"العائلة الإبراهيمية" بالإمارات.. التعايش السلمي يواجه سهام النقد بـ"التطبيع"
"العائلة الإبراهيمية" بالإمارات.. التعايش السلمي يواجه سهام النقد بـ"التطبيع"
عاصفة من الجدل والانتقادات طالت مبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة للتعايش والسلام بين الأديان والمسماة "بيت العائلة الإبراهيمية"، لتحولها إلى هدف لسهام "التطبيع".
وفي مطلع فبراير 2019، أعلنت الإمارات عن إنشاء بيت العائلة الإبراهيمية، غداة توقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية" التي أطلقها شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب وبابا الفاتيكان فرانسيس.
ويضم "بيت العائلة الإبراهيمية"، كنيسة ومسجداً وكنيساً يهوديا في صرح واحد، ترجمة لوثيقة "الأخوة الإنسانية" التاريخية، والتي تدعو لنشر ثقافة التسامح وقبول الآخر واحترام حُرية الاعتقاد.
ومنذ قرابة 3 سنوات، وحالة الجدل لم تهدأ، والتي تباينت بين حالتي الرفض القاطع والتأييد المطلق، ليبدأ الصراع حول ماهية البيت الإبراهيمي يشتد.
ويعتبر البعض أن هذا المشروع هو باب خلفي لدخول إسرائيل إلى المنطقة العربية، لتضع قدمها في إحدى أهم دول الخليج العربي.
تصحيح مغالطات
ورد العديد من الكتاب والمفكرين على تلك المزاعم، إذ قال الخبير الاستراتيجي الإماراتي جمال سند السويدي، إن بيت العائلة الإبراهيمية "يعكس طبيعة دولة الإمارات التي تجنح إلى التسامح".
وأوضح السويدي في مقال نشر بصحيفة "الاتحاد"، أن "طبيعة دولة الإمارات تعلي من قيمة التسامح كعنصر مستقر وممتد في رؤيتها للحاضر والمستقبل، وهذا ما جعلها نموذجاً للتعايش في المنطقة والعالم".
وأضاف: "الإمارات دولة تحترم التعدد الديني والعرقي والمذهبي، وتجرّم التمييز والكراهية والعنصرية، ويعيش فيها أكثر من 200 جنسية في وئام وسلام، ويتمتعون جميعاً بالمساواة، وفرص العيش الكريم والحياة السعيدة، وتوجد 76 دار عبادة لغير المسلمين، تبرعت الإمارات بأراضٍ لإقامة بعضها".
وتابع: "بيت العائلة الإبراهيمية يشكل مجتمعاً مشتركاً تتعزز فيه ممارسات تبادل الحوار والأفكار بين أتباع الديانات السماوية الثلاث، ويعد ترجمة لوثيقة الأخوة الإنسانية، خاصةً بندها الذي يؤكد أن الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والتعايش بين الناس، من شأنه أن يسهم في احتواء كثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية".
وأكد سند أن "تلك الانتقادات السخيفة والاتهامات المكذوبة لن تنال من سمو الهدف ونبل القصد في إقامة بيت العائلة الإبراهيمية، بوصفه مساهمة خالصة لتحقيق السلام والوئام للعالم كله، ولن يضير الإمارات ما تواجهه من انتقادات بسببه".
وهذه الطبيعة التسامحية، أكدها مرارا الشيخ محمد بن زايد رئيس الدولة، بقوله: "إن الكون يتسع للجميع، والتنوُّع مصدر للثراء، وليس سبباً للصراع أو الاقتتال، لقد خلقنا الله متنوِّعين، لكي يُكمِّل بعضنا بعضاً، ونتعارف ونتعاون من أجل الخير والسلام والنماء لنا جميعاً".
وأضاف: "هذه هي الرسالة التي تريد دولة الإمارات أن توجِّهها إلى العالم كله من خلال إعلائها رايةَ التسامح، وعملها المستمر من أجل تنسيق الجهود والمبادرات والخطط التي تكرِّس التسامح بدلاً من الكراهية، والتعايش بدلاً من الصراع، والوسطية بدلاً من التعصب والغلوِّ، والانفتاح بدلاً من الانغلاق، والحوار بدلاً من الخلاف".
مزاعم كاذبة
وبمزاعم منافية للحقيقة، ادعى البعض أن هناك معتقدا جديدا يسمى بـ"الدين الإبراهيمي"، وتم إلصاقه بـ"بيت العائلة الإبراهيمية"، وهو ما فنده المستشار محمد عبدالسلام الأمين العام للجنة العليا للأخوة الإنسانية، قائلا: “يحاول أصحاب هذه الرِواية المغرضة والزائفة إلصاقها عنوة بمبادرة بيت العائلة الإبراهيمية والتي تدعو إلى الأخوة والعيش الإنساني المشترك”.
وأوضح عبدالسلام، في مقال نشره موقع "العربية": "قد استهدفت بعض مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، في العالم الغربي والعربي هذا المشروع النبيل بزعم خاطئ، مفاده أن المبادرة إنما هي محاولة لدمج جميع الديانات الإبراهيمية والترويج لـ(دين عالمي موحَّد)".
وأضاف: "حتى وصف البعض المشروع بأنه مشروع (كريسلام)، وهو مصطلح يجمع بين المسيحية والإسلام بطريقة تُهَوِّن من شأن الدِّيانتين، وهذا الزعم أبعَدُ ما يكون عن الحقيقة، حيث إن بيت العائلة الإبراهيمية رمزٌ لاحترام التنوع الديني وخصوصياته، وليس محاولة لإذابة الفوارق والاختلافات بين الأديان أو محو الهُوِيَّة المتفردة لكل دِين".
وتعكس مبادرة بيت العائلة الإبراهيمية، طبيعة المجتمع الإماراتي المتسامح بفضل فطرته السوية والمكتسب الإنساني المتراكم على صعيد التعايش السلمي والتواصل الحضاري.
إرادة وطنية خالصة
ويعتبر البعض أن المبادرة تأتي في سياق دولي تُعد الولايات المتحدة وهيئة الأمم المتحدة من أهم أطرافه، غير أن هذا القول ينطوي على تجاهل دور دولة الإمارات الريادي والمحوري منذ تأسيسها عام 1971 في إطلاق المبادرات الإنسانية التي تنطوي على قيم التعايش السلمي,
و"بيت العائلة الإبراهيمية" يأتي في سياق رؤية إماراتية مستدامة في التسامح والأخوة الإنسانية يستلهمها الآخرون ويقتدون بها ويحتشدون طواعيةً تحت مظلتها، بما فيها الدول الكبرى، وذلك لما في هذه الرؤية من خير للبشرية كافة وللعالم أجمع.
وجاء تصميم البيت الفريد الذي أبدعه المعماري العالمي الشهير، ديفيد أدجايي أوبي، مصمم المتحف الوطني للتاريخ والثقافة الأمريكية الإفريقية بالعاصمة واشنطن، ليعكس هذه الأهداف الإنسانية النبيلة، إذ تشبه مبانيه الثلاثة 3 أشجار مختلفة في بوتقةٍ واحدة، تصل جميعها إلى الضوء نفسه الذي يمنحها الحياة، وذلك لتذكير البشرية كافة بأن الديانات الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية، أصلها واحد، وهدفها الخير للبشرية.
وخصص لكل دور عبادة مبنى منفصل وحديقة خاصة، إضافة إلى متحف ثقافي سيكون متاحاً لجميع الزوار، ويعكس هذا التصميم حرص القيادة الإماراتية على احترام طبيعة وخصوصية كل دين، كما يتميز التصميم أيضا بعمارة هندسية بديعة ومتفردة تتكون من 3 مكعبات تستحضر ملامح العمارة التقليدية الخاصة بالديانات الثلاث.
وشارك في مراحل تصميم هذا البيت أعضاء من المجتمعات الدينية من جميع أنحاء العالم لضمان اتساقه مع تعاليم ومتطلبات كل دين، وضمان الحفاظ على خصوصيات الأديان الثلاثة وحرية الاعتقاد، كما يأتي إطلاق اسم الدكتور أحمد الطيب على المسجد، والبابا فرنسيس على الكنيسة، واسم موسى بن ميمون على الكنيس اليهودي، من باب العرفان والامتنان بأدوارهم ومواقفهم الداعمة للأخوة الإنسانية.
التفاهم والتعايش
ورغم تصاعد الانتقادات بشأن الأغراض من إطلاق ورعاية مبادرة "بيت العائلة الإبراهيمية"، والتي روج لها البعض بأن الإمارات تبني معبداً يهودياً، وأن إسرائيل تكشف متباهية عن وجود كنيس في دبي.
وأفادت وكالة بلومبرغ الأمريكية في تقرير بأن جالية يهودية وليدة بالإمارات أنشأت أول كنيس لها في مدينة دبي، حيث يضم المكان معبداً للصلاة ومطبخاً لإعداد الطعام وفق الشريعة اليهودية.
وأثارت الخطوة انتقادات واسعة بين النشطاء عبر منصات التواصل، فيما دافع عنها فريق آخر بقوله، إن الهدف من المشروع هو "التركيز على المشترك بين الديانات والتغاضي عما يمكن أن يسبب نزاعات وقتالاً بين الشعوب".