اختبار الحقوق.. المجتمع المدني في السنغال يطالب بإطار قانوني ينهي ملاحقة النشطاء
اختبار الحقوق.. المجتمع المدني في السنغال يطالب بإطار قانوني ينهي ملاحقة النشطاء
في العاصمة داكار، دعا منتدى المنظمات غير الحكومية في السنغال إلى الإسراع باعتماد قانون وطني لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، في ظل تزايد الانتهاكات والتضييقات التي تستهدف الناشطين والمجتمع المدني.
وأكد المشاركون في الجلسة، التي أدارتها المديرة التنفيذية للمركز الإفريقي لدراسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، هانا فورستر، أن القانون المقترح يمثل خطوة ضرورية لتأمين فضاء مدني آمن في البلاد.
شارك في الجلسة كل من رئيس الائتلاف السنغالي للمدافعين عن حقوق الإنسان سيدي غاساما، ونائبه صديق نياس، والمقرر الخاص المعني بالمدافعين عن حقوق الإنسان في اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، ريمي نغوي لومبو، واتفق الحاضرون على أن غياب إطار قانوني لحماية المدافعين جعلهم عرضة للملاحقة، وأن الدولة تتحمل مسؤولية إنشاء بيئة تحترم حرية التعبير والتجمع والعمل الحقوقي وفق شبكة "الخدمة الدولية لحقوق الإنسان".
بيئة حقوقية متقلصة
تؤكد منظمات محلية ودولية، من بينها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، أن السنغال تشهد منذ عام 2021 تضييقاً متزايداً على الحريات، خصوصاً خلال فترات الأزمات السياسية والانتخابية، وقد وثقت منظمة العفو الدولية مقتل ما لا يقل عن 65 شخصاً خلال احتجاجات السنوات الثلاث الماضية، بينما سجلت حالات اعتقال تعسفي طالت نشطاء وصحفيين ومدافعين عن الحقوق المدنية.
بحسب الائتلاف السنغالي للمدافعين عن حقوق الإنسان، فإن الاعتقالات التعسفية وحملات الملاحقة بحق النشطاء تتسع مع كل أزمة سياسية، في ظل غياب قانون واضح يحدد حقوقهم ويضمن حمايتهم، كما أشار المركز الإفريقي لدراسات الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى أن قوانين الأمن السيبراني ومكافحة الإرهاب تُستخدم أحياناً لتقييد حرية العمل الحقوقي، مما أدى إلى تقلص الفضاء المدني في غرب إفريقيا عموماً، والسنغال خصوصاً.
أشار المقرر الخاص في اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إلى أن عدداً من دول القارة، مثل مالي والنيجر وكوت ديفوار وبوركينا فاسو، اعتمدت قوانين لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، لكن تطبيقها ما زال محدوداً، وأوضح أن الهدف من القوانين ليس منح حصانة للمدافعين، بل توفير حماية قانونية تمكّنهم من أداء دورهم في مراقبة السلطات ومساءلتها.
وأكد صديق نياس أن الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب واتفاقيات الأمم المتحدة ذات الصلة تشكل أساساً قانونياً لإقرار مثل هذا القانون في السنغال، وأوضح أن مشروع القانون الذي أعدّه المجتمع المدني قبل نحو عشر سنوات لا يزال قيد المراجعة في البرلمان، وسط آمال بأن تتم المصادقة عليه خلال الدورة التشريعية المقبلة.
أبعاد إنسانية ومجتمعية
غياب قانون يحمي المدافعين عن حقوق الإنسان لا يقتصر تأثيره على النشطاء فحسب، بل يمتد إلى المجتمع بأسره. فهؤلاء المدافعون يمثلون خط الدفاع الأول عن الحقوق والحريات، ويؤدون دوراً محورياً في توثيق الانتهاكات ومساءلة السلطات، ومع تصاعد الاعتقالات والخوف من الانتقام، يختفي كثير من الأصوات الحقوقية، ما يترك الفئات الهشة من النساء والشباب والعمال دون حماية فعالة.
منظمة "سيفيكوس" لمراقبة الفضاء المدني، أشارت في تقريرها الأخير إلى أن المدافعين في السنغال يواجهون مخاطر متزايدة، إذ يتعرض بعضهم للمحاكمة بسبب أنشطتهم السلمية، بينما يختار آخرون مغادرة البلاد بحثاً عن الأمان، وتقول المنظمة إن غياب الإطار القانوني أدى إلى انتشار ثقافة الخوف، حيث يتردد النشطاء في توثيق الانتهاكات أو نشرها خشية الملاحقة.
يرى الخبراء أن مشروع القانون المنتظر يجب أن يتضمن تعريفاً واضحاً لمفهوم "المدافع عن حقوق الإنسان"، وأن يضمن له الحق في حرية التعبير والتجمع والتنقل، ويحميه من التهديدات والاعتقالات التعسفية، كما ينبغي إنشاء هيئة مستقلة لتلقي الشكاوى والتحقيق في الانتهاكات ضد المدافعين، وتدريب الأجهزة الأمنية والقضائية على معايير حماية الحقوقيين وفق المواثيق الدولية.
وشدد سيدي غاساما على أن اعتماد هذا القانون لن يكون ترفاً سياسياً بل ضرورة لبناء الثقة بين الدولة والمجتمع المدني، وقال إن "القمع يُقوّض اللحمة الوطنية، وحماية المدافعين تعني حماية المجتمع نفسه"، وأكد أن القوانين لا يمكن أن تظل حبراً على ورق، بل يجب أن تُفعّل بتعاون حقيقي بين الحكومة والمنظمات الحقوقية لضمان العدالة والاستقرار.
تُعد السنغال من أكثر دول غرب إفريقيا استقراراً سياسياً، وكانت لعقود نموذجاً للتعددية والديمقراطية في المنطقة، غير أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً في مؤشرات الحريات العامة وازدياد التوترات السياسية. فمنذ عام 2021، أطلقت السلطات عدة حملات أمنية ضد المعارضين السياسيين والمتظاهرين، في حين اعتُقل عدد من الصحفيين والنشطاء بتهم تتعلق بـ"نشر معلومات كاذبة" أو "التحريض على الفوضى".
ويرى مراقبون أن استمرار هذا الاتجاه دون وجود قانون واضح لحماية المدافعين قد يقوّض الصورة التي طالما تمتعت بها السنغال كدولة تحترم الحقوق وتحتضن المجتمع المدني.
المطالبة باعتماد قانون لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان في السنغال تمثل خطوة حاسمة نحو استعادة التوازن بين الدولة والمجتمع المدني، فهي ليست مجرد استجابة لضغوط دولية، بل تعبيراً عن حاجة وطنية لتثبيت مبادئ الديمقراطية والمساءلة، ومع تصاعد الأصوات الحقوقية المطالبة بالإصلاح، يبقى السؤال المطروح: هل تنجح السنغال في تحويل التزاماتها الدولية إلى واقع قانوني يضمن سلامة من يدافعون عن كرامة الإنسان؟










