الأمم المتحدة: المرأة السورية تلعب دوراً حيوياً في حل النزاعات المريرة

الأمم المتحدة: المرأة السورية تلعب دوراً حيوياً في حل النزاعات المريرة
صورة أرشيفية من أحد مخيمات النازحين

طوال فترة الحرب في سوريا، خاطرت النساء بأمنهن للتوسط في النزاعات المختلفة التي أثرت على مجتمعاتهن، ومنذ تعثر الجهود الدولية لإنهاء القتال، ازداد دورهن أهمية، حيث أودى القتال بحياة عدد لا يحصى من الأرواح، وشرد الملايين داخل البلاد وخارجها، وترك الكثير من البنية التحتية للبلاد في حالة يرثى لها.

واحتفالًا بالذكرى السنوية الثانية والعشرين لقرار مجلس الأمن التاريخي رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، تسلط هيئة الأمم المتحدة للمرأة الضوء على نساء بارزات سعين إلى تحقيق الوحدة والسلام رغم الصعاب، إحدى هذه المجموعات هو المجلس الاستشاري للمرأة السورية، وهو هيئة فريدة مكونة من 15 امرأة تغلبن على انقساماتهن السياسية والجغرافية في سعيهن لتحقيق سلام دائم وشامل في سوريا، يقدم المجلس الاستشاري المشورة للمبعوث الخاص للأمين العام لسوريا غير بيدرسن ونائبته نجاة رشدي بشأن العملية السياسية في سوريا.

منذ بداية الصراع في سوريا، لعبت النساء والمنظمات النسوية والنسائية أدوارًا فعالة في إعادة بناء السلام والتماسك في مجتمعاتهن، إذ قُدن الحركات السياسية والسلمية، ونسّقْنَ المبادرات الإنسانية والإغاثية، وأمّنّ فرص الوصول إلى التعليم، وشاركْنَ في الحكم المحلي، ووفّرْنَ فرص كسب العيش للمحتاجين والمحتاجات، من خلال التعامل بمهارة مع الأعراف الاجتماعية والحساسيات السياسية والمخاطر الأمنية، توسطت النساء السوريات أيضًا في وقف إطلاق النار وفي إطلاق سراح المحتجزين، وأَمّنّ الوصول إلى المساعدات الإنسانية، وتكتسي هذه المساهمات الحيوية أهمية كبيرة نظرًا للقيود المفروضة على مشاركة المرأة العامة والمجتمعية. 

ووفقا للموقع الرسمي لأخبار الأمم المتحدة، يعزى فشل الجهود الدولية في إحراز تقدم كبير إلى عدم فهم الوسطاء الرسميين للوضع على الأرض في المجتمعات المحلية، وهذا هو المكان الذي تبرز فيه المرأة السورية، حيث إن معظم النساء المشاركات في الوساطة المحلية لديهن بعض الارتباط بالنزاع، ويُنظر إليهن على أنهن جديرات بالثقة وذوات مصداقية من قبل الأطراف المتنازعة.

وباعتبارهن "وسطاء من الداخل"، فإنهن يظهرن نقطتين ثابتتين من نقاط القوة: القدرة على بناء العلاقات أو الاستفادة منها، وامتلاك معرفة مفصلة عن النزاع وأطرافه.

مثال على هذه القوة جاء في وقت مبكر من الحرب، في منطقة الزبداني شمال غرب دمشق، عندما بدأت المنطقة في الخضوع لسيطرة قوى المعارضة، حاصرتها الحكومة، وطالبت السلطات الرجال بتسليم الأسلحة والاستسلام، مما يعني أن النساء فقط يمكنهن التحرك بأمان عبر خطوط السيطرة.

وفي حين أنه قبل الحرب، كان يُتوقع من نساء الزبداني في العادة أن يركزن على المسؤوليات داخل المنزل، فإن القيود والمخاطر الجديدة التي واجهها الرجال فجأة جعلت من المقبول، بل وحتى الضروري، مشاركة النساء في المفاوضات مع القوات الحكومية.

وسرعان ما انخرطت النساء في الزبداني في هذا الدور الجديد، واجتمعن وبدأن عملية وساطة مع القوات المحاصرة من أجل التفاوض على إنهاء الحصار وكذلك وقف محتمل لإطلاق النار.

تقول سماح عوض، خبيرة بناء السلام مطلعة على القضية: "انخرطت معظم هؤلاء النساء لأن أزواجهن متورطون في صفوف قوات المعارضة وكانوا مطلوبين من قبل الحكومة.. كانت النساء في الغالب ربات بيوت ولم يكن لهن أي دور رسمي في المجتمع، لكنهن اكتسبن أهميتهن لأنهن أردن حماية أزواجهن".

وعلى الرغم من انهيار وقف إطلاق النار في وقت لاحق، إلا أن النساء كنّ لفترة من الوقت، قادرات على ضمان حماية المدنيين وإجلائهم.

وفي مثال آخر، في مدينة إدلب الشمالية الغربية، تمكنت مجموعات غير رسمية من النساء من إنقاذ حياة مجموعة من المعتقلين، بعد سماع شائعة عن اقترابهن من القتل على يد الجنود، عملت مجموعة من المعلمات على إقناع مجموعة أكبر من النساء، بمن فيهن أمهات المعتقلين، بالاقتراب من مقر قائد الكتيبة.

وانتهت المواجهة بموافقة زعيم الفصيل على التحدث إلى المجلس العسكري، وبعد شهر تم الإفراج عن المعتقلين في إطار صفقة تبادل.

وقادت النساء السوريات أيضا جهود الوساطة مع القوات الحكومية لمعالجة القضايا الأمنية وتقديم الخدمات في المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة سابقا، وأوضحت "عوض" أن "الحكومة أصرت على أن الرجال بحاجة إلى إكمال الخدمة العسكرية، وهذا جعل العديد من الشباب يخافون من الظهور في المجال العام.. فشاركت النساء في الخروج واستكشاف إلى أي مدى كانت المناقشات مع السلطات الجديدة في المنطقة ممكنة.. خلال هذه المفاوضات، ناقشن التعافي المبكر في مناطقهن".

وبعد عدة سنوات من اندلاع الصراع، لاحظت منظمة "مبادرون" وهي منظمة مجتمع مدني تقودها نساء في دمشق، زيادة في العنف المحلي تجاه النازحين داخلياً الذين وصلوا إلى العاصمة، للتصدي لهذا العنف، شكلت المنظمة لجانا محلية مكونة من قادة المجتمع المحلي وقادة الحكومة المحلية، وأعضاء آخرين مؤثرين في المجتمع مثل المعلمين ونشطاء المجتمع المدني، والسكان العاديين.

وأنشأت مساحات محايدة، حيث يمكن للناس أن يجتمعوا ويناقشوا القضايا التي تؤثر على أحيائهم، وحيث يمكنهم بناء ثقتهم ومهاراتهم لمعالجة هذه القضايا.

بعد مرور بعض الوقت، وسعت المنظمة التي تقودها النساء أعمالها لتشمل طرطوس، وهي مدينة ساحلية في غرب سوريا، ودخلت في شراكة مع منظمة أخرى تقودها النساء وتتمتع بعلاقات مجتمعية قوية ووجود في المنطقة.

تقول "فرح حسن"، إحدى عضوات منظمة "مبادرون": "بسبب الحرب وتدفق النازحين لم تكن هناك خدمات أو خدمات كافية"، وأضافت "ألقى الشباب المحلي مسؤولية الحرب على عاتق النازحين، لأن أصولهم من مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، ونفذوا هجمات عنيفة ضدهم في المخيمات القريبة".

وتسبب هذا العنف في عدم استقرار كبير في المنطقة، لذلك التقت رئيسة مكتب طرطوس مع أعضاء المجتمع المؤثرين والفاعلين التجاريين المحليين، لإقناعهم بضرورة دمج مخيم النازحين كجزء من المجتمع، حتى يتمكن النازحون من المشاركة في اقتصاد المجتمع المحلي.

وتغيرت المواقف ببطء، وشهدت الأحياء المستهدفة في طرطوس اختلافات ملحوظة في معاملة النازحين داخليا، فقد أبلغوا عن تحرش وعنف أقل من أفراد المجتمع المضيف، وقبولا أكبر لأطفالهم في المدارس، والمزيد من الفرص الاقتصادية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية