"روايات حية".. تقليص المساعدات الغذائية يهدد أقوات ملايين الفقراء في اليمن

"روايات حية".. تقليص المساعدات الغذائية يهدد أقوات ملايين الفقراء في اليمن

اليمن- معين التحرير

 

تقف فاطمة الصلوي، 44 عاما، أمام سور مدرسة بغداد وسط العاصمة صنعاء، وإلى جوارها جوال أبيض يحتوي على 40 كيلوجراما من الطحين، هو كل ما تبقى من الحصة الشهرية "السلة الغذائية" التي اعتادت الحصول عليها من برنامج الأغذية العالمي.

تقول "فاطمة" التي نزحت من مدينة حرض شمال اليمن هي وأطفالها الخمسة عام 2015 بسبب الحرب، بأنها تنتظر فاعل خير ينقلها مجانا إلى حي ذهبان شمال العاصمة، لأنها لا تمتلك ما يطلبه منها سائقو سيارات الأجرة، موضحة لـ“جسور بوست” بأن هذا الموقف يتكرر كل شهرين.

على مدى 5 سنوات ساهمت المساعدات في تأمين المواد الغذائية الأساسية لعائلة "فاطمة"، لكنها بعد تقليص المساعدات، لم تعد قادرة على تأمين ولو نسبة بسيطة من هذه المواد، ما اضطرها لدفع 3 من أبنائها للعمل -اثنان منهم يعملان في جمع وبيع العلب البلاستيكية الفارغة- لمساعدة والدتهما على توفير احتياجات الأسرة.

كارثة المجاعة

على بعد 360 كم من صنعاء، يصف الناشط الحقوقي فاروق السامعي وضع الأهالي في مدينة تعز، بأنه "مزرٍ جدا" نتيجة لتقليص برنامج الأغذية المساعدات وانقطاعها عن بعض الأهالي في مدينة تعيش حالة من الحصار تفرضها عليها ميليشيات الحوثي منذ أكثر من 6 سنوات، مشيرا إلى أن حصول المستفيدين على السلة الغذائية الكاملة أمر ضروري لمنع كارثة المجاعة.

ومؤخرا اقتصرت السلة الغذائية المقدمة من البرنامج التي حصل عليها أهالي تعز على 40 كيلو دقيق وعلبة زيت طعام "4 لترات"، وفقا لما قاله السامعي لـ«جسور بوست»، موضحا أن الكثير من الأهالي لم يحصلوا على أي مساعدات منذ 4 أشهر، رغم تأكيدات المسؤولين بأنها ستقدم للمستفيدين بنظام 8 دورات في العام "كل 45 يوما".

وأفاد بأن توقف رواتب الموظفين والارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية، فاقم الأزمة الإنسانية، وقال "نالت الأزمة من جميع الفئات حتى الموظفين الذي لم يفقدوا مرتباتهم، لأنها لم تعد تكفي لشراء كيس دقيق"، لذا فقد كانت السلة الكاملة شهريا (75 كيلو دقيق، 8 لترات زيت، 5 كيلو بقوليات، 2,5 سكر، كيس ملح صغير) والتي كانت تصرف سابقا، بمثابة المنقذة للأهالي من المجاعة وتفكك الأسر، على حد قوله.

ودفع تقليص المساعدات وتوقفها في بعض المناطق عائلة السبعيني عبدالقوي فلاح، إلى الاكتفاء أحيانا، بوجبة واحدة في اليوم، بعد أن أصبحت هذه الأسرة تعتمد بشكل أساسي على المساعدات التي يقدمها الجيران في منطقة حزيز جنوبي صنعاء منذ 5 أشهر، خاصة بعد أن توقفت المنظمة عن صرف السلة الغذائية التي كان يحصل عليها على مدى 5 سنوات.

يقول فلاح الذي كان موظفا في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لـ“جسور بوست”: "أعول زوجتي وابنتي الأرملة وحفيدتي، ولا أمتلك دخلا ثابتا بعد توقف المرتبات".

بملامح معبئة بالأسى ينظر فلاح إلى حفيدته، 6 سنوات، ويقول "أخشى أن تصاب بسوء التغذية في ظل هذا الوضع" لذلك يحرص على توفير المساعدات النقدية التي يحصل عليها من الجيران لشراء بعض الفواكه ويقدمها إلى حفيدته.

وفي السياق، حذرت مدير دائرة المنظمات بمكتب رئاسة الجمهورية في العاصمة المؤقتة عدن الدكتورة مريم الدوغاني، من ارتفاع نسبة الإصابة بسوء التغذية في عموم اليمن، وانعدام سبل العيش في ظل تقليص برنامج الأغذية العالمي لمساعداته هناك.

وقالت الدوغاني في تصريح خاص لـ«جسور بوست»، "المعضلة أن تأتي هذه القرارات لبرنامج الأغذية، بينما ميليشيات الحوثي المدعومة إيرانيا ما زالت ترفض صرف المرتبات لموظفي الدولة"، خاصة والنسبة الأعلى من المستفيدين من تلك المساعدات يعيشون في المناطق الواقعة تحت سيطرة الانقلاب، على حد وصفها.

وترفض ميليشيات الحوثي تنفيذ الاتفاقات التي تمت برعاية أممية حول صرف مرتبات الموظفين، وهذا ما يفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن الذي يصنف معدل انتشار سوء التغذية بين النساء والأطفال الأعلى عالميا، وفقا لـ"الدوغاني" التي أفادت بأن هذا الأمر يقلق الحكومة الشرعية، مقترحة البدء بتنفيذ مشاريع تمكين كبدائل يمكن أن تخفف من آثار قرار تقليص المساعدات.

ودعت المنظمات الدولية إلى تغطية العجز، من خلال عمل برامج تمويل لمشاريع سبل المعيشة، مشددة على ضرورة إيجاد مصادر لإنعاش الاقتصاد الوطني كالتوجه نحو المشاريع المدرة للدخل، وهذا ما تطمح الحكومة لتفعيلة خلال الفترة القادمة.

وأكدت في ختام حديثها بأن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وبدعم من مجلس القيادة الرئاسي تبذل "جهودا كبيرة" لجلب التمويل والاستفادة من الدعم المقدم من الأشقاء في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية ، بالإضافة إلى الدول المانحة لمساعدة الحكومة الشرعية على تغطية الاحتياجات الإنسانية الملحة.

تضرر الأمن الغذائي والصحي

انعكاسات تقليص المساعدات لم تقتصر على الجانب التغذوي فقط، إذ تؤكد المسؤولة في إدارة التغذية الصحية بوزارة الصحة الدكتورة سميرة شهاري، أنه ترك تبعاته السلبية على مستوى الأمن الصحي خلال الأشهر الماضية.

وقالت "شهاري"، في تصريح خاص لـ«جسور بوست»، "بشكل علمي ننتظر نتائج مسح الأمن الغذائي الذي يقوم به برنامج الأغذية بالتعاون مع الفاو واليونيسف ومنظمة الصحة"، والتي ستبين مستوى تدهور الأمن الغذائي والصحي في اليمن خلال هذا العام.

وأبدت "شهاري" قلقها من ارتفاع نسبة المصابين بسوء التغذية كنتيجة طبيعية لانعدام التغذية وضعف الخدمات الصحية في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي، خاصة في ظل توقف صرف مرتبات الموظفين، مشيرة إلى أن ميليشيات الحوثي تمنع الكثير من المنظمات الإنسانية من تنفيذ أنشطتها الإنسانية في مناطق سيطرتها.

ووفقا لشهاري، يختلف الأمر في المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة الشرعية، والتي يصعب فيها تأثر الأهالي بتقليص المساعدات، نظرا لوجود منظمات دولية وإقليمية تنفذ أنشطة كبيرة منها أنشطة تتعلق بالأمن الغذائي والخدمات الصحية والتعليم، وعلى رأس هذه المنظمات الهلال الأحمر الإماراتي ومركز الملك سلمان.

وبحسب آخر إحصائية، بلغ إجمالي المساعدات التي قدمتها دولة الإمارات لليمن نحو 22.97 مليار درهم خلال الفترة من عام 2015 وحتى عام 2012، عن طريق المشاريع التي ينفذها الهلال الأحمر الإماراتي وعدد من المؤسسات الخيرية الإماراتية، بينما بلغ إجمالي ما قدمه مركز الملك سلمان للإغاثة، 2 مليار و422 مليون دولار في مجال الأمن الغذائي والصحة فقط.

نقص التمويل وارتفاع مستويات الجوع

وفي المقابل أقر برنامج الأغذية العالمي في اليمن بأن تقليل حجم الحصص الغذائية خلال دورة توزيع الغذاء الحالية، ساهم في ارتفاع مستويات الجوع بشكل ينذر بالخطر ويسبب معاناة شديدة لملايين الأشخاص.

وكشف البرنامج في رده على استفسارات «جسور بوست» بأن عدد اليمنيين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بعد تقليص المساعدات بلغ 17.4 مليون، بالرغم من استمرار تقديم المساعدات، ويتوقع البرنامج ارتفاع العدد إلى نحو 19 مليون شخص بحلول نهاية هذا العام.

وقال البرنامج إنه يعاني من نقص حاد في تمويل أنشطته هذا العام بعد أن حصل على 773.2 مليون دولار، ما يعادل 40% فقط من احتياجاته التمويلية لتغطية كافة عملياته في اليمن خلال العام الجاري، مشيرا إلى أن الآثار غير المباشرة للحرب في أوكرانيا ساهمت في تفاقم انعدام الأمن الغذائي والأزمة الإنسانية في جميع أنحاء العالم وتأثر بلدان مثل اليمن بشكل حاد.

ودفعت محدودية التمويل بالبرنامج إلى تقسيم المستفيدين إلى فئات، ومنح الأولوية في تقديم مساعداته الغذائية للأسر الأكثر ضعفاً واحتياجا وفقاً لنتائج أحدث تحليل للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي وسبل العيش، بحسب رد البرنامج، موضحا أن هذه الأسر تعتمد بشكل رئيسي على المساعدات الإنسانية من أجل البقاء على قيد الحياة.

وأوضح البرنامج بأن المساعدات الغذائية الطارئة تقدم حاليا إلى نحو 10.5 مليون شخص -أي ثلث سكان اليمن- كما يعطي الأولوية في تقديم المساعدة للأسر الأكثر ضعفاً واحتياجاً، حيث تغطي المساعدات الغذائية 500 ألف شخص، بينما يغطي مشروع التغذية المدرسية 662 ألف طالب، في حين تقدم مشاريع دعم سبل العيش والقدرة على الصمود الدعم إلى 100 ألف مستفيد.

مساهمات المانحين

وحول المساعي لتوفير التمويل المطلوب، أفاد البرنامج بأنه مستمر في العمل مع الدول المانحة لجمع التمويل من أجل مواصلة تقديم المساعدات الغذائية المنقذة لحياة الأسر الأكثر ضعفاً، موضحا أنه تلقى مؤخرا مساهمات من عدة مانحين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، التي ساهمت بمبلغ 580.5 مليون دولار منذ بداية هذا العام.

وطالب البرنامج جميع الأطراف في اليمن تسهيل -غير مشروط- وصول المنظمات الإنسانية، لتتمكن من تقدم المساعدات الغذائية والمساعدات الأخرى ذات الصلة للأسر التي هي في أشد الحاجة لهذه المساعدات، على حد وصفه.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية