القمع العابر للحدود.. السلطات الكمبودية تلاحق أصوات المعارضة في المنفى

القمع العابر للحدود.. السلطات الكمبودية تلاحق أصوات المعارضة في المنفى
مواطنون معارضون من كمبوديا

تشهد الساحة الحقوقية الدولية جدلًا متصاعدًا بعد توثيق منظمات حقوقية، أبرزها هيومن رايتس ووتش، والتي أوردت في تقرير لها الأربعاء حالات مضايقة ممنهجة يتعرض لها معارضون كمبوديون يعيشون في اليابان، كما لا يقتصر القمع على الأفراد المقيمين في الخارج، بل يمتد ليشمل أقاربهم في كمبوديا، في ممارسات توصف بـ"القمع العابر للحدود"، وقد أثارت هذه السياسة مخاوف منظمات محلية ودولية، ودفعت إلى مطالبات ملحة بضرورة تدخل اليابان والمجتمع الدولي لحماية حقوق الأفراد المهددين.

ارتبطت كمبوديا في العقدين الأخيرين بتراجع حاد في الحريات السياسية والمدنية، فمنذ عام 2017، حُظر حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي، وهو أبرز أحزاب المعارضة، فيما واجه زعماؤه محاكمات بتهم مثيرة للجدل، كما جرى تفكيك عدد من منظمات المجتمع المدني المستقلة، وسط تضييق مستمر على الإعلام الحر، في الخارج، لجأ آلاف الكمبوديين إلى اليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا وأمريكا الشمالية، حيث أسسوا شبكات سياسية وإعلامية معارضة، لكن السلطات الكمبودية لم تتوقف عند حدودها، بل توسعت إلى ممارسات تستهدف المعارضة في الشتات، بما في ذلك الملاحقة القضائية الغيابية والضغط على الأقارب في الداخل.

أسباب التصعيد

ترتبط حملة المضايقات الحالية بمحاولة الحكومة الكمبودية إحكام السيطرة على أي أصوات معارضة يمكن أن تُضعف شرعية الحزب الحاكم داخليًا وخارجيًا، مع تزايد الحضور الإعلامي والسياسي للمعارضين في الخارج، لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اعتبرت السلطات أن هذه الأصوات تشكل تهديدًا مباشرًا لصورتها الدولية، كما يُنظر إلى القمع العابر للحدود كأداة لردع بقية أفراد الجاليات الكمبودية في الشتات عن الانخراط في أنشطة سياسية.

وأظهرت المقابلات التي أجرتها هيومن رايتس ووتش مع 23 مواطنًا كمبوديًا في اليابان أن معظمهم واجهوا ضغوطًا غير مباشرة عبر عائلاتهم في الداخل، تلخصت هذه الضغوط في زيارات الشرطة أو المسؤولين المحليين للأقارب، مطالبتهم بوقف أنشطة ذويهم في الخارج، أو تهديدهم بالاعتقال في حال عودتهم، كما سجلت حالات محاكمات غيابية بحق معارضين بتهم "التحريض"، وفرض غرامات مالية باهظة عليهم، هذه الممارسات تتفق مع أنماط أوسع وثقتها تقارير سابقة عن القمع العابر للحدود من قبل كمبوديا.

ردود الفعل الحقوقية والدولية

أدانت منظمات دولية، منها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، هذه الممارسات، معتبرة أنها "انتهاك صارخ لحرية التعبير وحقوق المعارضة السياسية"، كما حثت على تدخل اليابان، التي تُعتبر بلد إقامة رئيسي لمعارضين كمبوديين، لاتخاذ إجراءات عملية لحمايتهم، في يونيو 2024، انضمت اليابان إلى 54 دولة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لإدانة القمع العابر للحدود، فيما أصدر مكتب حقوق الإنسان الأممي في يونيو 2025 ورقة توجيهية تحث الدول على توثيق هذه الحالات وتوفير حماية للأفراد المستهدفين.

ورغم تصريحات وزارة الخارجية اليابانية بأنها "تؤكد باستمرار على أهمية حماية القيم العالمية لحقوق الإنسان"، فإنها تجنبت التعليق المباشر على قضايا محددة مرتبطة بالمضايقات الكمبودية، كما ذكرت وكالة الشرطة الوطنية أنها "ليست على علم" بمثل هذه الحالات. 

وأثار هذا الموقف انتقادات لاعتباره غير كافٍ في ظل التهديدات المستمرة التي يواجهها المقيمون الكمبوديون، وطالبت المنظمات الحقوقية اليابان بإنشاء نظام للإبلاغ عن المضايقات مع ضمان سرية البيانات، وتوفير آليات حماية قانونية فعالة.

تداعيات على حقوق الإنسان

القمع العابر للحدود يقوض الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي، ويضعف قدرة المعارضين على ممارسة نشاطهم السياسي المشروع، كما يخلق مناخًا من الخوف بين مجتمعات الشتات، حيث يتردد كثيرون في المشاركة في أنشطة سياسية خشية الانتقام من أقاربهم في الداخل، وبالنسبة للأسر، يتحول الضغط إلى أشكال متعددة من التهديد الاقتصادي والاجتماعي، ما يوسع دائرة الانتهاكات لتشمل فئات أوسع من المجتمع.

تخالف هذه الممارسات التزامات كمبوديا بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يكفل حرية التعبير ويحظر التهديد أو الانتقام ضد المعارضين السياسيين، كما أن القمع العابر للحدود يمثل خرقًا لمبدأ سيادة الدول، إذ يتضمن تدخلًا غير مباشر في شؤون الجاليات المقيمة في الخارج، من جانبها، تتحمل الدول المضيفة مثل اليابان مسؤولية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان لتأمين حماية فعالة للمقيمين على أراضيها ضد هذه الانتهاكات.

الإحصاءات والاتجاهات الحديثة

وفقًا لتقديرات المنظمات الحقوقية، يعيش نحو 80 ألف كمبودي في اليابان، بينهم مئات الناشطين المرتبطين بأحزاب المعارضة أو منظمات المجتمع المدني، وثقت تقارير في الفترة ما بين 2020 و2025 عشرات الحالات التي تعرض فيها معارضون للضغط عبر عائلاتهم في الداخل، فيما واجه ما لا يقل عن 12 شخصًا محاكمات غيابية بتهم سياسية، هذا النمط لا يقتصر على اليابان، إذ سُجلت حالات مشابهة في كوريا الجنوبية وتايلاند وأستراليا.

تسلط قضية مضايقات السلطات الكمبودية للمعارضين في اليابان الضوء على ظاهرة أوسع من القمع العابر للحدود، التي أصبحت أداة متنامية تستخدمها بعض الحكومات ضد جالياتها في الخارج، بينما تزداد الضغوط على كمبوديا لإنهاء هذه الممارسات، يبرز دور اليابان والمجتمع الدولي في توفير حماية ملموسة للمستهدفين، وفي غياب خطوات حاسمة، يبقى المعارضون الكمبوديون وأسرهم في مواجهة معادلة قاسية بين حقهم في التعبير وتهديدات السلطة. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية