سياسات اللجوء الدنماركية.. بين الدعم المالي وحق العودة كيف تؤثر المنح في اللاجئين السوريين؟
سياسات اللجوء الدنماركية.. بين الدعم المالي وحق العودة كيف تؤثر المنح في اللاجئين السوريين؟
أطلقت الدنمارك برنامجًا ماليًا محفزًا لتشجيع اللاجئين السوريين المقيمين في البلاد على العودة الطوعية إلى وطنهم، وذلك في إطار سياسة تركز على الواقعية في التعامل مع ملفات اللجوء، ويتيح البرنامج منحًا مالية سخية تصل إلى ما يقارب 200 ألف كرونة دنماركية (حوالي 27 ألف يورو) لكل شخص بالغ، إضافة إلى 50 ألف كرونة (حوالي 6700 يورو) لكل طفل، وبهذا يمكن لعائلة مكوّنة من أربعة أفراد أن تتلقى ما يقارب 67,400 يورو عند العودة إلى سوريا.
وأفاد تقرير نشرته شبكة "مهاجر نيوز" أن الإعلان عن هذا البرنامج جاء بعد أن أوقفت السلطات الدنماركية مؤقتًا إجراءات اللجوء المتعلقة بالسوريين عقب سقوط نظام الأسد في أواخر عام 2024، في حين تم توسيع نطاق البرنامج لتشمل منحًا كاملة دفعة واحدة للعائدين مباشرة إلى سوريا، نظرًا لصعوبة التحويلات المالية المباشرة بسبب العقوبات الدولية.
الأسباب وراء المبادرة
تأتي هذه الخطوة في سياق تراجع حدة الحرب في سوريا وإتاحة فرص كبرى للاستقرار النسبي، حيث تقدر الأمم المتحدة أن نحو مليون سوري عادوا بالفعل إلى مناطقهم منذ بدايات عام 2025، لكن الأعداد العائدة من أوروبا لا تزال محدودة، ويستند النهج الدنماركي إلى مبدأ تشجيع العودة الطوعية دون فرضها، مع اشتراط تنازل اللاجئين عن حقهم في العودة إلى الدنمارك مستقبلًا، ما يجعل القرار نهائيًا وغير قابل للتراجع.
ويرى المسؤولون أن البرنامج يسعى لتخفيف الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على الدولة المضيفة، ومنها تكاليف الرعاية الصحية والتعليم والإسكان، إضافة إلى محاولة دمج مبدأ الاستدامة في سياسات اللجوء من خلال تقديم خيارات واضحة للمستفيدين.
تداعيات إنسانية محتملة
رغم السخاء المالي لبرنامج العودة الطوعية، تثير هذه المبادرة مخاوف إنسانية عدة، فالتحدي الأكبر يكمن في قدرة العائدين على إعادة بناء حياتهم في بلد مزقته الحرب لأكثر من عقد من الزمن، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن البنية التحتية الأساسية في بعض مناطق سوريا لم تُعالج بالكامل، ومنها المياه والكهرباء والتعليم والرعاية الصحية.
ويخشى مراقبون من أن المنح المالية الكبيرة قد تشكل حافزًا اقتصاديًا للعودة دون النظر الكافي إلى الظروف الأمنية والمعيشية، ما قد يضع اللاجئين أمام مخاطر جديدة تشمل التهديدات الأمنية والنزاعات المحلية، إضافة إلى محدودية فرص العمل والبنية الاقتصادية المتعثرة.
الدور الإرشادي لمنظمات الدعم
تتولى منظمة مساعدة اللاجئين في الدنمارك تقديم استشارات متخصصة للراغبين في العودة، ضمن مكاتب موزعة في مختلف المدن، بهدف دعم اتخاذ القرار بصورة مدروسة ومحايدة، وتشمل الخدمات تقديم المعلومات حول الوضع الأمني والمعيشي في سوريا، والمساعدة في التخطيط للانتقال، والإرشاد حول إعادة الاندماج الاجتماعي والاقتصادي.
وتشير الدراسات إلى أن نجاح برامج العودة الطوعية يعتمد على قدرة العائدين على إعادة بناء حياتهم بفعالية، إذ يشكل الشعور بالأمان والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي عاملًا حاسمًا لتشجيع اللاجئين الآخرين على اتخاذ القرار ذاته.
ردود الفعل الدولية والمحلية
أثارت هذه السياسات ردود فعل متباينة على المستويين المحلي والدولي، فقد رحبت بعض الجهات الحكومية والمنظمات داخل الاتحاد الأوروبي بالبرنامج، معتبرة أن برامج العودة الطوعية تشكل أداة فعالة لإدارة تدفقات اللاجئين وضمان توزيع أفضل للموارد في الدول المضيفة.
في المقابل، حذرت منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية من أن منح العائدين أموالًا كبيرة قد يشكل ضغطًا اقتصاديًا غير مباشر يدفعهم إلى العودة قبل الأوان، خاصة في ظل ظروف عدم الاستقرار في سوريا، وذكرت منظمات أممية مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن العودة الطوعية يجب أن تكون حقيقية ومستنيرة، ويجب أن ترافقها ضمانات أمنية واجتماعية لتفادي المخاطر على العائدين وأسرهم.
ويشير القانون الدولي لحقوق الإنسان إلى أن اللاجئين يجب أن يتمتعوا بحرية الاختيار بشأن العودة، وأن أي حوافز مالية يجب ألا تتحول إلى ضغط أو إكراه ضمني، كما تحظر المواثيق الدولية إجبار اللاجئين على العودة إلى مناطق غير آمنة.
برنامج العودة وتأثيراته
خلال العام الماضي، غادر 309 لاجئين الدنمارك في إطار برنامج العودة الطوعية، وكان معظمهم من السوريين، وتشير البيانات إلى أن منح العودة المالية جذبت بشكل أساسي العائلات الكبيرة والأفراد البالغين الذين يملكون روابط قوية مع المناطق التي عادوا إليها، في حين انخفضت نسبة العودة بين الشباب والأفراد العازبين مقارنة بالعائلات.
وتوضح تقارير المنظمة الدنماركية أن معظم المستفيدين استثمروا المنحة في تحسين ظروف السكن وتأمين التعليم للأطفال، مع إعادة تأسيس مشاريع صغيرة في المجتمعات المحلية، رغم التحديات الاقتصادية الواسعة التي يواجهونها.
تعود سياسات العودة الطوعية في أوروبا إلى ما بعد الأزمات الكبرى في البلقان خلال التسعينات، حيث اعتمدت الدول الأوروبية على برامج مشابهة لتشجيع اللاجئين على العودة مقابل منح مالية أو دعم إعادة التوطين المحلي.
في الدنمارك، أقر قانون العودة عام 2019، ما شكل إطارًا قانونيًا لتقديم الحوافز المالية وتحفيز المغادرة الطوعية، مع وضع معايير واضحة بشأن حقوق العائدين وحماية مصالحهم، في سياق سياسة شاملة لإدارة اللجوء والاندماج، وتعد هذه الخطوة جزءًا من توجه أوسع في أوروبا لتقليل أعداد اللاجئين المقيمين بشكل دائم، مع ضمان العودة الطوعية ضمن ضوابط قانونية وأخلاقية.
موازنة بين الحافز والأمان
تشير الدراسات إلى أن منح العودة الطوعية بدون برامج متكاملة لإعادة الإدماج قد لا تكون كافية لضمان استقرار اللاجئين العائدين على المدى الطويل، وتشدد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين على ضرورة دمج برامج الدعم النفسي والاجتماعي، وتوفير فرص التعليم والعمل، وإعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية، لتجنب النزوح الداخلي المتكرر أو الفقر المزمن.
كما يشير الخبراء إلى أهمية مراقبة فعالية هذه الحوافز المالية على المدى الطويل، وقياس تأثيرها في الدافعية للعودة مقارنة بالضغوط الاقتصادية أو الاجتماعية، ويؤكدون أن نجاح هذه البرامج يتطلب تنسيقًا بين الحكومات الوطنية والمنظمات الدولية، وتوفير دعم مستدام لضمان حقوق اللاجئين وحمايتهم من المخاطر المرتبطة بالعودة.
يمثل برنامج العودة الطوعية في الدنمارك مثالًا بارزًا على كيفية دمج الحوافز المالية ضمن سياسات اللجوء المعاصرة، ويظهر البرنامج أنه يمكن للمال أن يكون محفزًا للعودة، لكنه لا يغني عن ضرورة التأكد من أن العائدين يتمتعون بالسلامة والأمن والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في وطنهم، ويظل التحدي الأكبر هو إيجاد التوازن بين تشجيع العودة الطوعية وحماية حقوق اللاجئين، بما يضمن أن تكون العودة خيارًا حقيقيًا مستنيرًا، وليس مجرد قرار اقتصادي مؤقت.











