للمطالبة بزيادة الأجور.. اتحاد الشغل التونسي يعلن إضراباً وطنياً منتصف يناير المقبل
للمطالبة بزيادة الأجور.. اتحاد الشغل التونسي يعلن إضراباً وطنياً منتصف يناير المقبل
أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، أحد أقوى المنظمات النقابية في البلاد وأكثرها تأثيرا، الجمعة، عن إضراب وطني في 21 من يناير المقبل، احتجاجا على ما وصفه بتصاعد القيود على الحقوق والحريات، وللمطالبة بفتح مفاوضات جدية بشأن زيادة الأجور.
ويأتي هذا التحرك في خطوة تعد من أبرز التصعيدات المباشرة ضد الرئيس قيس سعيّد منذ أشهر، بينما تتفاقم الأوضاع الاقتصادية وتشتد التوترات السياسية في البلاد وفق وكالة رويترز.
تصاعد الغضب وتراجع الخدمات العامة
يتوقع أن يشل الإضراب المرتقب قطاعات عامة رئيسية، بما يزيد الضغط على حكومة تواجه أصلا نقصا في الموارد المالية وارتفاعا متواصلا في كلفة المعيشة، كما يأتي الإضراب وسط تزايد الإحباط الشعبي من تدهور الخدمات العامة وضعف القدرة الشرائية، إلى جانب شعور متنام لدى المواطنين بأن المشهد السياسي بات مغلقا وغير قابل للحوار.
في هذا السياق، حذر الاتحاد الذي يضم قرابة مليون عضو من أن الوضع يتجه نحو مزيد من التعقيد، منددا بما اعتبره تراجعا واضحا في الحريات المدنية ومحاولات لإسكات الأصوات السياسية والمجتمعية، وأكد قادته أن المنظمة لن تتراجع عن الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ولن تقبل بما وصفوه بعودة أساليب الضغط والترهيب.
وفي كلمة ألقاها أمام حشد من أنصاره، وجّه الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي رسالة سياسية مباشرة قائلا إن تهديدات السلطة لن تثني المنظمة عن مواصلة نضالها، وأضاف أن الاتحاد لن يخاف السجن أو المحاكمات، متهما السلطات بمحاولة إفراغ الحياة العامة من التعددية وإضعاف المجتمع المدني.
ملف الأجور في صلب الأزمة
يطالب الاتحاد بفتح مفاوضات عاجلة بشأن الزيادة في الأجور وتنفيذ الاتفاقيات الاجتماعية المعلقة منذ سنوات، وقد زاد التوتر مع الحكومة بعد إقرار قانون مالية 2026 زيادة في الأجور دون التشاور مع الاتحاد أو تحديد نسب واضحة، ما اعتبرته قيادته محاولة جديدة لتهميش دوره وإقصائه من الحوار الاجتماعي.
وتأتي هذه الأزمة وسط موجة غلاء غير مسبوقة تشهدها تونس شملت السلع الأساسية والخدمات، ما دفع شرائح واسعة من التونسيين إلى حافة الفقر، كما تعاني البلاد من تعثر في برامج الإصلاح وتأخر في إنجاز الاتفاقات المالية الضرورية مع المؤسسات الدولية، وسط انكماش اقتصادي يضغط بقوة على ميزانية الدولة.
قلق حقوقي ومشهد سياسي منغلق
تقول منظمات حقوق الإنسان إن السلطات توسعت منذ عام 2021 في إجراءات استهدفت الأصوات المعارضة، وتسببت في تراجع الحريات العامة وتضييق متزايد على الصحافة ومنظمات المجتمع المدني، وتشير التقارير الحقوقية إلى أن الرئيس سعيّد عزز قبضته على مؤسسات الدولة ووسع نفوذه على القضاء، بينما تم سجن عدد من قيادات المعارضة خلال العامين الأخيرين.
لكن الرئيس ينفي بشكل قاطع هذه الاتهامات، ويؤكد أن خطواته تستند إلى القانون وتهدف إلى وضع حد للفوضى التي كانت تعيشها البلاد، مشددا على أنه لا يتدخل في القضاء وأن جميع التونسيين متساوون أمام القانون.
الاتحاد بين دعم الماضي وصدام الحاضر
يُعد الاتحاد العام التونسي للشغل أحد أبرز مكونات المشهد السياسي والاجتماعي منذ عقود، وقد لعب دوراً محورياً خلال مرحلة الانتقال بعد الثورة، حتى نال جائزة نوبل للسلام ضمن رباعي الحوار الوطني عام 2015.
ورغم أن المنظمة دعمت الرئيس سعيّد في قراره حل البرلمان في يوليو 2021، فإنها عادت لاحقا لتعارض الإجراءات التي تلت ذلك، معتبرة أنها كرست تركيز السلطة في يد واحدة وأضعفت مؤسسات الدولة وفصل السلطات.
مخاوف من اتساع دائرة الاحتقان
يرى مراقبون أن الإضراب المنتظر يحمل رسائل سياسية واجتماعية عميقة، وقد يشكل نقطة تحول جديدة في علاقة الاتحاد بالرئيس سعيّد، خصوصا إذا ما تواصل غياب قنوات الحوار، كما يتخوف اقتصاديون من أن يؤدي شلل القطاعات الحيوية إلى تداعيات مالية إضافية تزيد من هشاشة الوضع العام.
ويبدو أن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة، وسط انتظار ما إذا كانت الحكومة ستتجه نحو تهدئة الأزمة عبر فتح باب المفاوضات، أم أن البلاد ستدخل مرحلة جديدة من الاحتقان قد تكون لها تداعيات طويلة على الاستقرار السياسي والاجتماعي.











