وسط أزمة إنسانية.. باكستان تفتح حدودها مع أفغانستان لإدخال المساعدات الإنسانية
وسط أزمة إنسانية.. باكستان تفتح حدودها مع أفغانستان لإدخال المساعدات الإنسانية
تعتزم إسلام آباد، بعد أشهر من التوتر الحدودي، السماح بشكل مؤقت ومحدود بإدخال المساعدات الإنسانية المقدّمة من وكالات الأمم المتحدة إلى الأراضي الأفغانية عبر معابرها الحدودية.
وجاء هذا القرار الذي أعلنت عنه مصادر حكومية باكستانية، اليوم الخميس، في سياق ما وُصف بـ"الاستجابة للنداءات الإنسانية العاجلة"، ويمثل أول إعادة فتح جزئي للحدود منذ الاشتباكات الدامية التي اندلعت بين الجانبين في أكتوبر الماضي، وأسفرت عن سقوط عشرات الضحايا وتعليق شبه كامل للحركة التجارية والإنسانية بين البلدين، وفق وكالة "فرانس برس".
ويعكس هذا التطور إدراكاً متزايداً لحجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب الأفغاني، في ظل تصاعد حاد في معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية.
وتُعد هذه الخطوة، رغم محدوديتها، بمنزلة شريان حياة لملايين الأفغان الذين باتوا محاصرين بين أزمات سياسية واقتصادية وأمنية متلاحقة.
تحديات يومية قاسية
تعاني أفغانستان اليوم واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يعيش أكثر من 85% من السكان على أقل من دولار واحد يومياً، وفق تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وتعكس هذه الأرقام مستوى غير مسبوق من التدهور المعيشي، ولا سيما بعد استعادة حركة طالبان السيطرة على الحكم عام 2021، وما تبع ذلك من تجميد للمساعدات الدولية، وانهيار للنظام المصرفي، وتوقف واسع للمشاريع التنموية.
وتواجه الأسر الأفغانية تحديات يومية قاسية، تتمثل في نقص الغذاء والمياه الصالحة للشرب، وتراجع الخدمات الطبية، وتقلّص فرص التعليم، خصوصًا للفتيات.
ويعتمد ملايين السكان على المساعدات الخارجية للبقاء على قيد الحياة، ما يجعل فتح أي معبر لدخول قوافل الإغاثة بارقة أمل وسط واقع قاتم يزداد تعقيدًا يوماً بعد آخر.
واقع أمني هش
تشهد الحدود المشتركة بين البلدين، الممتدة لأكثر من 2600 كيلومتر، حالة من التوتر المزمن منذ سنوات، تفاقمت بعد سيطرة طالبان على كابول، وتتهم السلطات الباكستانية الجانب الأفغاني بإيواء جماعات مسلحة تنفذ هجمات داخل أراضيها، وهو ما تنفيه حكومة طالبان.
وأسهمت هذه الاتهامات المتبادلة في تعقيد المشهد الأمني وإغلاق المعابر معظم الوقت، ما ألحق أضراراً كبيرة باقتصاد المناطق الحدودية وحرم آلاف المدنيين من مصادر رزقهم.
ورغم هذه الأجواء المشحونة، قررت باكستان منح "استثناء إنساني محدود" يسمح بمرور قوافل الإغاثة فقط، دون فتح المجال أمام التجارة أو حركة الأفراد.
وأكد مسؤولون أن عمليات التسليم ستتم على ثلاث مراحل، وتشمل مواد غذائية وأدوية ومعدات طبية وإمدادات أساسية تتعلق بالصحة والتعليم، في محاولة للحد من تفاقم الأزمة الإنسانية دون تقديم تنازلات سياسية أو أمنية.
تداعيات اقتصادية واجتماعية
تكبّد البلدان، منذ إغلاق الحدود في أكتوبر، خسائر تجارية تجاوزت 100 مليون دولار، وتضرر ما يزيد على 25 ألف عامل في المناطق الحدودية، وفق تقديرات غرفة التجارة والصناعة المشتركة بين البلدين، كما علقت عشرات الشاحنات على جانبي الحدود، بعضها كان يحمل بضائع غذائية فسدت بفعل الانتظار الطويل، ما زاد من خسائر التجار وعمّق معاناة المدنيين.
وتُعد باكستان الشريك التجاري الأكبر لأفغانستان التي لا تمتلك منفذاً بحرياً، حيث تزودها بالمواد الغذائية والأدوية والمواد الخام، في حين تستورد ما يقرب من 45% من الصادرات الأفغانية.
ويؤدي استمرار إغلاق الحدود إلى خنق ما تبقى من النشاط الاقتصادي في الداخل الأفغاني، ما ينذر بمزيد من البطالة والفقر والنزوح.
اختبار للإرادة الإنسانية
يرى مراقبون أن القرار الباكستاني، رغم طابعه المؤقت والمشروط، يشكل اختباراً حقيقياً للإرادة الإنسانية في منطقة أنهكتها الصراعات. فإذا نجحت عملية إدخال المساعدات بسلاسة، فقد تفتح الباب أمام مزيد من التفاهمات المستقبلية التي تعطي الأولوية لسلامة المدنيين وحقهم في الغذاء والرعاية الصحية والتعليم، بعيداً عن التجاذبات السياسية.
وتبقى أعين المنظمات الحقوقية والإنسانية شاخصة نحو ما ستؤول إليه الأيام المقبلة، في ظل احتياجات أفغانية هائلة تتجاوز بكثير ما يمكن أن تحمله قوافل محدودة، لكنها، على الأقل، تعيد التذكير بأن إنقاذ الإنسان يجب أن يكون فوق كل اعتبار.











