في اليوم الدولي للحد من الكوارث 2025.. الأمم المتحدة: موِّلوا الصمود وليس الكوارث
يحتفل به 13 أكتوبر من كل عام
تدعو الأمم المتحدة هذا العام إلى تغيير طريقة التفكير في مواجهة الكوارث: من تمويل الأزمات بعد وقوعها إلى تمويل القدرة على الصمود قبل حدوثها، ففي اليوم الدولي للحد من الكوارث لعام 2025 الذي يوافق الثالث عشر من أكتوبر، تُطلق الأمم المتحدة شعارها "موِّلوا الصمود، لا الكوارث"، ليكون نداءً عالميًا لإعادة توجيه الموارد نحو بناء مجتمعات أكثر استعدادًا وقدرة على مواجهة المخاطر، بدلًا من انتظار المآسي لتحدث.
بدأ الاحتفاء باليوم الدولي للحد من مخاطر الكوارث عام 1989، حين دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تخصيص يوم سنوي لتعزيز ثقافة عالمية للوقاية والحد من الكوارث.
ومنذ ذلك الحين، يُحتفل بهذا اليوم في 13 أكتوبر من كل عام، تكريمًا للجهود التي تبذلها المجتمعات والأفراد والمنظمات لتقليل تعرّضهم للمخاطر الطبيعية والإنسانية.
ويستند اليوم الدولي إلى رؤية واضحة مفادها أن الكوارث ليست "طبيعية" بطبيعتها، بل هي نتيجة خيارات بشرية في التخطيط، والتمويل، والإدارة البيئية، وأن الوقاية حقّ إنساني أساسي لا يقل أهمية عن الحق في الحياة والأمن والتنمية.
مسار الصمود الإنساني
تُعد خطة سنداي للحد من مخاطر الكوارث 2015–2030 الإطار العالمي الذي يوجّه الجهود الدولية في هذا المجال، وقد أقرّ المؤتمر العالمي الثالث للأمم المتحدة المعني بالحد من مخاطر الكوارث، المنعقد في سنداي باليابان عام 2015، بأن أكبر تأثير للكوارث يقع في المستوى المحلي، حيث تتسبب في خسائر بشرية واقتصادية جسيمة، وتؤدي إلى نزوح الملايين سنويًا.
ويؤكد هذا الإطار أن الكوارث التي يفاقمها تغيّر المناخ وسوء التخطيط التنموي لا يمكن التعامل معها إلا من خلال إدماج إدارة المخاطر في كل سياسات التنمية، مع إشراك المجتمعات المحلية في التخطيط والتنفيذ.
الكلفة العالمية للكوارث
تُظهر بيانات الأمم المتحدة أن الكوارث تُكلّف الاقتصاد العالمي نحو 202 مليار دولار سنويًا خسائر مباشرة، في حين تصل التبعات الاقتصادية الأوسع إلى 2.3 تريليون دولار سنويًا.
وتتحمل البلدان النامية العبء الأكبر من هذه الكوارث، نظرًا لهشاشة البنية التحتية وقلة التمويل الموجّه للوقاية، أما الدول الغنية، فرغم قدراتها الاقتصادية، فإنها لا تسلم من الخسائر الهائلة التي تُستنزف في جهود الإغاثة وإعادة الإعمار.
ومع ذلك، لا تتجاوز الاستثمارات في الحد من المخاطر نسبة 1% من الميزانيات العامة في معظم الدول، في حين لا تتضمن سوى 2% من مشاريع المساعدات الإنمائية الرسمية أهدافًا واضحة للحد من مخاطر الكوارث خلال السنوات الأخيرة.
وتحذّر الأمم المتحدة من أن التمويل الإنساني المخصص للتأهب آخذ في الانحسار، ما يعني أن الأزمات المقبلة ستكون أكثر كلفة وأشد وطأة على الإنسان والبيئة والاقتصاد.
موِّلوا الصمود وليس الكوارث
يأتي شعار عام 2025 ليجسّد فكرة بسيطة لكنها حاسمة: "إن الاستثمار في الصمود هو استثمار في الحياة"، وتُبرز الأمم المتحدة في رسائلها أن الكوارث ليست قدرًا محتومًا، بل نتيجة خياراتنا التنموية والاقتصادية، وحين تتجاهل الحكومات والمؤسسات إدماج مخاطر الكوارث في سياساتها المالية والتخطيطية، فإنها تموّل -من حيث لا تدري- الكارثة المقبلة.
فالقطاع الخاص الذي يقود نحو 75% من الاستثمارات العالمية، لا يزال في كثير من الأحيان يتجاهل مخاطر المناخ والبيئة، ما يضاعف نقاط الضعف في المدن والبنى التحتية وسبل العيش.
ولذلك، يدعو مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث إلى تغيير جذري في أولويات التمويل، بحيث تُوجَّه الموارد نحو الوقاية لا الاستجابة، وإلى إدماج الحد من المخاطر والتكيف المناخي في الاستراتيجيات الوطنية.
المدن في الخطوط الأمامية
تؤكد الأمم المتحدة أن المدن تمثل الخطوط الأمامية في مواجهة الكوارث؛ لأنها الأكثر تعرضًا للظواهر المناخية المتطرفة مثل العواصف والفيضانات والجفاف.
ويُركّز إطار سنداي على أهمية جعل المدن أكثر مرونة واستدامة، من خلال تطبيق "الأساسيات العشر لجعل المدن أقوى"، وهي مجموعة من المبادئ التي تُوجّه الحكومات المحلية لتبني تخطيطاً عمرانياً آمناً، وتطوير بنية تحتية قادرة على مواجهة المخاطر.
كما تدعو الأمم المتحدة إلى تعزيز القدرات المحلية وتوفير البيانات والمعلومات الدقيقة حول المخاطر الطبيعية، لضمان أن تكون القرارات مبنية على المعرفة لا على ردود الفعل.
الحق في التمويل العادل
تشدّد الأمم المتحدة على أن الحق في الوقاية من الكوارث جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، وأن على الدول التزامات واضحة بموجب القوانين والاتفاقيات الدولية لتقليل المخاطر التي تهدد حياة الناس وممتلكاتهم.
وتشير الرسائل الرسمية إلى أن التمويل الدولي للحد من مخاطر الكوارث ما زال دون المستوى المطلوب، رغم أن كل دولار يُستثمر في التأهب والوقاية يوفّر أضعافه في الخسائر المستقبلية.
فالكوارث المتكررة تدفع البلدان، خصوصًا الفقيرة منها، إلى دوّامات من الديون وتراجع الدخول وتآكل نظم التأمين، ما يجعلها أكثر هشاشة أمام الأزمات المقبلة.
بيانات وحقائق
يتجاوز إجمالي كلفة الكوارث 2.3 تريليون دولار سنويًا عند احتساب آثارها غير المباشرة.
تُسجّل آسيا النسبة العليا من الوفيات والخسائر الاقتصادية المرتبطة بالفيضانات.
ازداد عدد حالات الجفاف المُسجّلة بنسبة 29% خلال العقدين الماضيين.
تُقدَّر الخسائر السنوية الناتجة عن الأعاصير المدارية وحدها بنحو 119.5 مليار دولار.
وتُظهر هذه الأرقام أن أزمة الكوارث لم تعد مجرد قضية بيئية، بل قضية عدالة وإنصاف، لأن من يدفع الثمن الأكبر هم الأفقر والأقل مسؤولية عن انبعاثات الكربون التي تفاقم الظواهر المناخية المتطرفة.
الشركاء في الصمود
تؤكد الشبكة العالمية للحد من مخاطر الكوارث، وهي أكبر تجمع لمنظمات المجتمع المدني العاملة في هذا المجال، أن الكوارث ليست طبيعية أبدًا، بل نتيجة خيارات تُتخذ مسبقًا.
وتدعو الشبكة إلى تمويل الصمود المحلي عبر دعم المنظمات التي تعمل في الخطوط الأمامية، وتمكينها من بناء قدرات المجتمعات الأكثر عرضة للمخاطر.
وتشير الشبكة إلى أن القيادة المحلية والمعرفة الميدانية تشكلان خط الدفاع الأول ضد الخطر، وأن الاستثمار في المجتمعات نفسها هو الطريق الأضمن لتجنب الكوارث قبل وقوعها.
يذكّر اليوم الدولي للحد من الكوارث 2025 بأن كل دولار يُنفق على الاستجابة الطارئة بعد وقوع الكوارث يمكن أن يُنفق قبلها في حماية الأرواح والأرض والمستقبل.
إن شعار هذا العام "موِّلوا الصمود وليس الكوارث" ليس مجرد نداء أممي، بل هو رسالة إنسانية وأخلاقية: أن الإنفاق على الوقاية هو شكل من أشكال العدالة المناخية، وأن الحق في الصمود هو جوهر الحق في الحياة الكريمة على كوكب آمن ومستدام.