انسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر من المحكمة الجنائية الدولية
انسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر من المحكمة الجنائية الدولية
أعلنت بوركينا فاسو ومالي والنيجر، الاثنين، الانسحاب من نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، في خطوة تعكس تصاعد حدة التوتر بين دول الاتحاد الإفريقي وهيئة قضائية طالما وُصفت في القارة بأنها أداة سياسية أكثر من كونها مؤسسة عدلية مستقلة.
وقُرئ القرار الذي جاء في بيان مشترك باسم حكومات الدول الثلاث، لا يحمل فقط أبعاداً سياسية وقانونية، بل يكشف كذلك عمق أزمة الثقة بين العالم الإفريقي ومؤسسات العدالة الدولية التي يتهمها قادة القارة بالتحيز والانتقائية.
وأكد وزير الاتصالات في بوركينا فاسو بينغويندي جيلبرت أويدراوغو، أن قرار الانسحاب اتُّخذ بشكل فوري ويستند إلى "حق سيادي"، موضحاً أن حكومات الدول الثلاث، التي تشكل اتحاد دول الساحل، لم تعد ترى في المحكمة الجنائية الدولية إطاراً عادلاً أو محايداً.
وأشار البيان إلى أن هذه الخطوة تأتي بعد مراجعات عميقة لمسار المحكمة التي اعتُبرت "أداة قمع ضد الدول الإفريقية"، مع إعلان نية هذه الدول المضي قدماً في إنشاء هيئة قضائية إقليمية بديلة تعكس خصوصياتها القانونية والسياسية.
اجتماع وزاري استثنائي
جاء القرار خلال اجتماع استثنائي لوزراء العدل في تحالف دول الساحل، حيث اتفق ممثلو بوركينا فاسو ومالي والنيجر على أن المحكمة فقدت صدقيتها في نظرهم.
ووصف القائم بأعمال رئيس وزراء النيجر، الجنرال محمد تومبا، المحكمة بأنها تخدم "النظام الإمبريالي"، متهماً قُضاتها باتخاذ قرارات مبنية على "ادعاءات كاذبة" حول انتهاكات لحقوق الإنسان، دون أدلة دامغة، وهو ما اعتبرته هذه الدول تدخلاً مباشراً في سيادتها الوطنية.
تأسست المحكمة الجنائية الدولية في يوليو 2002 بموجب نظام روما الأساسي، بوصفها أول محكمة دائمة مكلفة بمحاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم العدوان.
ومع ذلك، سرعان ما وُجهت إليها انتقادات واسعة من قِبل قادة أفارقة، باعتبارها تركّز بشكل شبه حصري على القارة الإفريقية، متجاهلة انتهاكات خطيرة ارتُكبت في مناطق أخرى من العالم مثل الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا.
سياسة التحيز والانتقائية
اتهمت مالي وبوركينا فاسو والنيجر المحكمة باتباع سياسة انتقائية، حيث رأوا أن معظم القضايا التي فُتحت كانت ضد قادة ومسؤولين أفارقة، في حين لم تُفتح تحقيقات مماثلة ضد مسؤولين غربيين في حروب وعمليات عسكرية خلّفت ضحايا مدنيين.
ودفع هذا التناقض الاتحاد الإفريقي مراراً إلى المطالبة بإصلاح المحكمة، مهدداً بخطوات جماعية للانسحاب منها، قبل أن تتخذ دول الساحل المبادرة الفعلية.
وفقاً لنظام روما الأساسي، يستغرق الانسحاب الرسمي عاماً كاملاً بدءاً من تاريخ الإخطار الكتابي الموجه إلى الأمم المتحدة، ما يعني أن هذه الدول ستظل خاضعة لاختصاص المحكمة حتى سبتمبر 2026.
ومع ذلك، فإن إعلان الانسحاب الفوري يحمل بعداً رمزياً قوياً، ويؤكد رغبة هذه الحكومات في رسم مسار قانوني مستقل بعيداً عن المؤسسات الغربية.
ومن شأن هذه الخطوة أن تعزز النقاش الدائر في إفريقيا حول ضرورة بناء منظومة عدالة قارية بديلة تستجيب لخصوصيات الشعوب الإفريقية.
أبعاد إنسانية وحقوقية
يطرح هذا الانسحاب تساؤلات جوهرية حول مصير قضايا حقوق الإنسان في دول الساحل التي تعاني من صراعات داخلية وهجمات مسلحة وانتهاكات واسعة.
ففي حين تبرر الحكومات قرارها بأنه دفاع عن السيادة الوطنية ضد تدخل خارجي متحيز، يخشى ناشطون محليون ودوليون أن يؤدي غياب رقابة المحكمة الجنائية الدولية إلى إضعاف آليات المساءلة ومنح غطاء للإفلات من العقاب.
وفي هذا السياق، يبرز التحدي الحقيقي.. كيف يمكن لهذه الدول أن توازن بين حماية سيادتها من جهة، وضمان العدالة والإنصاف لضحايا الانتهاكات من جهة أخرى؟