حصاد الحريات في لبنان.. 2022 عام من الاضطراب والمؤشرات الواعدة
حصاد الحريات في لبنان.. 2022 عام من الاضطراب والمؤشرات الواعدة
لبنان- بلال نور الدين
شهد عام 2022 العديد من الأحداث البارزة على الساحة اللبنانية، والتي كان أبرزها الانتخابات النيابية وانتهاء عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، وعدم التوصل إلى توافق بشأن الرئيس الجديد، ووسط هذا الزخم السياسي والأزمة الاقتصادية القاسية، سُجلت العديد من النقاط بشأن الحريات ما بين تقدم إيجابي أو انتهاكات.
ورصدت الكثير من المؤسسات الحقوقية المعنية بملف الحريات في لبنان، مساحة التقدم الإيجابي وكذلك الانتهاكات التي تعرضت لها الحريات في لبنان خلال عام 2022، وهو ما تستعرضه “جسور بوست” في ما يلي.
استهدافات متكررة
في البداية، كشف المسؤول الإعلامي في مؤسسة "سمير قصير- سكايز"، جاد شحرور، أنه حتى نهاية 2022 لا يستطيع أي صحفي أن يقدم معلومة حول حقيقة انفجار مرفأ بيروت، حيث إن توقف العملية القضائية وتوقف القاضي طارق البيطار عن متابعة الملف، جعل الجميع غير قادرين على الاستمرار في العمل على هذا الملف، بالرغم من أن هناك صحفيين قدموا أدلة يمكن للقضاء أن يلتفت لها.
جاد شحرور
وفي إطار المشاريع الإيجابية التي تصف خدمة الصحفيين والنشطاء كشف "شحرور" عن مشاريع عدة تعمل مؤسسة "سكايز" عليها بالتواصل مع المجلس النيابي، من أجل تعديلها خلال الفترة المقبلة.
وحول ما إذا كان هناك أي انتهاكات يتعرض لها العاملون في المجال الصحفي، قال "شحرور" لـ"جسور بوست": “إن الصحفيين تعرضوا خلال 2022 لمختلف أنواع الانتهاكات منها حملات السب على مواقع التواصل، بجانب التوقيف الأمني أو مقاضاة الصحفيين ومؤسساتهم أو حتى المنع من ممارسة عملهم بحرية في نقل الأحداث وتصويرها”.
وقال شحرور، إن مركز "سكايز" سجل “أكثر من 70 انتهاكا بينها اعتداء على صحفيّين، ومنع المصورين وصحفيّين من تغطية أحداث، ومنها دعاوى واستدعاءات بحق عدد من التلفزيونات مثل قناة الجديد وMTV وغيرهما”.
الانتخابات النيابية
أعطت الانتخابات النيابية التي جرت هذا العام، بعض المؤشرات حول رغبة اللبنانيين في التعبير عن موقفهم مما يجري في بلادهم. وبالأرقام، فقد ترشح للانتخابات 718 شخصاً توزعوا على 103 لوائح، مقارنة مع 597 شخصاً ترشحوا سنة 2018 وتوزعوا على 77 لائحة، وبرز ترشح 118 امرأة إلى انتخابات 2022 مقارنة مع 86 سيدة فقط خلال 2018، في زيادة بنسبة 43.16%.
وبلغ عـدد الناخبين المسجلين في لبنان خلال العام الجاري 3769605 أشخاص ضمنهم 522411 في الخارج مقارنة مع 96582 ناخباً في الخارج خلال الانتخابات السابقة، ويعود سبب الارتفاع في أرقام ناخبي الخارج (بمعدل 3 أضعاف) إلى اعتماد التسجيل الالكتروني.
وبلغت نسبة الإقبال الإجمالية في انتخابات المغتربين لسنة 2022، نحو 60% أو ما يعادل 130 ألف ناخب تقريبا.. في حين كانت تلك النسبة 56% سنة 2018 بعدما صوت نحو 50 ألف شخص من 90 ألفاً سجلوا كناخبين.
ومكنت انتخابات 2022 اللبنانيين من إيصال 8 نساء إلى البرلمان، بعدما كان عددهن 6 في دورة 2018، كما وصل 13 نائبا جديدا تحت مسمى "نواب التغيير" وهم يمثلون حراك 17 تشرين 2019، كما يدعون.
مخالفات بالجملة
مسؤولة الإعلام في الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات "لادي"، سندريلا عازار، قالت لـ"جسور بوست" إن "لادي" بدأت بالعمل قبل فترة طويلة من انتخابات 2022، لرصد المخالفات والمشاهدات العامة في الدوائر الانتخابية".
سندريلا عازر
وتابعت: “شهدنا الكثير من الأحداث خلال هذه العملية الانتخابية ومنها الرِّشى الانتخابية وعدم تنظيم الدعاية والإعلان الانتخابي، بالإضافة إلى استخدام الموارد العامة لغايات انتخابية مثل السيارات، والبلديات، ومدارس رسمية، وجامعات وغيرها، كما شهدنا الكثير من الخطابات التحريضية والتخوينية والطائفية”.
وقد رصدت "لادي" المخالفات التي جرت خلال أيام الاقتراع، وقد بلغت 2669 مخالفة ذكرتها الجمعية بشكل كامل في تقرير نشرته على موقعها.
ومن ضمن تلك المخالفات كانت مخالفة الصمت الانتخابي، خلال انتخابات الخارج، عبر رفع المناصرين صور المرشحين وترديد الأناشيد أمام مراكز الاقتراع، كما تبين وجود عوازل مكشوفة في بعض مراكز الاقتراع في الاغتراب، ولوحظ دخول بعض الأشخاص مع الناخبين بدون الحاجة لذلك، كما أن بعض الناخبين صوروا ورقة الاقتراع بكاميرا الهاتف، وهذه المخالفات تشكل خرقا واضحا لسرية الاقتراع.
وخلال عملية الفرز ظهرت عدة مخالفات، فمثلا، انقطعت الكهرباء أكثر من مرة، كما منع المراقبون من حضور عملية الفرز في بعض الأقسام.
"مهارات" تساهم في تعزيز حرية التعبير
في 3 مايو 2022، الذي يصادف اليوم العالمي لحرية الصحافة، أطلقت مؤسسة "مهارات" اللبنانية، منصة تحت اسم LEBANON FOE TRACKER، بهدف تتبع القوانين المتعلقة بحرية التعبير في لبنان.
وتسعى المنصة، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، إلى جمع كل القوانين اللبنانية الحالية التي تتعلق بحرية التعبير وحرية الإعلام بما فيها القوانين الجزائية التي تعيق حرية تداول المعلومات، كما تعمل على تحليل المواد القانونية المرتبطة بذلك وفق مطابقتها للمعايير الدولية التي التزم بها لبنان في مقدمة دستوره.
مسودة اقتراح قانون الإعلام
وفي 2 نوفمبر 2022، نشرت وزارة الإعلام اللبنانية على موقعها الإلكتروني مسودة اقتراح قانون الإعلام ومجموعة أسئلة مقترحة لمواكبة هذه المسودة، ودعت المواطنين وأصحاب الاختصاص إلى تقديم مقترحاتهم لتطوير هذه المسودة، في مهلة أقصاها 23 نوفمبر 2022.
وأفادت الوزارة بأنها سوف تأخذ تلك الاقتراحات والملاحظات بعين الاعتبار وستنكب على دراستها في سبيل الخروج بقانون إعلام عصري يتوافق مع المعايير الدولية لحرية الصحافة وحقوق الإنسان.
وكانت وزارة الإعلام قد نجحت في الحصول على تأييد عربي لجعل بيروت "عاصمة الإعلام العربي"، وقرر مجلس وزراء الإعلام العرب خلال دورته 51 تسمية بيروت عاصمة للإعلام العربي لعام 2023.
![اختيار بيروت عاصمة للإعلام العربي لعام 2023 اختيار بيروت عاصمة للإعلام العربي لعام 2023](https://jusoorpost.com/public/uploads/fileManager/2022/12/08/image_620826447827804.jpg)
نقابة المحررين ترفع الصوت
وفي 19 إبريل 2022، أطلقت نقابة محرري الصحافة اللبنانية، بالتعاون مع "الاتحاد الدولي للصحفيين"، الإعلان حول حرية الصحافة واستقلاليتها، بعنوان: "لبنان يحتاج لمن يحمي حرية الصحافة واستقلاليتها". وشمل هذا الإعلان عدة نقاط أبرزها ما شدد على ضرورة حماية الصحفيين وتعزيز حرية التعبير ووجوب العمل على تنمية مفهوم التنوع الإعلامي.
يأتي ذلك فيما قالت مؤسسة "مراسلون بلا حدود" إن لبنان تراجع 23 مرتبة دفعة واحدة في مؤشر حرية الصحافة، وحلّ في المرتبة 130 من أصل 180 دولة، ذلك ضمن تقريرها الذي صدر في 3 مايو 2022 بالتزامن مع اليوم العالمي لحرية الصحافة.
![](https://jusoorpost.com/public/uploads/fileManager/2022/12/08/image_52462229638900.jpg)
المثلية تقسم الشارع اللبناني
شغلت قضية المثليين الرأي العام اللبناني خلال سنة 2022، حيث أعلنت جمعية "حلم" عن تنظيم مسيرة للمثليين في بعض ضواحي بيروت خلال شهر يونيو، ما أثار غضب الشارع اللبناني، حيث جابت مظاهرة مناهضة للمثلية في بعض المناطق والتي كان أبرزها تحرك نظمته حركة تطلق على نفسها اسم "جنود الرب" في منطقة الأشرفية اعتراضا على دعوات جمعية "حلم".
وأمام المخاوف من حدوث مصادمات، أمر وزير الداخلية اللبناني بسام المولوي، في 24 يونيو 2022، بمنع أي نشاط للمثليين، ونتيجة لذلك، قررت "حلم" تأجيل تلك التحركات، وفي وقت لاحق وتحديدا في 2 سبتمبر، نظم عدد من المواطنين في مدينة طرابلس مظاهرة مناهضة للمثلية.
![](https://jusoorpost.com/public/uploads/fileManager/2022/12/08/image_623872709823866.jpg)
وفي 29 يونيو 2022، أصدرت الأمم المتحدة في لبنان بيان دعم لمجتمع الميم، أعربت فيه عن قلقها "إزاء تصاعد خطاب الكراهية وتزايد حالات التمييز والعنف تجاه أفراد مجتمع الميم والمنظمات التي تُعنى بهم في لبنان".
وأدان "تحالف الدفاع عن حرية التعبير في لبنان" في بيان له صدر في 4 يوليو منع السلطات اللبنانية تجمّعات سلمية للمثليين، ومزدوجي التوجه الجنسي، وعابري النوع الاجتماعي (مجتمع الميم).
وفي 22 نوفمبر، وجه الوزير مولوي كتابا إلى كل من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والمديرية العامة للأمن العام، لمنع إقامة مؤتمر للمثليين خلال الفترة من 23- 24 نوفمبر.
لينتهي عام 2022 بالعديد من الأحداث في لبنان، منها ما حقق تقدما على مستوى حرية الرأي والتعبير وغيرها من الحريات، ومنها ما يحتاج للمزيد من الجهد لتحقيقه.
الدولة تحارب الفساد
يسجل للدولة اللبنانية تحقيق عدد من الإنجازات في إطار تعزيز الحريات والشفافية، حيث تم إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في 24 يناير 2022. وتعنى هذه الهيئة باستقصاء جرائم الفساد ورصد وضع الفساد وكلفته وأسبابه وجهود مكافحته والوقاية منه، ونشر ثقافة مكافحة الفساد وإبداء الرأي بالقرارات المرتبطة، كما أنها تستلم الشكاوى المتعلقة بعدم تطبيق قانون الحق في الوصول إلى المعلومات والتحقيق فيها وإصدار قرارات بشأنها.
وتؤمن الهيئة الحماية لمن يكشفون قضايا الفساد، وتعمل تحفيزهم في هذا الإطار، حيث يحق لها أن تمنح كاشفي الفساد ما نسبته 5% من الأموال التي تستردها الدولة. كما وقع رئيس الجمهورية السابق ميشال عون قانون تعديل السرية المصرفية في 28 أكتوبر 2022، ويأتي هذا القانون في إطار الإصلاحات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي بهدف تمويل لبنان للخروج من أزمته الاقتصادية.
وسيسمح هذا القانون بتعبيد الطريق أمام مكافحة الفساد والتهرب الضريبي وتعزيز مبدأي المساءلة والمحاسبة تحت بند "من أين لك هذا؟"، كونه يعطي فرصة للاطلاع على حسابات المسؤولين في الدولة.
هذا وتم تعديل قانون حق الوصول إلى المعلومات خلال السنة، بحيث باتت عملية تقديم طلبات الوصول للمعلومات من قبل الصحفيين والمواطنين أكثر مرونة مقارنة مع ما قبل تلك التعديلات.