بعد ثلاث سنوات على الزلزال.. هاتاي التركية لا تزال تبحث عن الاستقرار
بعد ثلاث سنوات على الزلزال.. هاتاي التركية لا تزال تبحث عن الاستقرار
تواجه مدينة هاتاي التركية، مع قرب مرور ثلاث سنوات على زلزال فبراير 2023، واقعًا اجتماعيًا ونفسيًا وتعليميًا معقدًا، لا تزال فيه الأسر تبحث عن الاستقرار، فيما تتفاقم معاناة المعلمات والطالبات نتيجة تدهور الخدمات، وضعف البنية التحتية، وغياب الدعم النفسي.
وتبرز هاتاي اليوم بوصفها إحدى أكثر المدن التي لم تتعافَ بعد من الكارثة، حيث يعيش السكان بين أنقاض ذكريات الماضي وأزمات الحاضر، بينما تتراكم المسؤوليات على النساء بشكل خاص، مما يزيد الفجوة بين حاجات المجتمع وواقع الخدمات المتاحة، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم الثلاثاء.
وتوضح المعلمة سيفيلاي ألماس -إحدى المربيات اللواتي عايشن الأزمة منذ لحظتها الأولى- أن التحديات المتبقية "لا تزال كبيرة رغم مرور الوقت"، مشيرة إلى أن بعض التحسن حدث في جوانب محدودة فقط، لكنه لا يرتقي إلى حجم الاحتياجات الفعلية.
وتشير الشهادات التي أدلت بها إلى معاناة اجتماعية وتعليمية واسعة تطول الطلاب، والأسر، والمعلمات، وتظهر بوضوح أن عملية إعادة الإعمار المادي لا تتواكب مع إعادة الإعمار الاجتماعي والنفسي.
الأعباء اليومية تتفاقم
تبرز أزمة المواصلات باعتبارها أحد أكثر التحديات إلحاحًا، حيث تؤكد المعلمة ألماس أن الوصول إلى المدرسة قد يستغرق خمسة أضعاف الوقت الطبيعي، نتيجة غياب النقل العام الفعّال واعتماد الناس على التوصيلات العشوائية.
وتشرح أن القطاع الصناعي يسيطر على حركة المركبات، فيما تفتقر هاتاي إلى نظام نقل حضري قادر على خدمة الطلاب والمعلمات، وهو ما جعل الذهاب إلى المدرسة معضلة يومية.
وتكشف المعلمة أن الفتيات هن الفئة الأكثر تأثرًا، بسبب ازدياد الأعباء الأسرية، ومسؤوليات رعاية الإخوة الأصغر سنًا، إضافة إلى غياب وسائل نقل آمنة.
وتضيف أن الظروف الاقتصادية تُجبر الأمهات على البقاء في المنزل، ما ينقل العبء إلى الفتيات، ويدفعهن إلى الانقطاع عن المدرسة تدريجيًا، في ظاهرة تنذر باتساع فجوة التعليم بين الذكور والإناث.
غياب الدعم النفسي
توضح المعلمة أن غياب الأماكن الاجتماعية في هاتاي ساهم في زيادة عزلة النساء، خصوصًا المربيات، اللواتي لا يجدن بعد دوامهن أي مساحة للتنفيس أو التفاعل الاجتماعي.
وتؤكد أن عدم الشعور بالأمان داخل المنازل -نتيجة تضرر البنية السكنية أو آثار ما بعد الكارثة- جعل تجاوز الصدمة شبه مستحيل، خاصة في ظل غياب برامج الدعم النفسي للطلاب والمعلمين والأسر.
وتحذّر من أن هذه الفجوة النفسية تُضاعف التوتر والغضب داخل المجتمع، وتؤثر حتى على قدرة المدارس على التعليم.
وتبيّن ألماس أن عبء رعاية الأطفال في ظل غياب الحضانات يقع بالكامل على النساء العاملات، ما يجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة، ويضاعف الأعباء الأسرية.
وتقول إن النساء يقمن بالتدريس في المدرسة، ثم يتحملن رعاية الأطفال وكبار السن في المنزل، دون أي دعم أو مرونة، مما يتركهن في حالة إنهاك دائم.
النساء ومنابر اتخاذ القرار
أوضحت أن النساء لا يملكن الوقت أو القدرة على المشاركة في آليات اتخاذ القرار داخل المؤسسات التعليمية، بسبب الأعباء المنزلية، وهو ما يحرمهن من إيصال أصواتهن، ويترك قضاياهن خارج دائرة الاهتمام.
وتطالب النقابات -كما تقول- بتمكين النساء، وإعادة النظر في المناهج، وفترات العمل، ونظام التكاليف الإدارية، بما يضمن لهن المشاركة الفعلية.
وتتحدث المعلمة عن موجة هجرة ضخمة شهدتها هاتاي بعد الزلزال، باتجاه ولايات مرسين وأنقرة وأضنة وأنطاليا، مشيرة إلى أن "حب الأهالي لمدينتهم دفع كثيرين للعودة"، رغم استمرار غياب المساكن الآمنة والبنية التحتية الكافية.
وتوضح أن العائدين اضطروا للعيش في قرى بعيدة عن مركز المدينة، ما خلق عبئًا مضاعفًا في التنقل للعمل والدراسة.
مساكن آمنة ولكن معزولة
تشير ألماس إلى أن المساكن التي أنشأتها رئاسة تطوير الإسكان التركية TOKİ تقع في مناطق جبلية آمنة زلزاليًا، لكنها بعيدة عن الخدمات، وتفتقر لوسائل النقل، مما يجعلها مناسبة فقط لمن يملك سيارة خاصة.
وتضيف أن نقص الماء والكهرباء والبنية التحتية في هذه الوحدات يجعل السكن فيها تحديًا إضافيًا، ويؤثر مباشرة على التعليم والنظافة والصحة.
وتؤكد المعلمة أن طلاب هاتاي تعرضوا لحرمان واضح، حيث كانت الدروس تستمر 30 دقيقة فقط في الأشهر الأولى، وتم إعطاؤهم حصصًا مختصرة دون بيئة تعليمية مناسبة داخل الكرفانات.
وتضيف أن هؤلاء الطلاب خضعوا لاحقًا لنفس الامتحانات المركزية مثل باقي طلاب تركيا، دون أي مراعاة لظروفهم، ودون دعم تعويضي يعوض خسارة التعليم.
وتلفت إلى أن المعلمين والعاملين في التعليم في هاتاي لم يحصلوا على الدعم المالي الذي حظيت به ولايات أخرى، رغم أن المنطقة منكوبة وتحتاج لتدابير خاصة تجعل الحياة فيها ممكنة.
وتدعو إلى تقديم حوافز مالية وتحسين ظروف السكن والعمل لضمان استمرار العملية التعليمية.
دعوة لعدم نسيان هاتاي
تختم المعلمة ألماس شهادتها بالتأكيد على ضرورة الاعتراف بأن المدينة لا تزال تعيش آثار الزلزال، وأن المربيات والطالبات والأسر يعانين من حرمان متواصل.
وتطالب الدولة والمجتمع بعدم نسيان هاتاي، وبالنظر بجدية إلى الأعباء الأسرية، وضرورة توفير دعم نفسي، وتعليمي، ومادي، يضمن إعادة بناء المجتمع، لا مجرد إعادة بناء الجدران.











