وباء صامت في وجباتنا اليومية.. تحذير عالمي من خطر متصاعد في الأغذية المصنعة
وباء صامت في وجباتنا اليومية.. تحذير عالمي من خطر متصاعد في الأغذية المصنعة
أطلق ثلاثة وأربعون خبيراً عالمياً في مجال الصحة والتغذية تحذيراً وصفوه بالعاجل من الخطر المتزايد الذي تشكله الأغذية فائقة المعالجة على الصحة العامة، بعد سلسلة من الأوراق البحثية نُشرت في دورية لانسيت الطبية، ويأتي هذا التحذير في وقت تتوسع فيه صناعة الأغذية الصناعية ذات القيمة الغذائية المنخفضة في مختلف أنحاء العالم، ما يجعلها جزءاً رئيسياً من الوجبات اليومية لملايين البشر.
كارلوس مونتيرو، الباحث البرازيلي الذي صاغ مصطلح الأغذية فائقة المعالجة قبل نحو خمسة عشر عاماً، أكد بحسب ما أوردته "رويترز" الأربعاء، أن الأدلة لم تعد محل نقاش وأن المشكلة باتت واضحة بما يكفي لاتخاذ إجراءات عالمية عاجلة، على حد قوله، ويشير مونتيرو إلى أن ما تراكم من معلومات علمية حول تأثير هذه الأغذية في صحة الإنسان يستدعي وقفة حاسمة من الحكومات ومنظمات الصحة العامة.
اتساع المشكلة عالمياً
يشير الباحثون إلى أن الأغذية فائقة المعالجة أصبحت مكوناً رئيسياً في أنظمة الغذاء المعاصر، وأن انتشارها المتزايد أدى إلى تدهور جودة الأنظمة الغذائية حول العالم، وتربط الدراسات بين استهلاك هذه المنتجات وبين مجموعة واسعة من الأمراض المزمنة التي تؤثر في حياة ملايين الأشخاص، بدءاً من السمنة ومرض السكري ووصولاً إلى السرطان واضطرابات الصحة النفسية.
وتعتمد هذه المنتجات على مكونات صناعية ومواد مضافة وتقنيات معالجة تهدف إلى تحسين المذاق وزيادة مدة الصلاحية، لكنها في الوقت ذاته تُفقد الغذاء عناصره الكاملة وتزيد من كثافة المواد الضارة داخله، وتعد المشروبات الغازية والوجبات سريعة التحضير من أكثر الأمثلة انتشاراً على هذه الفئة.
انتقادات وصراعات سياسية
ورغم وضوح المؤشرات والتحذيرات، يواجه المصطلح جدلاً متزايداً، إذ يرى بعض العلماء وصناع الغذاء أن التصنيف فضفاض وأن الجدل حوله أصبح مسيساً أكثر ما ينبغي، ويؤكد هؤلاء أن بعض المنتجات ضمن هذه الفئة قد تحتوي على قيمة غذائية لا يمكن تجاهلها، وأن وضعها جميعاً تحت مظلة واحدة قد يكون مضللاً.
لكن الباحثين الذين شاركوا في إعداد الأوراق العلمية يؤكدون أن الحاجة إلى المزيد من الأدلة لا تعني تجاهل ما هو متاح الآن من مؤشرات قوية، فهم يرون أن المخاطر المثبتة حتى اللحظة كافية لأن تدفع الحكومات إلى تبني سياسات احترازية، خاصة مع تزايد الأدلة على تأثير هذه الأطعمة في اثنتي عشرة حالة صحية على الأقل.
نتائج صادمة
أظهرت مراجعة منهجية شملت مئة وأربع دراسات طويلة الأمد أن 92 دراسة منها وجدت ارتباطاً واضحاً بين استهلاك الأغذية فائقة المعالجة وارتفاع مخاطر أمراض مزمنة متعددة، ومنها السكري من النوع الثاني والسمنة والاكتئاب، وتشكل هذه النتائج، وفق الباحثين، واحدة من أقوى مجموعات الأدلة التي تربط بين نمط غذائي صناعي والمرض على نطاق عالمي.
لا يمكن فصل انتشار هذه الأغذية عن الواقع الاقتصادي العالمي، حيث تقدم هذه المنتجات بديلاً منخفض التكلفة مقارنة بالأطعمة الطازجة، وفي العديد من الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل، تشكل المنتجات الصناعية الملاذ الوحيد للأسر التي تعاني من ضغوط معيشية، ما يجعلها أكثر عرضة لمخاطر صحية طويلة المدى. كما تلعب الدعاية التجارية وتوسع شركات الصناعات الغذائية دوراً في ترسيخ هذه العادات الاستهلاكية، وهو ما يجعل التصدي لها معركة تتجاوز الجانب الطبي إلى المستويات الاقتصادية والسياسية.
دعوات لتدخل حكومي
يشدد الخبراء على أن التغيير لن يحدث بمجرد نشر نتائج علمية، بل يتطلب تدخلاً حكومياً يتضمن سياسات تسعير عادل، وتنظيم الإعلان الغذائي، وتحسين الوصول إلى الغذاء الصحي في المدارس والمجتمعات، إضافة إلى تمويل الأبحاث المستمرة، ويؤكد الباحثون أن الإصلاح يبدأ من الاعتراف بأن المشكلة لا تتعلق بالاختيارات الفردية فقط، بل بمنظومة غذائية عالمية شجعت على الاعتماد على الأغذية الصناعية لعقود طويلة.
ظهر مصطلح الأغذية فائقة المعالجة للمرة الأولى ضمن نظام تصنيف غذائي يُعرف باسم نوفا ابتكره فريق بحثي من جامعة ساو باولو عام 2009. واعتمد هذا النظام على تقسيم الأغذية وفقاً لدرجة معالجتها الصناعية بدلا من مكوناتها فقط، ومع مرور السنوات، بدأت دراسات متتالية تتكشف عن الأثر الصحي لهذه الفئة، حيث أظهرت أبحاث واسعة التأثير السلبي في السمنة وارتفاع ضغط الدم واضطراب مستويات الدهون في الدم وزيادة مخاطر السرطان.
وبحلول العقد الأخير، أصبحت تحذيرات منظمة الصحة العالمية وبرامج التغذية الدولية أكثر وضوحاً بشأن ضرورة الحد من استهلاك هذه المنتجات، لكن الاستهلاك ظل في ارتفاع مستمر مع توسع شركات الأغذية الكبرى، وتشير تقديرات دولية إلى أن أكثر من نصف استهلاك الغذاء اليومي في بعض الدول الصناعية يأتي من هذه الفئة، في يتزايد حضورها بشكل سريع في الدول النامية، وهذا التوسع العالمي جعلها أحد أبرز التحديات الصحية المعاصرة، خاصة أن آثارها لا تظهر مباشرة بل تتراكم على مدى سنوات لتشكل عبئاً كبيراً على أنظمة الرعاية الصحية.











