برد وجوع وصدمة نفسية.. اليونيسف: أطفال غزة يدفعون ثمن الحرب

برد وجوع وصدمة نفسية.. اليونيسف: أطفال غزة يدفعون ثمن الحرب
أطفال من غزة يبكون ذويهم

على الرغم من سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لا تزال معاناة الأطفال تتفاقم يوما بعد يوم، في مشهد إنساني يعكس عمق الكارثة التي خلّفتها الحرب، فالهدوء النسبي في وتيرة القصف لم يترجم إلى تحسن فعلي في حياة السكان، خاصة الأطفال، الذين يواجهون اليوم مزيجا قاسيا من البرد القارس وسوء التغذية والحرمان من أبسط مقومات الحياة الآمنة، وسط استمرار القيود المفروضة على القطاع، وفق منظمة اليونيسف.

وقال كاظم أبو خلف، المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” في فلسطين في تصريحات أدلى بها الخميس لوكالة أنباء الأناضول، إن وقف إطلاق النار لم يضع حدا لمعاناة الأطفال في قطاع غزة.

وشدد على أن المدنيين والنساء والأطفال ما زالوا يعيشون أوضاعا إنسانية بالغة القسوة، وأوضح أن القطاع يشهد منذ أكتوبر 2023 هجمات وصفها بالقاسية للغاية، تركت آثارا مدمرة لا تزال تتجلى حتى اليوم.

حصيلة ثقيلة من الضحايا

أشار أبو خلف إلى أن التقارير الواردة تفيد بمقتل أكثر من 80 طفلا بعد إعلان وقف إطلاق النار، ما يعكس هشاشة الوضع الأمني واستمرار الخطر على حياة الصغار.

وأضاف أن الظروف المناخية الحالية غير محتملة للأطفال، مع انخفاض متواصل في درجات الحرارة، وغياب وسائل التدفئة، وتعرض خيام النازحين للغرق نتيجة الأمطار، ما يزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض ويضاعف المعاناة اليومية.

وتعيش آلاف العائلات الفلسطينية في خيام مؤقتة لا تقي من البرد ولا تحمي من المطر، في ظل نقص حاد في المواد الأساسية.

وأكد أبو خلف أن اليونيسيف، إلى جانب منظمات إنسانية أخرى، تبذل جهودا كبيرة لتقديم المساعدة، لكن حجم الاحتياجات يفوق بكثير الإمكانات المتاحة، ما يجعل الوضع الإنساني في غاية الصعوبة، خصوصا بالنسبة للأطفال الرضع وصغار السن.

أكد المتحدث باسم اليونيسيف أن الأطفال كانوا الفئة الأكثر تضررا من الهجمات الإسرائيلية المستمرة، مشيرا إلى أن أكثر من 20 ألف طفل قُتلوا، وأُصيب أكثر من 44 ألفا منذ أكتوبر 2023، وأضاف أن هذه الأرقام لا تعكس فقط الخسائر الجسدية، بل تخفي وراءها معاناة نفسية عميقة ستلازم جيلا كاملا من أطفال غزة.

صدمة نفسية وحرمان

لا تقتصر آثار الحرب على الإصابات الجسدية، إذ أوضح أبو خلف أن الوضع الراهن في غزة يؤثر بشكل بالغ على الحالة النفسية والعقلية للأطفال، فقد أصبح آلاف الأطفال أيتاما بعد فقدان أحد الوالدين أو كليهما، بينما يعاني آلاف آخرون من إعاقات دائمة بعد بتر أطرافهم نتيجة القصف، وهذه الصدمات، بحسب خبراء، تهدد بتقويض التوازن النفسي والاجتماعي لجيل كامل.

من بين أكثر التداعيات خطورة، فقدان الحق في التعليم، حيث أكد أبو خلف أن جميع الأطفال في سن الدراسة في قطاع غزة، والبالغ عددهم 638 ألف طفل، خسروا عامين دراسيين كاملين، وهذا الانقطاع الطويل عن التعليم لا يهدد فقط مستقبلهم الأكاديمي، بل يفتح الباب أمام مشكلات اجتماعية ونفسية عميقة يصعب تداركها في المدى القريب.

وأوضح المتحدث الأممي أن جميع الأطفال الذين يشكلون نحو نصف سكان قطاع غزة، يحتاجون إلى شكل من أشكال الدعم النفسي والاجتماعي، ويشمل ذلك برامج متخصصة لمساعدة الأطفال على التعامل مع الصدمة، واستعادة الإحساس بالأمان، في ظل واقع يومي ما زال يفتقر إلى الاستقرار والحد الأدنى من مقومات الحياة الطبيعية.

لفت أبو خلف إلى أن أرقاما نشرتها منظمة الصحة العالمية تشير إلى حاجة نحو 4000 طفل إلى الإجلاء من قطاع غزة لأسباب صحية عاجلة، وتشمل هذه الحالات أطفالا يعانون من إصابات خطيرة أو أمراض مزمنة لا يمكن علاجها في ظل الانهيار شبه الكامل للنظام الصحي في القطاع، ونقص الأدوية والمعدات الطبية.

وقف نار هش

يأتي هذا الواقع الإنساني في ظل وقف لإطلاق النار يسري منذ 10 أكتوبر الماضي، غير أن إسرائيل تواصل خرق بنوده وتماطل في الانتقال إلى المرحلة الثانية منه، متذرعة بقضايا تتعلق بالأسرى.

كان من المفترض أن ينهي الاتفاق حرب إبادة جماعية استمرت نحو عامين منذ 8 أكتوبر 2023، وأسفرت عن استشهاد نحو 71 ألف فلسطيني وإصابة أكثر من 171 ألفا، معظمهم من الأطفال والنساء، ورغم توقف العمليات العسكرية الواسعة، لا تزال آثار الحرب حاضرة بقوة في تفاصيل الحياة اليومية، مع استمرار الحصار والقيود المشددة.

لم يشهد الواقع المعيشي في غزة تحسنا ملموسا بعد وقف الحرب، نتيجة القيود التي تفرضها إسرائيل على دخول شاحنات المساعدات الإنسانية، وتؤكد منظمات دولية أن هذه القيود تمثل انتهاكا واضحا للبروتوكول الإنساني المرافق لاتفاق وقف إطلاق النار، وتعيق جهود الإغاثة وإعادة الإعمار، خاصة في القطاعات الحيوية المرتبطة بالأطفال.

يعيش قطاع غزة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث، نتيجة حصار طويل وحروب متكررة بلغت ذروتها خلال العامين الماضيين، ويشكل الأطفال نحو نصف سكان القطاع، ما يجعلهم الفئة الأكثر عرضة لتداعيات النزاع، سواء من حيث القتل والإصابة أو الصدمات النفسية وفقدان التعليم. ومع تدهور البنية التحتية الصحية والتعليمية، وقيود إدخال المساعدات، باتت المنظمات الدولية تحذر من ضياع جيل كامل ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان الحماية والدعم وإعادة تأهيل الأطفال، باعتبارهم الركيزة الأساسية لأي أمل في مستقبل أكثر استقرارا لغزة وسكانها.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية