من الاختفاء القسري إلى الاغتيالات.. كيف تم القضاء على المعارضة في نيكاراغوا؟

من الاختفاء القسري إلى الاغتيالات.. كيف تم القضاء على المعارضة في نيكاراغوا؟
علم نيكاراغوا

قدم فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في نيكاراغوا حزمة من النتائج المروّعة حول توسع قمع السلطات ليشمل مواطنيها في الخارج، في حين وصفه الخبراء بأنه سياسة ممنهجة تستهدف إسكات المعارضين وتشديد الخناق عليهم حتى في المنفى.

يؤكد التقرير أن أدوات القمع لم تعد تقتصر على الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري داخل البلاد، بل امتدت إلى إجراءات إدارية وقضائية وإجراءات فعلية تهدف إلى تجريد المعارضين من هويتهم القانونية وقطع صلاتهم ببلادهم وإخافتهم وإلحاق الأذى بعائلاتهم المتبقية في نيكاراغوا بحسب ما ورد يوم الثلاثاء على موقع "ريليف ويب".

بدأت الأزمة إثر احتجاجات 2018 حيث دخلت نيكاراغوا مرحلة قمعية واسعة النطاق استهدفت المعارضة السياسية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة، واستخدمت السلطة الحالية مزيجاً من الأدوات القانونية والاستثنائية لإضفاء ستار من الشرعية على إجراءاتها، في حين تعمل انسحابات متتالية من منظمات وهيئات دولية على تقليص مساحة المساءلة، وتلاقت رغبة النظام في تعزيز السيطرة مع فرص الاستفادة من ضعف الضغوط الدولية الفاعلة، ما دفع بالإدارة إلى توسيع ميدان القمع ليشمل المعارضة في الخارج.

القمع خارج الحدود

وثق فريق الخبراء سلسلة من الإجراءات التي تتخذها سلطات نيكاراغوا ضد مصدّري النقد والمعارضين في الخارج، ومنها سحب الجنسية بقرارات قضائية (452 حالة بين فبراير 2023 وسبتمبر 2024 وفق التقرير)، ومنع إعادة الدخول، وحرمان من تجديد جوازات السفر، ومصادرة أملاك، ومراقبة إلكترونية، وتهديدات تطول المنفيين وأقاربهم داخل البلاد، وهذه الإجراءات لا تكتفي بإلحاق ضرر فردي مباشر، بل تقود إلى نتائج هيكلية، كفقدان الحقوق المدنية، استحالة السفر، تعطّل سبل العيش والقدرة على العمل الرسمي، والعيش في حالة طوارئ دائمة تؤثر في السلامة البدنية والنفسية والاجتماعية.

تتجاوز الصورة الإجراءات الإدارية إلى عنف مادي قد يصل إلى حد القتل، ويشير التقرير إلى حالات هجمات عنيفة على منفيين من نيكاراغوا في دول الجوار وأوروبا وأمريكا اللاتينية، ومنها مقتل الرائد المتقاعد روبرتو سامكام في كوستاريكا في يونيو 2025، ورغم أن التحقيقات ما زالت جارية ولا تثبت بالضرورة صلة مباشرة مع السلطات، فإن الخبراء يشددون على نمط متكرر من استهداف المنفيين، ما يرسخ مناخ الخوف ويضع سؤال الأمن الشخصي للمعارضين في سلم الأولويات.

إلى جانب القمع الخارجي، سجّل الفريق زيادة ملاحظة في الاعتقالات الجماعية والاحتجازات التعسفية داخل نيكاراغوا مع حالات اختفاء قسري ووفاة محتجزين في ظروف سرية، وهذه الممارسات، وفق خبراء الأمم المتحدة، لا تقتصر على خروقات فردية، بل تشير إلى سياسة ممنهجة تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني ولحقوق الإنسان الأساسية، ويمتد أثر ذلك إلى الخارج عبر استهداف أقارب المعارضين لإخضاعهم وإجبارهم على الصمت.

ردود المنظمات الحقوقية 

أدانت منظمات دولية وحقوقية هذا التحول، مطالبة دول الاستقبال بتعزيز حماية اللاجئين والمعارضين النيكاراغويين، وتسهيل إجراءات اللجوء والتوثيق. وقد دعا فريق الخبراء إلى مساءلة نيكاراغوا أمام محكمة العدل الدولية بخصوص انتهاكات اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بالحد من حالات انعدام الجنسية لعام 1961، وناشد الدول باتخاذ إجراءات لحماية الضحايا من التعرض للخطر خارج حدود الدولة. 

ومن ناحية حقوقية أوسع، فإن ممارسات التجريد التعسفي من الجنسية، والاعتقالات، والاختفاء القسري، والتعذيب، تندرج تحت نصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب، وتستدعي واجبات تحقيق ومحاسبة دولية ووطنية فعّالة.

الآثار في الضحايا والمجتمعات واسعة وشديدة: العزلة القانونية والاقتصادية والاجتماعية، فقدان فرص العمل والحماية الاجتماعية، انقطاع التعليم والخدمات الصحية، وضرر نفسي عميق جراء العيش في حالة تهديد دائم، كما تترافق هذه الأوضاع مع تفكك الروابط الأسرية وتقييد حرية الحركة، ما يزيد هشاشة الفئات الأكثر ضعفاً، وهي النساء والأطفال وكبار السن. 

وعلى مستوى المجتمعات المضيفة، تشكل موجات اللجوء والطلب المتزايد على الحماية تحديات إنسانية وإدارية تتطلب استجابة عاجلة ومنسقة.

توصيات وخطوات عملية

حذر الخبراء من أن انسحاب سلطات نيكاراغوا من مؤسسات دولية وفتح المجال أمام الإفلات من العقاب يتطلب رداً دولياً قوياً ومتعدد المسارات. فمن جهة، يجب على الدول المضيفة تسريع إجراءات الحماية ومنح وثائق سفر مؤقتة وتسهيل الوصول إلى الخدمات الأساسية وإجراءات لم شمل الأسر، ومن جهة ثانية، على المجتمع الدولي فرض آليات مساءلة فعالة تشمل تحقيقات دولية مستقلة، فرض عقوبات مستهدفة على المسؤولين المتورطين، تجميد أصول في الخارج عند وجود أدلة، وتعزيز دعم منظمات المجتمع المدني والصحافة المستقلة لتوثيق الانتهاكات، وفي المجال القانوني، ينبغي فحص إمكانية اللجوء إلى محاكم دولية أو آليات تقاضٍ وطنية مساندة لضمان عدم إفلات مرتكبي الانتهاكات من المساءلة.

ينذر تقرير خبراء الأمم المتحدة بأن تجربة نيكاراغوا تشكل نموذجاً مقلقاً من القمع العابر للحدود، حيث تتداخل أدوات الدولة لتقويض المعارضة داخلياً مع سياسة استهداف المنفيين في الخارج، ومنذ تأسيس فريق الخبراء في مارس 2022 ومتابعته لانتهاكات ما بعد 2018، تتكشف صورة عن نظام استبدادي يوسع مدار تأثيره إلى الشتات، ما يفرض على المجتمع الدولي التحرك بفعالية لمنع تحويل المنفى إلى ساحة جديدة للاضطهاد، وحماية الضحايا، ومحاسبة المسؤولين، واستعادة الحقوق الأساسية للمواطنين. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية