قانون تجنيد الحريديم.. مشروع جديد يشعل الجدل في إسرائيل ويهدد استقرار الحكومة

قانون تجنيد الحريديم.. مشروع جديد يشعل الجدل في إسرائيل ويهدد استقرار الحكومة
تظاهر مئات اليهود المتشددين (الحريديم)- أرشيف

أعاد مشروع قانون جديد لتجنيد اليهود الحريديم، الداعمين الأساسيين لاستمرار حكومة بنيامين نتنياهو، خلط الأوراق السياسية داخل الكيان، بعدما أثار موجة اعتراض واسعة من المعارضة، وفتح نقاشًا قديمًا حول “امتياز الإعفاء الديني” وتبنّي السلطة السياسية لقوانين تُبقي الحريديم خارج الخدمة العسكرية الإلزامية.

منذ العام 1948، مُنح الحريديم –وهم تيار يهودي شديد التديّن يكرّس أفراده حياتهم لدراسة النصوص الدينية– إعفاءً شبه كامل من الخدمة العسكرية، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم السبت. 

وتحوّل هذا الإعفاء إلى جزء من التوازنات الداخلية الحساسة التي تقوم عليها الحكومات المتعاقبة، إذ تعتمد الكتل الحريدية، مثل “شاس” و“يهودت هتوراة”، على ثقلها البرلماني لابتزاز حلفائها السياسيين وضمان استمرار امتيازاتها.

لكن مع اتساع رقعة العمليات العسكرية خلال السنوات الماضية، واستدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط للقتال على جبهات متعددة، بدأ الشارع الإسرائيلي ينظر إلى الإعفاء كتمييز فجّ ينال من مبدأ “تقاسم العبء”، وتزايد الضغط الشعبي والقضائي لإنهاء الوضع القائم.

تجنيد "على الورق"

نشر رئيس لجنة الدفاع في الكنيست بوعز بيسموث الخميس مسودة جديدة لمشروع القانون، على أن يبدأ النقاش حوله يوم الاثنين المقبل. 

ورغم أن السنّة التشريعية السابقة تضمّنت صيغة أكثر تشددًا في تجنيد الحريديم وفرض غرامات على الرافضين، فإن النسخة المستحدثة جاءت مغايرة تمامًا، حيث إنها لا تتضمن سوى عقوبات طفيفة مثل حظر السفر أو منع الحصول على رخصة قيادة.

كما أنها تقلّص حصص التجنيد عبر تعديل المعايير، وتسهّل إعفاء طلاب المدارس التلمودية بشكل شبه كامل.

ووصفت صحيفة يديعوت أحرونوت المشروع بأنه “تجنيد على الورق فقط”، معتبرة أنه “عملية احتيال واضحة”، وأن القانون الجديد “لن يجنّد أحدًا”.

صراع داخل الائتلاف

يدافع بيسموث عن المشروع ويصفه بـ“المتوازن”، لكنّ الخلافات داخل الائتلاف تزداد تعقيدًا، فحزب شاس يهدد بإسقاط الحكومة إذا لم يُمرَّر نص يضمن إعفاء الحريديم، وحزب يهودت هتوراة سبق أن انسحب من الائتلاف في يوليو، وفقد نتنياهو بعدها أغلبيته المريحة.

ومع تبقي 60 نائبًا فقط ضمن الائتلاف، يجد نتنياهو نفسه أمام معركة وجود سياسية، إذ قد تسقط حكومته إذا فشل في تمرير القانون.

وهاجم زعيم المعارضة يائير لابيد المشروع واصفًا إياه بأنه “عار مناهض للصهيونية”، بينما قال رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت إنه “إعلان حرب على جنود الاحتياط”.

وتذهب أحزاب المعارضة إلى حدّ وصفه بأنه “اتفاق سياسي ملوّث” يهدف إلى حماية الحريديم لا إلى دعم الجيش، في وقت يعيش فيه الكيان واحدة من أكبر أزمات التجنيد منذ حرب غزة.

السبب الحقيقي للمعركة

المحكمة العليا كانت قد ألغت الإعفاء قبل سنوات، لكنها عادت في 19 نوفمبر الماضي لتُصدر قرارًا حاسمًا، جاء فيه أنه على الحكومة تقديم اقتراح فعّال لتجنيد الحريديم، لأن التمييز صارخ وغير مقبول في ظل الحرب.

وأشار الحكم إلى أن الحاجة العسكرية باتت أكبر من أي وقت مضى، وأن الجيش يحتاج إلى نحو 12 ألف مجند إضافي لسدّ النقص.

وبحسب الجيش، لا يؤدي الخدمة العسكرية سوى 2% من الرجال الحريديم، رغم أن عددهم في سنّ التجنيد يصل إلى 66 ألفًا.

مناورة أم محاولة إصلاح؟

يرى مراقبون أن مشروع القانون الحالي لا يهدف فعلاً إلى تغيير الوضع، بل إلى كسب الوقت وإعطاء نتنياهو مساحة للمناورة، خصوصًا أنه يخطط للترشح مجددًا، ويبحث عن توقيت مثالي للدعوة إلى انتخابات مبكرة قبل فقدان السيطرة على الائتلاف.

وفي ظل التناقض بين ضغط الشارع والمعارضة والقضاء، وتمسك الحريديم بإعفائهم التاريخي، يبقى المشهد مرشحًا لمزيد من التصعيد الداخلي، في معركة قد تحدد مستقبل الحكومة ومصير واحدة من أكثر القضايا حساسية داخل المجتمع الإسرائيلي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية