الحرية الجسدية.. كيف تقوّض سياسات طالبان أساس المجتمع الأفغاني؟
عنصر من حركة طالبان الأفغانية أمام مركز خدمات نسائية تم تشويهه

أثبت تقرير بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان (يوناما) الأخير أن الانتهاكات الحقوقية لم تتراجع بعد وصول حركة طالبان إلى السلطة، بل توسعت وتعمقت بأشكال ثلاثية تتمثل في قيود يومية على حرية التنقل والعمل والتعليم، وعقوبات جسدية (الجلد)، وممارسات قضائية لا تراعي معايير المحاكمة العادلة، وحملات قمع ضد الإعلام والمجتمع المدني. 

المشهد لا يقتصر على فقدان حقّ أو آخر، بل على تآكل شبكات الأمان الاجتماعي التي كانت تحفظ كرامة حياة الناس في بلد أنهكته عقود من الصراع وفق " يوناما"

قيود متصاعدة على النساء

أبرزت يوناما أن سياسات حركة طالبان منعت الفتيات عن مواصلة التعليم بعد الصف السادس ومنعت النساء من المشاركة في امتحانات القبول الجامعي والدراسة في الجامعات.

كما شُدّدت متطلبات اللباس وفرضت قيود على دخول الأسواق ووسائل النقل والخدمات الصحية دون مرافقة محرم، هذه القيود لا تُحرِم الأفراد من حقوق تعليمية أو مهنية فحسب، بل تقوّض مستقبل جيل كامل وتحوّل المجتمع إلى مساحة مقيّدة لا مكان فيها للمبادرة الفردية أو للمساهمة الاقتصادية المتوازنة.

وتؤكد تقارير من منظمات دولية أن هذا النهج يجرد النساء من الحقوق الأساسية ويضع أفغانستان كدولة استثنائية في القمع الجنسي والاجتماعي

عقوبات بدنية وإعدامات

سجلت "يوناما" حالات تنفيذ عقوبات بدنية علنية وإعدامات، فبين الأول من أبريل ونهاية يونيو مثلاً وثّقت البعثة ممارسات جسدية طاولت مئات الأشخاص في أفغانستان، كما وثّقت اعتقالات وتعذيبًا ومحاكمات غير شفافة، وهذه الممارسات لا تندرج في إطار تطبيق قانون جنائي تقليدي قابل للنقد فقط، بل تثير مسألة الامتثال للالتزامات الأساسية بموجب القانون الدولي الإنساني ومعايير حقوق الإنسان المتعلقة بحظر التعذيب والمعاملة القاسية والحق في محاكمة عادلة.

القيود لم تقتصر على النساء فحسب، فقد أدت السياسات الاقتصادية والإدارية وقيود الرقابة إلى إغلاق مؤسسات إعلامية خاصة وتسريح موظفين، بينما تعرّض الصحفيون والنشطاء للاعتقال والتهديد والضغط، وتكميم الإعلام يقطع قناة وصل المجتمع الأفغاني مع العالم ويمنع توثيق الانتهاكات أو مساءلتها، ما يجعل الانتهاكات تتكرر في ظلال الإفلات من المحاسبة. 

منظمات حقوقية دولية أصدرت تحذيرات متكررة من أن قمع الصحافة يشكّل عنصرًا أساسياً في تكريس بيئة الإفلات من العقاب. 

خطر التعرض للانتهاكات

أشارت الأمم المتحدة أيضًا إلى مآسي اللاجئين والعائدين قسراً إلى أفغانستان من دول الجوار، الذين يواجه بعضهم الاعتقال والتعذيب والتمييز بسبب عملهم مع حكومات سابقة أو منظمات دولية، فالإجراءات التي رُوِّجت على أنها عفو عام لم تمنع هجمات على حسابات محددة من الأشخاص أو تهديدات متواصلة ضد موظفين سابقين بالجيش أو الشرطة وفاعلين في المجتمع المدني، ما يخلق مناخًا من الرُعب يمنع العودة الآمنة والاستقرار المحلي. 

وردّت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية "أمنستي" وغيرها بإدانات ونداءات للعمل الفوري. هذه المنظمات تؤكد أن السياسات التي تستهدف النساء والفتيات، وتفرض حظرًا على التعليم والعمل وتشرعن العقوبات البدنية، تشكل نمطًا من الاضطهاد المنهجي.

وخلصت تحليلات دولية إلى أن المسألة لم تعد مجرد إخفاق سياسي، بل أصبحت مسألة قانونية تتقاطع مع تعريفات الجرائم ضد الإنسانية في حال ثبوت الطابع المنهجي للاضطهاد، والمجتمع الدولي بدوره يدعو إلى آليات حماية أقوى ودعم لضحايا الانتهاكات، لكن غياب إجماع سياسي دولي فعال يحدّ من قدرة الرد على أن يكون أكثر من بيانات استنكار، وفق منظمة العفو الدولية

التزامات دولية وإمكانات المساءلة

أمام هذا الواقع، تطرح منظمات حقوق الإنسان سؤال قانوني واضح.. ما آليات المساءلة؟ القانون الدولي يمنع التعذيب ويكفل حقوق المحاكمة العادلة، كما تحظر المعاهدات الدولية التمييز القائم على الجنس، إذا ثبت أن التدابير جزء من نمط منهجي، فقد تُستدعى آليات دولية للتحقيق مثل مجلس حقوق الإنسان أو محاكم دولية، كما يمكن لآليات التتبع الجنائي في الدول الثالثة أن تطالب بمساءلة القائمين على انتهاكات جسيمة، مع ذلك، يظل التحدي في النفاذ العملي لتلك المسارات نظراً لتعقيدات السيادة، والضغوط الجيوسياسية، وانقسام المجتمع الدولي حول كيفية التعامل مع طالبان.

النتيجة المأساوية هي فقدان ثقة واسعة بين الناس والدولة، وتهديد لحقوق تعليم الصحة والعمل والحرية التي تشكّل أساس أي إعادة إعمار مستدامة، توصيات فورية عملية يجب أن تتضمن حماية عاجلة للنساء والمدافعين عن الحقوق والصحفيين عبر برامج لجوء مؤقت وحماية داخلية، دعم سري لبرامج التعليم البديل، وآليات تمويل إنساني تضمن الوصول دون سيطرة مشروطة من السلطات، وعلى مستوى المساءلة، يجب توثيق الأدلة بصورة محايدة ومستقلة لضمان إمكان إحالة حالات على آليات المحاسبة الدولية متى توفرت الإرادة السياسية. 

تجدر الإشارة إلى أن وصول طالبان إلى السلطة في أغسطس 2021 أعاد إلى الواجهة تراكمًا من التجارب السابقة حيث مارسوا حكمًا متشددًا في تسعينيات القرن العشرين، وما يحدث اليوم ليس انفصالًا عن التاريخ بل استمرارية لنهج سياسي واجتماعي يستند إلى تصور ضيق للفضاء العام ودور المرأة، لكن الاختلاف واضح في السياق الدولي والإقليمي: عالم أكثر اضطرابًا وإنسانية مترابطة أقوى تجعل انعكاسات السياسات المحلية فرعًا ذا تأثيرات عابرة للحدود ويتطلب استجابة متعددة الأبعاد من دول ومنظمات ومجتمع مدني.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية