أقوى من الظلام.. العراقية ريناس تتحدى إعاقتها وتصنع طريقها للنجاح

أقوى من الظلام.. العراقية ريناس تتحدى إعاقتها وتصنع طريقها للنجاح
العراقية ريناس جلال

في أحد أحياء كركوك الهادئة، تجلس ريناس جلال (35 عاماً) أمام أدواتها البسيطة، تمسك بالخيط والإبرة، تبحث بلمس أناملها عن طريقها إلى حقيبة جديدة. 

ورغم أن عينيها لا تبصران منذ سنوات طويلة، فإن قلبها وحبها للحياة يجعلانها ترى ما هو أبعد من الألوان. حولها تتحلق بناتها الأربع، يراقبنها بحب واعتزاز، ويصبحن عينيها حين تعجز عن تمييز درجات الأزرق أو الأحمر، بحسبل ما ذكرت وكالة “JINHA”، اليوم الأحد.

تركت ريناس مقاعد الدراسة بعد الصف التاسع بسبب ظروف المعيشة القاسية، لكنها لم تترك حلمها في أن تكون امرأة فاعلة في مجتمعها. 

عملت في عام 2010 كمقدمة برامج في إذاعة محلية، وتعلمت كيف توصل صوتها إلى الناس، لكن ظروفها الخاصة قادتها لاحقاً إلى مسار آخر؛ حيث وجدت نفسها بين الإبرة والقماش والخيوط، لتفتح صفحة جديدة من الكفاح.

ولادة مشروع صغير

من خلال جمعية "ضوء القلب" لذوي الاحتياجات الخاصة، وجدت ريناس فرصة لتعلّم الحرف اليدوية على يد أساتذة متخصصين. 

شيئاً فشيئاً، بدأت في صناعة الحقائب والإكسسوارات، ثم أسست صفحتها الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي باسم "Renaz Design". 

هناك، صار الناس يطلبون منها حقائب يدوية بألوان وتصاميم خاصة، تثق النساء بجودة منتجاتها، ويُدهشن من دقتها رغم فقدانها للبصر.

تقول بابتسامة واثقة: "فقداني للبصر لم يكن يوماً عائقاً أمام عملي، صحيح أنني لا أميز الألوان، لكن بناتي يساعدنني، وأصابع يدي تعوض عينيّ، العمل شاق، لكنه بالنسبة لي حياة كاملة".

دعم العائلة.. سر النجاح

تحولت بناتها الأربع إلى شركاء في رحلتها. يقرأن لها الطلبات، يخبرنها بالألوان المطلوبة، يساعدنها على ترتيب الأدوات. 

هذا التعاون العائلي جعل من ريناس نموذجاً مؤثراً في مجتمعها، ليس فقط لأنها تقاوم الإعاقة، بل لأنها حولت بيتها إلى ورشة صغيرة تُضيء أملاً في حياة كثيرين.

لا ترى ريناس في عملها مجرد وسيلة للعيش، بل رسالة أوسع. تقول: "نحن بحاجة إلى مهرجانات ومعارض، كي يرى الناس منتجاتنا، ويشعر ذوو الاحتياجات الخاصة أن بإمكانهم العيش بكرامة.. لا يجب أن تكون هناك أي عوائق صحية أو جسدية تمنعنا من المضي قدماً".

تحلم ريناس أن ترى كل شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة قادراً على تحقيق ذاته، وأن تتحول تجاربهم الفردية إلى قصص نجاح جماعية، تثبت أن المجتمع أقوى عندما يحتضن جميع أفراده.

رسالة إنسانية

وسط الظروف الصعبة التي يعيشها كثير من العراقيين، تأتي حكاية ريناس جلال لتضيء جانباً آخر من الحياة.. جانب الإرادة التي تتحدى المستحيل. 

فهذه المرأة التي فقدت بصرها لم تفقد قدرتها على الإبداع، وبدعم عائلتها استطاعت أن تتحول من متلقية للمساعدة إلى منتجة تسهم في إعالة أسرتها وتلهم غيرها.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية