بين العفو والقصاص.. الأمم المتحدة تحذّر قيرغيزستان من خطورة إعادة عقوبة الإعدام

بين العفو والقصاص.. الأمم المتحدة تحذّر قيرغيزستان من خطورة إعادة عقوبة الإعدام
قيرغيزستان

دعا المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك السلطات القيرغيزية إلى التراجع فوراً عن مساعي إعادة العمل بعقوبة الإعدام، محذّراً من أن مثل هذه الخطوة ستشكّل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي، وقد فرضت هذه الدعوة نفسها في سياق اقتراح تشريعي قُدّم عقب جريمة اغتصاب وقتل فتاة في سبتمبر 2025 م، بلغت هذه الجريمة حدّاً من الصدمة في المجتمع القيرغيزي، ودفعت السلطات إلى اقتراح تعديل دستوري يُتيح تطبيق عقوبة الإعدام على جرائم اغتصاب الأطفال وجرائم اغتصاب وقتل النساء أو الأطفال. 

قيرغيزستان كانت قد أوقفت تنفيذ حكم الإعدام في عام 1998، ثم قرّرت منعه قانونياً بشكل دائم عام 2010 بعد تصديقها على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وهو ما يُلزِم الدول الأطراف باتخاذ جميع الوسائل اللازمة لإلغاء عقوبة الإعدام. 

تورك أوضح وفقًا لما أوردته “Kazinform News Agency” أن الحقوق المنصوص عليها في العهد والبروتوكول، بمجرد منحها، تصبح ملكاً دائماً لسكان الدولة الطرف ولا يمكن انتزاعها منهم مهما بدت المبرّرات.

كما أكدت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أنه ليس بمقدور الدولة التي صادقت على هذا البروتوكول أن تنفذ عقوبة الإعدام، حتى في أخطر الجرائم، ولا أن تنسحب من الاتفاقية باستخدام النص القانوني نفسه. 

الأسباب المحفّزة والدوافع الشعبية

ترتبط هذه التطوّرات بحالة غضب شعبي عمت في قيرغيزستان بعد الجريمة البشعة التي استهدفت فتاة في الـ17 من عمرها بمنطقة إيسيك كول، ما دفع الحكومة إلى اقتراح تشريع سريع تحت ضغط الرأي العام. 

لكنّ خبراء حقوقيين يرون أن اقتراح إعادة الإعدام ليس معالجة جوهرية للعنف أو ضعف العدالة الجنائية، بل استجابة شعبوية تخاطب الغضب وتروّج لعقاب الدولة كرمزية، كما تشير التقارير إلى أن مؤسسات العدالة الجنائية في قيرغيزستان تواجه ضعفاً في الضمانات والإجراءات، ما يجعل عدالة التعامل مع القضايا الجنائية ناقصة. 

ومن الناحية القانونية، إعادة فرض عقوبة الإعدام في قيرغيزستان يهدد بالتخلّي عن التزامات دولية واضحة، إذ إن الدولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وصادقت على البروتوكول الاختياري الثاني الذي يعدّ إلغاء الإعدام أمراً لا رجعة فيه قانونياً. 

فولكر تورك لفت إلى أن إعدام الأبرياء على يد الدولة ليس مجرد احتمال، بل واقع محتمل بالمضي في هذا الاتجاه، ومن الناحية الإنسانية، فإن العودة إلى الإعدام تضغط على مواطنين يعيشون في نظام قضائي يعاني من ضعف المؤسسات، ما يفاقم مخاطر المحاكمات الجائرة والإفلات من الضمانات، وكذلك تُحوّل الضحايا والمجتمع إلى ضرورة رمزية للعقاب، بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية للعنف أو الإقصاء.

أما من الناحية الدولية، فإن خطوة كهذه قد تُضعف العلاقات مع الشركاء الدوليين والداعمين لحقوق الإنسان، وتضع قيرغيزستان في عزلة تتعلّق بالتزاماتها الدولية ومصداقيتها كونها مشاركة في النظام العالمي لحقوق الإنسان.

ردود الفعل الحقوقية

منظمات حقوقية مثل "المدافعون عن الحقوق المدنية" أوضحت أن اقتراح إعادة الإعدام يتعارض مع التزامات الدولة، وأن الدولة ستحمل تبعات على سمعتها الدولية وعلى حماية النساء والفتيات بشكل خاص. 

المفوضية السامية لحقوق الإنسان دعت بدورها إلى معالجة العنف الجنسي عبر آليات تعويض ودعم للضحايا وليس عبر تشريعات عقابية رمزية.

كما أن الخبراء في الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا شدّدوا على أن الإعدام ليس رادعاً فعلياً للجرائم الخطرة، وقد لاحظوا أن الدول التي ألغت العقوبة لم تشهد زيادة معتبرة في الجرائم. 

يذكر أن قيرغيزستان أوقفت تنفيذ حكم الإعدام في 4 ديسمبر 1998، ثم ألغته قانونياً عام 2007، وصادقت على البروتوكول الاختياري الثاني عام 2010، وتوجد حالياً نحو 170 دولة ألغت العقوبة أو طبّقت وقفاً عليها. 

لماذا هذا التحوّل؟

الأسباب متعددة: أولاً، الغضب الشعبي بعد الحادث الشنيع الذي تعرضت له إحدى الفتيات والذي دفع السلطة إلى اقتراح سريع لتظهر أنها تتحرّك، وثانياً، هناك رواج سياسي لأسلوب العقاب القاسي وسيلة إثبات للقوة في أنماط الحكم الشعبوية أو القوية، ثالثاً، المؤسسات القضائية في قيرغيزستان تواجه انتقادات ملحوظة بالفساد، وتأخّر الإجراءات وتكتّم الضحايا، ما يضع إعادة الإعدام في سياق هشّ.

من منظور الحقوق، التحوّل يضع الدولة أمام صراع بين طلبات المجتمع لمعاقبة القاتل وبين التزاماتها بدولة القانون وحقوق الإنسان، في هذا الصراع، قد يكون الضحية الثانية هي الالتزام بالحق في الحياة وحظر الإعدام.

كما أن إعادة نقاش الإعدام قد تضعف أي محاولة لتعزيز العدالة الجنائية المستدامة، إذ تحيلها إلى استعراض عقابي قصير الأمد، بدل بناء قواعد متينة للعدالة والوقاية.

بناءً على دعوة المفوض السامي، على السلطات القيرغيزية وقف العمل على تعديل الدستور وخروجها المقترح من البروتوكول، والبدء فوراً بتعزيز منظومة حماية الضحايا وتطبيق القانون بشكل فعلي وشامل، وعلى المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية متابعة الوضع عبر دعم النقل المعرفي وبناء قدرات العدالة الجنائية وتعزيز آليات حماية النساء والأطفال.

ويجب على البرلمان والمواطنين التفكير في تدابير للإصلاح الجنائي، وليس فقط العقاب، عبر الإنقاذ العاجل لنظام الحماية وليس عبر العودة إلى أساليب عقابية تضع الدولة في موضع خصم للمجتمع.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية