بين الحرية والاعتبارات الأخلاقية.. سلوفينيا تتجه لاستفتاء جديد حول "الموت الرحيم"
بين الحرية والاعتبارات الأخلاقية.. سلوفينيا تتجه لاستفتاء جديد حول "الموت الرحيم"
تتجه سلوفينيا، اليوم الأحد، إلى استفتاء شعبي جديد للبت في قانون الموت الرحيم، في خطوة تعكس استمرار الجدل الأخلاقي والقانوني والاجتماعي الذي أثاره هذا التشريع منذ المصادقة عليه في البرلمان قبل أشهر قليلة.
ويأتي هذا التصويت بعد حملة واسعة الانتقادات قادتها مجموعات مدنية وتيارات دينية ومحافظة، ما دفع لإعادة طرح القانون أمام الناخبين رغم تأييده في استفتاء سابق عام 2024، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس".
كانت سلوفينيا قد صادقت في يوليو الماضي على قانون يسمح بالموت بمساعدة طبية للمرضى الذين يعانون معاناة لا تُحتمل بعد استنفاد جميع خيارات العلاج، سواء كانوا من المصابين بأمراض نهائية أو من الأشخاص الذين يعيشون مع أمراض مزمنة لا تمنح أي أمل في الشفاء أو التحسن.
ولا يشمل القانون إنهاء الحياة بسبب معاناة نفسية فقط، ما يضع ضوابط إضافية مقارنة بتشريعات أوروبية أخرى مثل بلجيكا وهولندا.
وبحسب النص القانوني، يدخل التشريع حيز التنفيذ بشكل تلقائي ما لم يصوت ضده ما لا يقل عن 20% من الناخبين المؤهلين، وهو ما يجعل الاستفتاء الحالي ذا أهمية حاسمة لمستقبل هذا التوجه الجديد في النظام الصحي السلوفيني.
المعارضة تجمع التوقيعات
قادت مجموعة مدنية، بدعم مباشر من الكنيسة الكاثوليكية والمعارضة البرلمانية المحافظة، حملة لجمع التواقيع للمطالبة بإلغاء القانون أو إعادة عرضه للتصويت الشعبي.
ونجحت هذه الكتلة في جمع 46 ألف توقيع، متجاوزة الحد الأدنى القانوني البالغ 40 ألف توقيع، وهو ما اضطر السلطات للإعلان عن الاستفتاء الجديد.
وترى هذه الجهات أن القانون “خطوة خطيرة” تهدد بكسر القيم الاجتماعية التقليدية، وتفتح الباب لسوء استخدام محتمل ضد كبار السن والمرضى الضعفاء.
واتهمت مجموعة "فويس فور ذي تشيلدرن أند ذي فاميلي" الحكومة بالسعي إلى “تسميم المرضى وكبار السن”، في تعبير يعكس عمق الانقسام المجتمعي حول هذه القضية.
الكرامة وحرية القرار
في المقابل، يدافع رئيس الوزراء روبرت غولوب وداعمون آخرون عن القانون باعتباره جزءًا من حرية الفرد في تقرير مصيره ونهاية حياته بكرامة، خصوصًا عندما تكون المعاناة جسدية شديدة وثابتة رغم العلاجات المتاحة.
وحث غولوب المواطنين على دعم القانون قائلاً إن لكل شخص الحق في تحديد “كيف وبأي كرامة يختار إنهاء حياته”.
وترتكز هذه المقاربة الحقوقية على مبادئ الاستقلالية الجسدية والحق في اختيار إنهاء الألم المستعصي، وهي القيم التي تبنتها عدة دول أوروبية مثل النمسا وهولندا وسويسرا، حيث يتيح التشريع فيها للأشخاص المصابين بأمراض مستعصية اتخاذ قرار إنهاء حياتهم ضمن إجراءات طبية صارمة.
بين الأخلاق والقانون
يرى مراقبون حقوقيون أن هذا الجدل يعيد فتح النقاش العالمي الأوسع حول الموت الرحيم، وهو موضوع يجمع بين الطب والقانون والفلسفة والأديان.
فالمدافعون عن “الموت بكرامة” يعدون القانون وسيلة لإنقاذ المرضى من المعاناة المستمرة، في حين تخشى المؤسسات الدينية من التعدي على “قدسية الحياة”، وتتهم الحكومات بالتساهل مع “سياسات قد تُسهل التخلص من الفئات الضعيفة”.
وتؤكد الكنيسة الكاثوليكية في بيانها الأخير أن تشريع الموت الرحيم “يتعارض مع أسس الإنجيل وقانون الطبيعة والكرامة الإنسانية”، وهو موقف تكرر في بلد ما زالت فيه التقاليد الدينية محافظة نسبيًا.
سيناريوهات ما بعد الاستفتاء
سيرسم هذا الاستفتاء ملامح مرحلة جديدة في سلوفينيا، من خلال قبول القانون يعني أن سلوفينيا ستنضم رسميًا إلى مجموعة الدول التي تتيح الموت الرحيم تحت إشراف طبي، ورفضه سيعيد البلاد إلى نقطة الصفر، ويمنح المعارضة الدينية والسياسية دفعة قوية للضغط ضد قوانين مشابهة مستقبلًا.
ومهما كانت نتيجة التصويت، فسيتواصل النقاش حول القيمة الإنسانية لحياة المريض، وحدود تدخل الدولة، وحق الفرد في تحديد مصيره في لحظات الألم الأخيرة، وسط انقسام لا يبدو أنه سينتهي قريبًا.











