رغم الحصار والاحتلال.. أفراح في بيت لحم مع قرب عيد الميلاد
رغم الحصار والاحتلال.. أفراح في بيت لحم مع قرب عيد الميلاد
استعادت بيت لحم شيئًا من نبضها الإنساني الذي غاب لعامين متتاليين، مع افتتاح عرض الأضواء التقليدي إيذانًا بموسم عيد الميلاد في المدينة التي تُعرف عالميًا بأنها مهد السيد المسيح، في لحظة امتزجت فيها مشاعر الفرح الحذِر بذكريات الحرب الثقيلة التي خيّمت على المكان بفعل ما يجري في قطاع غزة وما تبعه من توتر شامل في الأراضي الفلسطينية.
وأُضيئت شجرة عيد الميلاد العملاقة في ساحة كنيسة المهد، بحضور رئيس بلدية المدينة، المسؤول المحلي ماهر نيقولا قنواتي، إلى جانب ممثلي الطوائف المسيحية المختلفة من لاتين وأرثوذكس وكاثوليك، حيث توّجت الشجرة بنجمة حمراء متلألئة انعكست على وجوه مئات الحاضرين الذين احتشدوا رغم البرد والمطر الخفيف، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، الأحد.
وتعالت الهتافات وتصفيق الحضور فيما صدحت فرقة مزمار القرية الكشفية الفلسطينية بألحانٍ عيدية تقليدية، اختلطت بأصوات الأجراس التي دوّت من أبراج الكنيسة التاريخية.
امتزج بائعو القهوة العربية بطقوسهم الشعبية بين الحشود، فيما جاب رجال يرتدون زي “سانتا كلوز” الأرجواني الساحة الصغيرة، وتبادل الأطفال الضحكات والتقاط الصور أمام الشجرة، في مشهد بدا كأنه محاولة جماعية لتحدي الخوف واسترجاع ما تبقى من حياة طبيعية بعد عامين من الألم والحصار والخسارة.
أعياد رغم الجراح
بدأ موسم الأعياد رسميًا مع احتفال الطائفة الغربية بعيد الميلاد في الخامس والعشرين من ديسمبر، غير أنّ مظاهر الفرح لن تتوقف عند هذا اليوم، بل ستمتد حتى السابع من يناير مع احتفالات الطوائف الشرقية، في تقليد تاريخي تحرص عليه المدينة رغم التراجع الكبير في أعداد الزوار خلال السنوات الأخيرة.
ألغت بلدية بيت لحم احتفالات الميلاد خلال عامي 2023 و2024 تضامنًا مع قطاع غزة الذي تعرّض لحرب مدمّرة خلّفت آلاف الضحايا وأودت بحياة مدنيين كُثُر، ودمّرت أحياءً بأكملها، ودفعت بالمجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى حالة من الحداد الجماعي.
دخل وقفٌ لإطلاق النار حيّز التنفيذ في العاشر أكتوبر الماضي، بعد نزاع واسع اندلع إثر الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023، وهو ما فتح نافذة ضيقة للأمل، سمحت لبيت لحم بأن تعيد فتح ساحاتها للاحتفال ولو بشكل رمزي ومتواضع.
صمود رغم الاحتلال
استمرّت أعمال العنف والتوتر في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، حيث لا تزال نقاط التفتيش العسكرية تقطع أوصال المدن، وتقيّد حركة الفلسطينيين، وتزرع الخوف في الطرق المؤدية إلى المواقع الدينية والتاريخية.
تخطّت الشابة عبير شتيه، البالغة من العمر 27 عامًا، والتي تعمل في جامعة الزيتونة في سلفيت شمال الضفة الغربية، الحواجز العسكرية لتصل إلى بيت لحم والمشاركة في الاحتفال.
وقالت إن وجودها هناك لم يكن مجرد حضور لمناسبة دينية، بل رسالة رمزية للصمود والحياة، مؤكدة: “نريد أن نكون مع إخوتنا وأخواتنا هنا، هذا اليوم هو بمثابة تحدٍّ لكل ما حاول كسرنا”.
واختلطت الراهبات القادمات من الأديرة المجاورة بآباء وأمهات يصطحبون أطفالهم، فيما اعتبر كثيرون المطر الخفيف الذي تساقط في تلك الليلة “نعمة سماوية” بعد موسم جفاف طويل ضرب الأراضي الزراعية المحيطة بالمدينة.
زوار من العالم
غادرت الزائرة ليو ليو، وهي سيدة صينية تبلغ من العمر 50 عامًا وتقيم في إسرائيل منذ سنوات طويلة، منزلها في الشمال باكرًا لتصل مع مجموعة صغيرة بالحافلة إلى بيت لحم.
ووصفت اللحظة بأنها مؤثرة للغاية، قائلة إنّ مجرد الوقوف في المدينة بعد عامين من الحرب والموت “يوقظ الإيمان بالحياة من جديد”.
تعتمد بيت لحم، بصورة شبه كاملة، على السياحة الدينية التي كانت تشكّل شريانها الاقتصادي الرئيسي قبل الأزمات المتلاحقة، بدءًا من جائحة كورونا، مرورًا بالتصعيد العسكري الأخير.
وقد أدى هجوم السابع من أكتوبر إلى توقف تدفّق الحجاج تمامًا، لتدخل المدينة في ركود اقتصادي خانق، أُغلقت خلاله عشرات المحال والفنادق والمطاعم.
بدأت خلال الأشهر الأخيرة عودة خجولة ومحدودة للسياح، لا سيما من دول آسيا وأميركا الجنوبية وأوروبا الشرقية، إلا أنّ الأعداد ما تزال بعيدة جدًا عن مستويات ما قبل الجائحة والحرب.
خوف وانتظار
أوضح المرشد السياحي ومدير شركة “تيرا دي” للرحلات الدينية، فابيان سفر، أن كثيرًا من الراغبين في الحج ما زالوا مترددين بسبب استمرار التوتر.
وقال إن الخوف ليس فقط من الوضع في غزة، بل أيضًا من احتمال اندلاع مواجهة جديدة بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله في لبنان، الأمر الذي يزيد من حالة القلق في المنطقة برمتها.
واستعدّ سفر لاستقبال ثلاث مجموعات صغيرة فقط في نهاية ديسمبر، بعد عامين كاملين من انقطاع الحجوزات خلال موسم الأعياد.
ورغم شعوره بالتفاؤل الحذر، أشار إلى أن التعافي الحقيقي قد لا يبدأ قبل عام 2027، وسيعتمد كليًا على ما ستؤول إليه الأوضاع في غزة وجنوب لبنان.
أمل هشّ في الأسواق
قال التاجر مايك شاهين، البالغ من العمر 43 عامًا، والذي يدير متجرًا للسيراميك في ساحة كنيسة المهد، إنّ ما مرّت به المدينة في العامين الماضيين كان أسوأ بكثير من فترة الإغلاق خلال جائحة كورونا.
وأضاف أنّ خلو الشوارع من الحجاج كان أشبه بموتٍ بطيء للمدينة التي تعيش على الحركة والزوار والصلوات.
وأعرب شاهين عن أمله في أن تُشكّل عودة الأضواء ورسائل الفرح الصغيرة “نداءً إلى العالم” بأنّ بيت لحم، رغم كل شيء، ما زالت قائمة، تنبض بالصلاة، وترفض أن تتحول إلى ذكرى منسية في كتب التاريخ.











