حين تتحول الحدود إلى قبور.. وفاة ثلاثة مهاجرين قاصرين تكشف وجع الإنسانية وقسوة السياسة

حين تتحول الحدود إلى قبور.. وفاة ثلاثة مهاجرين قاصرين تكشف وجع الإنسانية وقسوة السياسة
مهاجرون في الغابات الأوروبية خلال الشتاء

بعد مرور نحو عام على حادثة مأساوية عند الحدود البلغارية، نشر مكتب الحقوق الأساسية التابع لوكالة حرس الحدود والسواحل الأوروبية "فرونتكس" تقريراً يكشف المسؤولية المباشرة للسلطات البلغارية في وفاة ثلاثة قاصرين مصريين قرب مدينة بورغاس جنوب شرق بلغاريا.

جاء هذا التقرير بعد سنوات من نفي وزارة الداخلية البلغارية لأي تقصير، وبعد اتهامات متكررة من منظمات حقوقية وإنسانية تشير إلى تأخر شرطة الحدود عن التدخل في الوقت المناسب لإنقاذ المراهقين الثلاثة وفق "مهاجر نيوز".

إهمال رسمي مكشوف

وفق تقرير مكتب فرونتكس، أرسلت منظمات عدة، منها مجموعة طرق البلقان ومنظمة "نو نيم كيتشن"، تحذيرات وتنبيهات إلى شرطة الحدود في 27 يناير 2024، تفيد بوجود قاصرين في خطر مميت بسبب تساقط الثلوج وانخفاض درجات الحرارة، ومع ذلك، لم تتخذ السلطات البلغارية الإجراءات اللازمة، واكتُشفت الجثث بعد يومين في الغابات المغطاة بالثلوج، وقد تضررت جزئياً بفعل الحيوانات، وأكدت المنظمات أن القاصرين الثلاثة هم أحمد سمرة وأحمد العودان وسيف الله البلتاجي، وتتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً، وقد عبروا الحدود التركية قبل دخولهم بلغاريا.

الخطأ البشري والبيروقراطي

يشير التقرير إلى أن السلطات البلغارية كانت على علم بموقع القاصرين وقدرت على التدخل لإنقاذهم، لكنها لم تفعل، ويصف التقرير هذا الفشل بأنه ليس حادثاً معزولاً، بل ممارسة روتينية للسلطات، تعكس عجز النظام عن حماية حياة المهاجرين في المناطق الحدودية، وقد رفض مكتب الحقوق الأساسية ما ورد عن وزارة الداخلية البلغارية من إنكار لتلقي معلومات دقيقة من المنظمات الإنسانية، وأكد أن التردد في الاستجابة أدى إلى وفاة الأطفال الثلاثة.

التحديات الميدانية للإنقاذ

تلعب المنظمات الإنسانية دوراً أساسياً في محاولة حماية المهاجرين الذين يواجهون ظروفاً قاسية عند الحدود، ويتعاون تجمع طرق البلقان الإيطالي مع منظمات محلية ودولية لمساعدة المهاجرين في مناطق البلقان، في حين تعمل منظمة منظمة “نو نيم كيتشن” على تقديم الدعم أثناء تنقل المهاجرين عبر بلغاريا وإيطاليا وسبتة، وتقدم مؤسسة أجنحة المهمة الدعم للمهاجرين واللاجئين خلال رحلتهم في بلغاريا.

وأكد متطوع، من منظمة "نو نيم كيتشن" ويدعى سيب، أن السلطات البلغارية تخلت عن القاصرين، ما أدى إلى وفاتهم بسبب انخفاض حرارة أجسامهم، وأضافت المنظمات أن ضباط فرونتكس في بعض الحالات عرقلوا وصول فرق الإنقاذ، ما صعّب التدخل وأدى إلى المزيد من الوفيات.

مأساة متكررة

توضح بيانات فرع مؤسسة البث النمساوي بالتعاون مع تقارير المنارة و صحيفة دير شبيغل و الإذاعة الأوروبية الحرة و مؤسسة سولومون وصحيفة إينيوز أن نحو 93 شخصاً على الأقل توفوا أثناء محاولتهم العبور عبر بلغاريا في عامي 2022 و2023 فقط، ويظهر البحث وجود مقاطع فيديو وصور توثق محاولات المهاجرين إسعاف زملائهم قبل تركهم في الغابة، وتعد هذه الأرقام دليلاً على أن الحوادث الإنسانية ليست معزولة، بل جزء من نمط متكرر يعكس هشاشة حماية المهاجرين عند الحدود الأوروبية.

الحدود والسياسة

تزامنت وفاة القاصرين مع دخول قرار ضم بلغاريا إلى منطقة شنغن حيز التنفيذ في الأول من يناير 2025، بعد انتظار دام ثلاثة عشر عاماً، ومع ذلك، أثار الانضمام مخاوف بعض دول الاتحاد الأوروبي من زيادة الهجرة، قبل أن يتم تعديل موقفها لاحقاً، وتظهر مأساة القاصرين أن سياسات الحدود الأوروبية، حتى مع التوسع في شنغن، لا تكفل حماية فعالة للحياة الإنسانية عند نقاط العبور الحرجة.

دعوات للمحاسبة

رحبت المنظمات الإنسانية بتقرير فرونتكس، لكنها شددت على ضرورة اتخاذ إجراءات فعلية، وأكدت أن التقارير وحدها لا تكفي، وأن استمرار التعاون أو الدعم للسلطات البلغارية دون محاسبة سيؤكد أن هذه الوفيات ليست حوادث عرضية، بل نتيجة سياسة حدودية تؤدي إلى الموت، وتدعو المنظمات المجتمع الدولي إلى الضغط لإصلاح إجراءات حماية المهاجرين وضمان عدم تكرار مثل هذه الكوارث الإنسانية.

تعاني الممرات الحدودية في بلغاريا منذ سنوات من نقص في المراقبة الإنسانية وضعف التدخل السريع عند حالات الطوارئ، وتتركز حركة المهاجرين القادمون من تركيا ضمن مناطق جبلية وثلجية خلال الشتاء، حيث ترتفع مخاطر التعرض لدرجات حرارة منخفضة والموت بسبب البرد، وتشير التقارير الحقوقية إلى أن السلطات غالباً ما تتأخر في التدخل، ما يزيد من حجم الكارثة، وأن التعاون بين فرق إنقاذ محلية ودولية يواجه عراقيل ميدانية وبيروقراطية، إضافة إلى قيود عملياتية من قبل ضباط فرونتكس، ما يعقد مهمة حماية المهاجرين، وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى حالات وفاة متكررة، خصوصاً بين القاصرين والمجموعات الضعيفة، ما يجعل منطقة البلقان واحدة من أخطر الممرات على حياة المهاجرين في أوروبا.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية