عالم ذوي الإعاقة بين محنة المنع ومنحة العطاء

عالم ذوي الإعاقة بين محنة المنع ومنحة العطاء

"جسمي صغير ولكن قلبي كبير، والله أعطاني الكثير من النعم فلماذا لا أبتسم، وأهم معاني الإيجابية هي الرضا بأن الله اختار له الأفضل وعلى الإنسان أن يتقبل عطايا الله له كي يستطيع أن يرى العالم بإيجابية".

 بتلك الكلمات عرف العالم غانم المفتاح الشاب القطري المصاب بمتلازمة التراجع الذيلي في افتتاح كأس العالم 2022، جالسًا وبجواره النجم العالمي مورجان فريمين، مقدمًا نموذجًا لأصحاب القدرات الخاصة.

غانم مثال جسد كيف تستطيع الإرادة الحرة أن تحول المحنة إلى منحة، وكيف يصبح نموذجًا ملهمًا للأصحاء قبل أصحاب الهمم، على عكس ثقافة متداولة أنهم "عجزة". 

وتظهر الدراسات أن الأشخاص من ذوي الإعاقة يعدون أنفسهم من بين من يتمتعون بمستوى جيد من الحياة، وذلك وفقا لما يقوله الباحث المتخصص في علم الاجتماع توم شكسبير. 

من هو غانم المفتاح، وما نسبة ذوي القدرات الخاصة، وكيف تعاملهم الحياة وكيف يستقبلونها؟ 

سفير كأس العالم

الإعاقة الحقيقية ليست إعاقة جسد، وإنما الإعاقة إعاقة فكر، فبعض من ميزهم القدر بعجز ما ألهموا العالم، ومنهم من أصبح أيقونة ونموذج يحتذى.

من هؤلاء غانم المفتاح، الذي عين سفيرا لبطولة كأس العالم 2022، بعد أن ألهمت قصته عديدين اعتبروا أنه كان مثالًا قويا على تحدي الإعاقة، وتحدث البعض، بعد ظهوره الأحد، في حفل افتتاح المونديال باعتباره مبدعا وملهما.

آمنت به الفيفا.. «غانم المفتاح» يبدأ فعاليات كأس العالم بتلاوة القرآن الكريم

ووفقًا لسيرته الذاتية ولد غانم المفتاح في 5 مايو 2002 وهو مصاب بمتلازمة التّراجع الذّيلي (syndrom caudal regression) وهو عيب خلقي نادر يحدث بمعدّل واحد لكلّ 25 ألف شخص، ويتميّز بنموّ غير طبيعي للجنين في بعض أجزائه وخاصّة الأجزاء السفليّة من العمود الفقري، المرض ثقيل والإعاقة شديدة، تطلبت رعاية صحّية جسدية ونفسية مكثّفة وإحاطة عائلية واجتماعية لامتصاص آثار المرض الحسّية والمعنوية ولتمكينه من اكتساب بعض الاستقلالية ومن الاندماج في مجتمعه.

لكن إرادة غانم كانت باتساع السماء حيث لم يكتف بمجرّد التعايش مع إعاقته الشديدة بل فرض وجوده ليتحول إلى رمز للتحدي والإصرار والنجاح.

نجاحات مبهرة

المحنة منحة متى تدبر العقل ونفذت الإرادة، ولا عجب إن تحققت المعجزات، وهذه بعضها:

أدرجت وزارة التربيّة والتّعليم الكويتية قصّة الفتى القطري المعجزة غانم المفتاح ضمن منهج اللّغة الإنجليزية لطلّاب الصفّ الثّامن.

ووفقًا لما نشر عنه، أنشأت أمّه سنة 2008 نادي غانم الرّياضي للسّماح لكل الأطفال من ذوي الإعاقة أو الأصحاء بممارسة الألعاب الرياضية.

 لغانم كتب ومنشورات تحفز على النّجاح وتحدي الإعاقة والصّعوبات، وهي ملهمة للجميع، فقد كتب في مقدّمة كتابه "غانم الرابح دائما" الذي طبع بواسطة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة في قطر: "اسمي غانم، طفل قطري، ولدت في دوحة الخير، عاصمة قطر، وتنسّمت ربيع بلادي، في لغتي: يعني اسمي الرابح دوما، ولنقرأ ولنسمع حكايتي الجميلة". 

قام غانم بإنشاء جمعية "غانم الرابح للكراسي المتحرّكة"، وهي جمعية أهلية يوزع من خلالها الكراسي المتحركة على من يحتاج إليها. 

سمّي سفيرا للنّوايا الحسنة من قبل مؤسسة "أيادي الخير نحو آسيا" كما تم اختياره من قبل مركز قطر للمال ليكون سفيرا دعائيا لها. 

غانم المفتاح: أطمح في أن أرفع اسم قطر عاليا

 متحدي الإعاقة

رغم كل شيء، وحده الأمل يهب أجنحته لكل الذين ميزهم القدر بصفات ليست كالجميع، وأجسام ليست كما المعتاد، هم قوة لا يستهان بها وعدد لا يمكن تجاهله.

ويُقدَّر عدد الأطفال ذوي الإعاقات في العالم بنحو 240 مليون طفل، وفقاً لتقرير صادر عن اليونيسف نوفمبر 2021.

 ويعاني الأطفال ذوو الإعاقات من الحرمان مقارنة مع سائر الأطفال وفقاً لمعظم مقاييس عافية الطفل، حسب ما وجد التقرير. 

وفي تصريحات تلت التقرير، قالت المديرة التنفيذية لليونيسف، هنرييتا فور: يواجه الأطفال ذوو الإعاقات صعوبات عديدة وغالباً مركّبة في إعمال حقوقهم، فمن إمكانية الحصول على التعليم، إلى توفير من يقرأ لهم في المنزل، تظل الأرجحية أقل بشمول الأطفال ذوي الإعاقات أو الاستماع إلى أصواتهم، وفي كثير من الحالات، يُترك الأطفال ذوو الإعاقات ببساطة ليتخلفوا عن الركب. 

في يومهم العالمي.. 5 نماذج تبعث الأمل في نفوس متحدي الإعاقة | الوفد

 يتضمّن التقرير بيانات قابلة للمقارنة دولياً من 42 بلداً ويغطي أكثر من 60 مؤشراً لعافية الطفل من التغذية والصحة، إلى إمكانية الحصول على المياه والصرف الصحي، والحماية من العنف والاستغلال، والتعليم. 

هذه المؤشرات مصنّفة بحسب نوع الصعوبة الوظيفية لدى الطفل وشدتها، وجنس الطفل، ووضعه الاقتصادي، وبلده. 

ويُبرِز التقرير العوائق التي يواجهها الأطفال ذوو الإعاقات أمام المشاركة الكاملة في مجتمعاتهم وكيف يُترجم ذلك عادة على شكل نتائج صحية واجتماعية سلبية.

ذوو الإعاقة من منظور اجتماعي

من منظور اجتماعي ونفسي حاول أستاذ علم الاجتماع، طه أبو حسين تحليل قوة إرادة ذوي الهمم ونجاحهم بنسب أكبر من أقرانهم غالبًا، بقوله: إن ما يقف حاجزًا بين أصحاب الهمم وبين تعايشهم كما في الطبيعيين هو ثقافة المجتمع التي تضعه حيز العجز وتتعامل معه على أنه كذلك وعليه يصبح عاجزًا، الحل أولًا يكمن في تغيير ثقافة المجتمع خاصة في ما يتعلق بالتنمر، فالتنمر وحده كفيل بتحويل الشخص الطبيعي إلى عاجز.

 وتابع: إذا فكرنا في الأمر فسنكتشف أن الأشخاص الذين ولدوا معاقين ليس لديهم شيء يقارنون به ظروفهم الحالية، فالشخص الذي ولد أصم أو أعمى لم يجرب يوما سماع الموسيقى، أو رؤية أي من الفنون البصرية، أما الأشخاص أصحاب الإعاقات الذهنية فربما لا يشعرون بأي اختلاف على الإطلاق. 

تغيير القناعات ۞ عقيدتنا خط أحمر - 25 ۞ الدكتور. طه أبو حسين ۞ رمضان 1432 -  YouTube

 

وأكد أستاذ الاجتماع ضرورة بث روح الأمل في أصحاب الهمم وعدم تعريضهم لأجواء سلبية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية