زواج القاصرات في إيران.. جرح بجسد الطفولة وأزمة إنسانية تتجدد كل يوم
زواج القاصرات في إيران.. جرح بجسد الطفولة وأزمة إنسانية تتجدد كل يوم
مع اقتراب اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة يعود ملف زواج القاصرات إلى الواجهة بوصفه أحد أكثر أشكال العنف الصامت انتشاراً وخطورة، فالظاهرة التي تتسلل إلى البيوت الفقيرة والمهمّشة دون ضجيج لا تسرق طفولة الفتيات فحسب، بل تهدد البنية الاجتماعية برمّتها، وتكرّس دوائر الفقر والعنف والتهميش عبر أجيال متعاقبة.
ورغم غياب البيانات الدقيقة في إيران بعد تقليص نشر الإحصاءات الرسمية، تشير شهادات العاملين في الميدان والباحثين والناشطين إلى ازدياد هذا النوع من الزيجات، خاصة في المحافظات الأكثر فقراً مثل سيستان وبلوشستان، وخراسان، حيث تلتقي قسوة الظروف المعيشية مع تقاليد مترسخة وقوانين تفسح المجال أمام تزويج الفتيات في سن مبكرة، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم الأحد.
ثقافة تعد الفتاة عبئاً
تكشف الناشطة في مجال حقوق الطفل برفين آزاد، أن المسببات الأساسية لهذه الظاهرة ترتبط مباشرة بالأزمة الاقتصادية التي تضرب الأسرة الإيرانية وتضعف قدرتها على البقاء.
فالعائلات التي تعاني من ضيق الحال وكثرة الأبناء تلجأ إلى تزويج بناتها للتخفيف من الأعباء أو “لحمايتهن من الفقر”، في حين تُعامل الفتاة في بعض البيئات على أنها عبء اقتصادي واجتماعي يجب التخلص منه في أسرع وقت ممكن قبل أن يُعدّ تأخر سنها "عاراً" يلاحق الأسرة.
ويتزامن هذا الفقر الاقتصادي مع فقر ثقافي لا يقل خطورة، إذ يُعاد إنتاج نظرة دونية تجاه الفتاة، وتستمر الخرافات الاجتماعية التي تربط شرف العائلة بالتحكم في حياة الطفلة وجسدها، وسط غياب شبه تام لبرامج التوعية وبدائل الحماية.
قوانين تشرعن الظلم
ما يزيد الطين بلة أن الإطار القانوني القائم يفتح الأبواب واسعة أمام هذه الممارسة. فالقانون يسمح بزواج الفتيات ابتداءً من سن 13 عاماً، بل وحتى 9 سنوات بموافقة الأب أو الجد وبقرار المحكمة.
وهنا تتساءل آزاد: “كيف يمكن للقاضي أن يعد طفلة مؤهلة لتحمل مسؤوليات الزواج والحمل والأمومة، في حين أن القانون ذاته لا يعترف بكونها شخصاً بالغاً قادراً على اتخاذ قرار واحد مستقل؟”
ويعكس هذا التناقض جوهراً بنيوياً في منظومة الحكم، حيث تُبنى القوانين على أساس أبوي وذكوري يمنح الرجل سلطة مطلقة على حياة الفتاة، ويضعف فرصها في التعليم والحماية والتنمية.
ومن الأمثلة الصارخة على هذه العقلية القانونية إعفاء الأب من القصاص إذا قتل ابنه، وهو ما يوضح مدى هشاشة حماية الطفل أمام القوانين السارية.
أضرار لا تُحصى
لا تقتصر آثار زواج القاصرات على الجانب القانوني أو الاقتصادي، بل تمتد لتضرب صحة الطفلة ونفسيتها ومستقبلها، فالفتيات اللواتي يُجبرن على الزواج في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة يدخلن تجربة تفوق قدرتهن الجسدية والنفسية، فتتفاقم مخاطر الحمل المبكر، ويتعرضن للعنف المنزلي والاكتئاب، ويُحرمن من التعليم والاستقلال الاقتصادي.
ويلفت خبراء الصحة النفسية إلى أن العديد من هؤلاء الفتيات يعانين من اضطرابات القلق، العزلة الاجتماعية، السلوكيات الخطرة، ومحاولات الانتحار نتيجة الضغط الهائل الذي يتعرضن له.
ومع ولادة أول طفل لفتاة قاصر، تدخل الأسرة في حلقة جديدة من الفقر، إذ تفتقر الأم إلى الخبرة والإمكانات لرعاية طفلها، في حين يحمل الزواج المبكر جيلاً آخر نحو المصير ذاته، ما يجعل هذه الظاهرة بمنزلة مصنع ينتج الفقر والعنف عبر الأجيال.
تشجيع مبطّن أم مكافحة فعلية؟
ترى آزاد أن السياسات الحكومية الحالية لا تساعد على الحد من الظاهرة، بل تسهم أحياناً في تعزيزها من خلال القروض والتسهيلات الممنوحة للزواج في إطار سياسة زيادة السكان.
ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية، تتحول هذه الحوافز إلى دافع إضافي لدى الأسر الفقيرة لتزويج بناتها مبكراً.
وبين غياب برامج الحماية الاجتماعية للفتيات، وضعف الدعم الاقتصادي للأسر، تبقى الإصلاحات الجوهرية في القوانين بعيدة المنال؛ فرفع سن الزواج إلى 18 عاماً يحتاج إلى إرادة سياسية غير متوفرة في نظام أبوي تقليدي يفضل تثبيت منظومة السيطرة على حماية حقوق الأطفال.
ويكشف ملف زواج القاصرات في إيران -ومعه في العديد من الدول- أن المسألة ليست مجرد قضية اجتماعية، بل أزمة إنسانية متكاملة الأركان، فحين تُجبر الطفلة على الزواج، يخسر المجتمع فرصة جديدة للنمو، وتُدفن إمكانيات فتاة كان يمكن أن تصبح طبيبة أو معلمة أو قائدة.











