الأمن المنهار في سوريا.. جرائم القتل والتصفية الانتقامية تزرع الرعب بمحافظتي حماة وحمص
614 ضحية بينهم نساء وأطفال منذ مطلع العام
تواجه سوريا، منذ بداية العام الجاري، موجة مقلقة من العنف الفردي والتصفية الانتقامية، والتي تعكس اتساع دائرة الانتهاكات وانعدام الأمن في محافظات عدة، ولا سيما حماة وحمص، وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان في بيان له الاثنين بأن هذه العمليات التي تنوعت بين الإعدام الميداني وإطلاق النار، استهدفت شخصيات أمنية وعسكرية سابقة بالإضافة إلى المدنيين العزل، وسط مؤشرات واضحة على دوافع انتقامية وطائفية في بعض الحالات.
ووصل عدد الضحايا منذ مطلع العام إلى 614 شخصًا، منهم رجال ونساء وأطفال، بينهم 387 شخصًا قتلوا لأسباب طائفية، ما يضع البلاد أمام تحديات خطيرة تهدد الأمن والاستقرار، ولا تعكس هذه الأرقام فقط حجم العنف، بل أيضًا غياب أي حماية فعلية للمدنيين في مناطق عدة من سوريا.
العنف المستمر وتأثيره في المدنيين
تتعدد أساليب القتل، حيث يشهد السكان عمليات إعدام ميداني وتصفية مباشرة من قبل مسلحين مجهولين، ما يزرع الخوف والرعب في النفوس ويجعل التنقل في الشوارع أو حتى داخل الأحياء اليومية أمرًا محفوفًا بالمخاطر، ويشير المرصد السوري إلى أن العنف الطائفي لعب دورًا بارزًا في تصاعد هذه الانتهاكات، إذ استُهدفت بعض الضحايا على خلفية انتمائهم الطائفي، ما يزيد من عمق الانقسامات داخل المجتمع ويؤدي إلى تفاقم حالة الفوضى.
وتوزعت الحوادث وفق محافظتين رئيسيتين: في محافظة حمص، قُتل 373 شخصًا، منهم 342 رجلًا، و21 سيدة، و10 أطفال، وسُجلت 238 حالة نتيجة دوافع طائفية، أما في حماة، فقد قُتل 241 شخصًا، منهم 230 رجلًا، و7 سيدات، و4 أطفال، مع تسجيل 149 حالة على خلفية الانتماء الطائفي، وهذه الأرقام تعكس خطورة الموقف، إذ لا يقتصر العنف على استهداف أفراد بعينهم، بل يطول المجتمع بأسره، ويؤدي إلى تدمير الشعور بالأمان الأساسي.
القلق المجتمعي والتهديد المستمر للأمن
ويعيش سكان هذه المحافظات في حالة من الخوف الدائم، حيث يشعرون بعدم الأمان أثناء تنقلهم أو حتى داخل منازلهم، ما يفاقم حالة الفوضى ويعرقل الحياة اليومية، وقد أشار المرصد إلى أن هذه الحوادث قد تتحول إلى نمط ممنهج يشكل تهديدًا طويل الأمد للأمن والاستقرار في سوريا.
ويقول سكان محليون إن الرعب أصبح جزءًا من حياتهم اليومية، حيث اضطر بعضهم إلى الحد من تنقلاتهم خوفًا من التعرض للهجوم، في حين لجأ آخرون إلى تغيير مساراتهم اليومية أو الابتعاد عن مناطق معينة عرف عنها وقوع حوادث قتل انتقامي، ويبرز هذا الوضع هشاشة الدولة في حماية المدنيين، وغياب المؤسسات الأمنية عن أداء دورها بشكل فعال.
محاسبة الجناة وحماية المدنيين
أصدر المرصد السوري لحقوق الإنسان تحذيرات من استمرار هذه العمليات، داعيًا الجهات المختصة في سوريا إلى تعزيز جهود التحقيق، ومحاسبة المتورطين، واتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المدنيين من دوامة العنف المستمرة، وأكد المرصد أن عدم اتخاذ إجراءات حازمة قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة، ويزيد من حجم الانتهاكات ويطيل أمد الانعدام الأمني في المناطق المتضررة.
ويشير خبراء إلى أن تصاعد القتل الفردي والتصفية الانتقامية يعكس خللاً في منظومة العدالة والأمن، إذ يسمح ضعف الرقابة والمساءلة باستمرار أعمال العنف دون ردع، ما يشجع على تكرار الانتهاكات ويهدد السلم الاجتماعي.
أثر العنف الطائفي في المجتمع
تُظهر الأرقام ارتفاعًا ملموسًا في العمليات التي تحمل خلفية طائفية، ما يخلق انقسامات داخل المجتمع ويزيد من التوترات بين مختلف المكونات الاجتماعية، ويؤدي العنف الموجه ضد فئة بعينها إلى تأثيرات نفسية واجتماعية واسعة في المجتمعات المحلية، ومنها الخوف المستمر، وغياب الثقة بين أفراد المجتمع، وارتفاع مستويات النزوح الداخلي بحثًا عن أماكن أكثر أمانًا.
ويرى مختصون أن العنف الطائفي ليس مجرد انعكاس لصراعات داخلية، بل أداة تستخدم لتكريس سيطرة جماعات معينة وزيادة نفوذها في مناطق محددة، ما يجعل من الضروري وجود تدخلات شاملة لمعالجة الأسباب الجذرية، مثل الفقر، وضعف التعليم، والفراغ الأمني، إلى جانب برامج توعية مجتمعية لإعادة بناء التعايش الاجتماعي.
سوريا، منذ اندلاع النزاع عام 2011، شهدت تصاعدًا مستمرًا في عمليات العنف المسلح، سواء من قبل الدولة أو الجماعات المسلحة، ما أسفر عن وفاة مئات الآلاف من المدنيين وتشريد الملايين داخليًا وخارجيًا، وقد أدت الحوادث الفردية والتصفية الانتقامية في السنوات الأخيرة إلى تفاقم حالة الانقسام المجتمعي، وتوسيع نطاق الانتهاكات بحق المدنيين، ومنها النساء والأطفال، حيث أصبح التعرض للخطر اليومي جزءًا من حياتهم اليومية.
وتشير الدراسات إلى أن العنف الطائفي يسهم بشكل مباشر في تدمير النسيج الاجتماعي، ويؤدي إلى نزوح جماعي، وفقدان الثقة بين أبناء المجتمع، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة نتيجة انهيار النشاط الاقتصادي المحلي، وتؤكد التقارير الحقوقية أن استمرار هذه الحالة من العنف يهدد بشكل جدي فرص الاستقرار في سوريا، ويجعل أي مسار لإعادة البناء أو التسوية السياسية عرضة للفشل إذا لم يتم معالجة الانتهاكات وضمان حماية المدنيين.
كما تدعو المنظمات الحقوقية المحلية والدولية إلى تكثيف المراقبة والمساءلة، والعمل على حماية المدنيين، وضمان عدم الإفلات من العقاب للمسؤولين عن الانتهاكات، إلى جانب تبني برامج توعية للحد من العنف الطائفي وبناء ثقافة مجتمعية تقوم على التسامح والتعايش المشترك بين مختلف مكونات المجتمع.











