أزمة تتجاوز حدود الكارثة الطبيعية.. منكوبو زلزال شرق أفغانستان يستعدون لشتاء قاسٍ
أزمة تتجاوز حدود الكارثة الطبيعية.. منكوبو زلزال شرق أفغانستان يستعدون لشتاء قاسٍ
ضرب زلزال قوي شرق أفغانستان أخيرًا، تاركًا وراءه دمارًا واسعًا وخسائر بشرية ومادية جسيمة، وفي وقتٍ لم تلملم فيه البلاد جراحها بعد من سلسلة زلازل مدمرة ضربتها خلال العقدين الماضيين، يواجه الناجون من الكارثة الجديدة خطرًا أكبر مع اقتراب فصل الشتاء القارس.
الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في أفغانستان، روزا أوتونباييفا، حذرت بوضوح من أن الأسر المتضررة "لن تتمكن من اجتياز الشتاء" ما لم تحصل على مساعدات عاجلة، في رسالة تضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته المباشرة تجاه شعب يئن تحت وطأة الكوارث الطبيعية والأزمات السياسية وفق شبكة "أفغانستان إنترناشيونال".
أعلنت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان (يوناما) أن المنظمة تحتاج إلى 139 مليون دولار لتغطية الاحتياجات العاجلة للمنكوبين، وهذا المبلغ، وإن بدا كبيرًا، لا يمثل سوى جزء بسيط من التكلفة الحقيقية لإعادة إعمار المنازل المدمرة وتوفير المأوى والغذاء والرعاية الصحية للمتضررين، وغياب هذا التمويل سيجعل من عبور الشتاء أمرًا شبه مستحيل، خاصة في القرى الجبلية النائية حيث تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر وتتقطع سبل المواصلات لأسابيع.
النساء في قلب الإغاثة
أشارت أوتونباييفا إلى أن مشاركة النساء في إيصال المساعدات "حيوية وأساسية"، مؤكدة أن إشراك المرأة يضمن وصول الدعم إلى الشرائح الأكثر هشاشة مثل الأطفال وكبار السن، وفي بلد يعاني فيه النساء من قيود اجتماعية وسياسية متزايدة، يمثل حضورهن في جهود الإغاثة بعدًا إنسانيًا حاسمًا يعزز فرص الاستجابة العادلة والمتوازنة.
الصليب الأحمر الأفغاني عقد اجتماعًا مشتركًا مع ممثلين عن جمعيات الهلال الأحمر التركي والقطري، إلى جانب الصليب الأحمر النرويجي والدنماركي، لبحث خطط إعادة الإعمار في ولاية كونر، إحدى أكثر المناطق تضررًا من الزلزال، ورغم هذه التحركات، تبقى الجهود المعلنة أقل بكثير من حجم الكارثة، في ظل حاجة مئات العائلات إلى مأوى عاجل وغذاء ومياه نظيفة.
دعت سلطات الأمر الواقع في أفغانستان -حركة طالبان- المنظمات الدولية إلى تقديم الدعم العاجل، مؤكدة استعدادها لتسهيل عمل هيئات الإغاثة، إلا أن المعضلة تبقى في محدودية تعامل المجتمع الدولي مع الحكومة القائمة، نتيجة مخاوف حقوقية وسياسية، ما يعرقل وصول المساعدات بالسرعة والفعالية المطلوبتين، وقد أشارت تقارير حقوقية إلى أن هذا التوتر بين الشرعية الدولية والسلطات المحلية غالبًا ما يدفع المدنيون ثمنه الأكبر.
شهادات من الميدان
المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في شرق أفغانستان، أناتولي بالونوف، وصف الوضع بأنه "صعب للغاية"، مشيرًا إلى مشاهد مأساوية في منطقتي سوتان ودره نور، حيث فقد 12 شخصًا حياتهم، منهم ثمانية أطفال، وأوضح أن الناجين يعانون صدمات نفسية حادة إلى جانب خسائرهم المادية، في حين ترك نفوق أعداد كبيرة من المواشي تحت الأنقاض مخاطر صحية تهدد بانتشار الأمراض.
ليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها الأفغان مأساة طبيعية بهذا الحجم. ففي يونيو 2022 ضرب زلزال ولاية باكتيكا مخلفًا أكثر من ألف قتيل، وفي العقدين الماضيين واجهت البلاد سلسلة من الزلازل والفيضانات والجفاف، وهذه الكوارث المتكررة جعلت أفغانستان من بين الدول العشر الأكثر هشاشة في العالم أمام الكوارث الطبيعية، بحسب تصنيف البنك الدولي، ومع محدودية البنية التحتية وضعف قدرات الدولة، تتحول كل كارثة طبيعية إلى أزمة ممتدة تهدد استقرار المجتمع لعقود.
البعد الحقوقي والإنساني
منظمات حقوقية محلية مثل "اللجنة الأفغانية لحقوق الإنسان" شددت على أن الحق في السكن والغذاء والمياه والرعاية الصحية يمثل أولوية قصوى يجب أن تلتزم بها السلطات والمجتمع الدولي، وعلى المستوى الأممي، ذكرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن حرمان متضرري الزلزال من المساعدات أو تأخير وصولها يعد انتهاكًا صارخًا للحقوق الأساسية المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وفق القانون الدولي الإنساني، يُفرض على المجتمع الدولي التزام واضح بمساعدة المتضررين من الكوارث الطبيعية، خصوصًا في الدول التي تفتقر إلى القدرات المحلية، وأكدت اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية أن حماية المدنيين في أوقات الكوارث لا تقل أهمية عن حمايتهم في النزاعات المسلحة. ومع ذلك، يبقى التنفيذ مرهونًا بالإرادة السياسية والتوافق الدولي، وهو ما يعرقل استجابة فعالة في الحالة الأفغانية.
أبعاد اقتصادية واجتماعية
الأزمة الراهنة ليست مجرد مأساة إنسانية آنية، بل تهدد بإحداث شروخ طويلة الأمد في المجتمع الأفغاني، فقدان المنازل وسبل العيش يعني أن آلاف الأطفال قد يتركون التعليم للعمل في ظروف قاسية، في حين قد تضطر الأسر إلى اللجوء إلى الزواج المبكر أو بيع ممتلكاتها القليلة للبقاء، وتشير تقارير برنامج الغذاء العالمي إلى أن أكثر من 15 مليون أفغاني يعانون انعدام الأمن الغذائي، وهو رقم مرشح للارتفاع مع تداعيات الزلزال.
رغم التحذيرات الأممية والمناشدات الحقوقية، يظل تدفق المساعدات بطيئًا ومتقطعًا، بفعل التوترات السياسية والعقوبات المفروضة على النظام الأفغاني، وتؤكد الأمم المتحدة أن الأزمة يمكن أن تتحول إلى فرصة لإعادة البناء بشكل أفضل، إذا ما تم الاستثمار في مشاريع طويلة الأمد تعزز صمود المجتمعات المحلية وتقلل من هشاشتها أمام الكوارث المستقبلية.
تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 28 مليون أفغاني -أي نحو ثلثي السكان- بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة في عام 2025، كما أن نحو 4 ملايين شخص يعيشون بلا مأوى ملائم، في حين يواجه نصف الأطفال دون سن الخامسة خطر سوء التغذية الحاد، هذه الأرقام تضع أزمة منكوبي الزلزال الأخير في سياق أوسع من معاناة ممتدة جعلت أفغانستان مهد إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم اليوم.