أوهورو ديمبرز.. ناشط حقوقي حمل همّ الفقراء والمهمشين في ناميبيا إلى المنابر الدولية
أوهورو ديمبرز.. ناشط حقوقي حمل همّ الفقراء والمهمشين في ناميبيا إلى المنابر الدولية
اسمه أوهورو، أي "الحرية" بالسواحيلية، اسمٌ لم يكن مجرد لقب، بل قدرٌ حمله منذ الطفولة، وُلد إغناطيوس مايكل أوهورو ديمبرز في جنوب ناميبيا لأسرة متواضعة، والدته وجدته قامتا ببيع الماعز ليتمكن هو وإخوته من ارتداء الزي المدرسي، فيما رحل والده المعلّم مبكرًا تاركًا فراغًا لم يملأه إلا صمود الأم وإيمانها العميق بالعلم والكرامة.
نشأ أوهورو وفق ما نشره موقع "lutheranworld" الجمعة في قرية جبعون النائية في سبعينيات القرن الماضي، حيث كان يُنظر إليه باعتباره مرشحًا لدراسة اللاهوت وخدمة الكنيسة الإنجيلية اللوثرية، لكنه اختار مسارًا مختلفًا، مسارًا أشد وعورة، حين انخرط في صفوف حركة التحرير الوطني، وهو في سن المراهقة، في مواجهة نظام الفصل العنصري والحكم الاستعماري لجنوب إفريقيا.
تجارب قاسية
لم تكن مشاركته مجرد حماسة شبابية، بل تجربة محفوفة بالقسوة، وفي عام 1988، اعتُقل أوهورو وهو في السادسة عشرة من عمره مع عشرات الطلاب خلال احتجاجات مطالبة بالحرية في ناميبيا، يتذكر كيف جُرد من ملابسه، وأُجبر على الجلوس على العشب البارد قبل شروق الشمس، فيما كان يُضرب كلما أعلن أنه "طفل في السادسة عشرة"، كان يعرف أن القانون يمنحه حماية، لكن التعذيب لم يعترف بالقوانين.
تضامن الشارع والكنائس والنقابات، وضحت أمه حين أضربت عن الطعام حتى تعرف مكان ابنها، وخرج أوهورو بعد أسابيع، لكنه خرج أكثر تصميمًا، ثم عاد إلى قيادة المظاهرات التي جمعت الآلاف، وظل مطاردًا يختبئ من قوات الأمن حتى بزوغ فجر السلام بوساطة الأمم المتحدة، التي فتحت الطريق لأول انتخابات حرة في ناميبيا عام 1989.
رغم صغر سنه، ساهم أوهورو في تنظيم حملات التوعية الانتخابية، متنقلاً بين القرى ليعلّم الناس لأول مرة كيف يمارسون حق التصويت، ومع إعلان الاستقلال عام 1990، لم تنتهِ رحلته بل بدأت مرحلة جديدة: رحلة بناء وطن لم يكتفِ بالحرية السياسية، بل كان بحاجة إلى عدالة اجتماعية واقتصادية.
العمل المدني والتنمية
عاد أوهورو إلى مقاعد الدراسة، وواصل تعليمه في الداخل والخارج، ليكرّس مسيرته للعمل المدني والتنمية، وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود، انخرط في ملفات محاربة الفقر، إصلاح الأراضي، وتمكين المجتمعات المهمشة. نال أرفع وسام في بلاده "وسام ناميبيا الأكثر تميزًا"، لكنه ظل يعتبر الجائزة الحقيقية هي خدمة الناس، وبخاصة الشباب والفقراء.
اليوم، يرأس أوهورو مكتب التنمية الاجتماعية في كنيسته، ويقود برامج العدالة الاجتماعية لمجلس الكنائس في ناميبيا، إلى جانب أدوار إقليمية ودولية بارزة، فهو عضو في الاتحاد اللوثري العالمي، وفاعل في آليات الاتحاد الإفريقي لمراجعة الحوكمة، ومساهم في جهود الأمم المتحدة لتعزيز حقوق الإنسان والعدالة الاقتصادية.
لا ينسى أوهورو جذوره، فهو يذكّر دوماً بأن 40% من سكان بلاده يعيشون في مستوطنات عشوائية، رغم أن ناميبيا من أقل الدول كثافة سكانية في العالم، في لقاء خاص مع الرئيس عام 2021، دافع عن سياسات الإسكان والدخل الأساسي، مطالبًا بخطوات جريئة لرفع معاناة العائلات التي تعيش في غرف مكتظة بلا مصدر دخل أو أفق كرامة.
يحمل أوهورو كذلك إرثًا عائليًا مثقلًا، فجده الأكبر نجا من أول إبادة جماعية في القرن العشرين التي ارتكبتها ألمانيا في ناميبيا مطلع القرن الماضي، لذلك أطلق "مؤسسة استعادة الكرامة" لتوثيق الذاكرة الشفوية لضحايا الاستعمار وضمان أن لا تُمحى قصصهم من الذاكرة الوطنية.
رسالة أوهورو للشباب الناميبي والعالمي بسيطة وعميقة: لا يكفي أن نحمل لقب "أحرار"، بل يجب أن نعيش حريةً حقيقية بالعمل والتعليم والسكن الكريم والأمن الغذائي، في سنوات جائحة كورونا، تطوّع في الصفوف الأمامية، متنقلاً بين القرى ليشاهد عن قرب عائلات محاصرة في غرف ضيقة، عاجزة عن كسب قوتها، وعمقت هذه التجربة قناعته أن العدالة الاجتماعية ليست شعارًا، بل مسألة حياة أو موت.
من قرية جبعون المتواضعة إلى المنابر الدولية، ظل أوهورو ديمبرز صوتًا يذكّر بأن التحرير لا يكتمل إلا بكرامة الإنسان، وأن الحرية ليست حدثًا تاريخيًا عابرًا، بل مسؤولية يومية متجددة.











