وسط أزمات متتالية.. اللبنانيون يسألون: بأي حال عدت يا رمضان؟

وسط أزمات متتالية.. اللبنانيون يسألون: بأي حال عدت يا رمضان؟

- مواطن لبناني: أجري وأجر زوجتي لا يكفيان لتغطية تكاليف الشهر 

- تجار: ارتفاع الأسعار مرتبط بسعر الصرف الدولار

- محلل اقتصادي: غلاء الأسعار يزيد من معاناة اللبنانيين خاصة في رمضان

- مدير عام وزارة الاقتصاد: لبنان يستورد 86% من طعامه.. والدولة تحارب جشع التجار

- مسؤولة في بنك الطعام اللبناني: غياب التمويل انعكس سلباً على برامج دعم المحتاجين
 

لبنان- بلال نور الدين

في الوقت الذي يعاني الشعب اللبناني أزمة اقتصادية حادة، دخل شهر رمضان بتحديات إضافية، ففي ظل ضعف الرواتب وتضخم الأسعار بات اللبنانيون يكافحون لتغطية نفقاتهم، ويتجلى ذلك في ارتفاع تكلفة وجبة الإفطار وغياب الكثير من الأطعمة عن طاولة الطعام، على عكس ما اعتاد الصائمون في السنوات التي مضت. 

 "جسور بوست" تجولت في بعض الأسواق الشعبية بالعاصمة بيروت والتقت بعض المواطنين والتجار لاستطلاع رأيهم حول حياتهم خلال الشهر الفضيل. 

تقول السيدة سميرة: “لا نعرف كيف سيمر علينا رمضان هذه السنة، فكل البضائع ارتفع سعرها بشكل جنوني، بينما لا يكاد راتب زوجي التقاعدي يغطي أبسط احتياجاتنا”.

وتتابع بالكثير من الحسرة: “اعتدنا في السنوات الماضية أن نجتمع مع العائلة والأحبة ولكن هذه السنة لن نختبر هذه اللحظات مع الأسف، فاليوم يجب أن نقلص كميات الطعام ونتخلى عن العزائم”.

أما جمال فيتحدث بقلق عن وضع أسرته الصعب: “أجري وأجر زوجتي لا يكفيان لتغطية تكاليف الشهر الفضيل، أنا قلق من عدم القدرة على شراء ما يريده أطفالي، إنه لأمر مفجع أن نراهم يذهبون إلى الفراش جائعين أو يفوتون الحلويات الرمضانية التقليدية”. 

ويضيف محملا الحكومة مسؤولية تدهور الوضع: “لا يبدو أن الحكومة تتخذ أي خطوات جادة لمساعدتنا، نشعر أننا وحدنا، ونكافح من أجل تغطية نفقاتنا في هذه الأزمة الاقتصادية”.

وفي حين يبدو وضع ريما أفضل بقليل مقارنة مع غيرها من اللبنانيين، تقول ريما: "أحمد الله كل يوم أن زوجي قادر على تحويل الأموال إلينا، بدون دعمه، لا أعرف كيف سنبقى على قيد الحياة في رمضان، لقد أثرت الأزمة الاقتصادية علينا بشدة، وتكلفة كل شيء ترتفع كل يوم”، حال زوج ريما هو حال الكثير من اللبنانيين الذين هاجروا مع بداية الأزمة الاقتصادية بهدف تأمين لقمة العيش.

وعلى الضفة الثانية يقف أصحاب المحلات التجارية الذين يُتهمون باحتكار البضائع ورفع أسعارها، فسعيد، وهو صاحب محل خضار، يربط ارتفاع الأسعار بتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية وغياب رقابة وزارة الاقتصاد، لا يُخفي سعيد خوفه من ارتفاع الأسعار بشدة خلال رمضان فيقول: "قلبي ينفطر كل يوم عندما أرى معاناة زبائني، وللأسف أظن أن الأسعار سترتفع مع الأيام”.

ويضيف: “للأسف الزبائن يشترون فقط ما يمكنهم تحمله، يكفي فقط لإعداد وجبة صغيرة. إنهم يتخلصون من الفواكه والخضراوات باهظة الثمن لأنهم ببساطة لا يستطيعون تحمل تكاليفها، إنه وقت صعب بالنسبة لنا جميعًا”.

يذكر أن تكلفة طبق الفتوش خلال رمضان 2023 بلغت 175 ألف ليرة بارتفاع 4000% على رمضان 2020. 

وفي السياق نفسه يقول أحد أصحاب السوبر ماركت: "لسنا مسؤولين عن ارتفاع أسعار البضائع خلال شهر رمضان، فصحيح تحديد الأسعار بالدولار كان خطوة جيدة من قبل الحكومة اللبنانية، ولكن للأسف قد لا يكون ذلك كافياً لمنع ارتفاع الأسعار خلال هذا الشهر”.

ويتابع: "ومع ذلك، سنبذل قصارى جهدنا لتقديم بعض العروض خلال شهر رمضان لمساعدة عملائنا، وسنحاول أيضًا البحث عن منتجات أرخص ذات جودة عالية لخدمتهم".

وأعلن وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام، مع بداية مارس الجاري عن تسعير البضائع في المراكز التجارية بالدولار الأمريكي بدلا من الليرة، مبررا ذلك بحماية المستهلكين من التلاعب بالأسعار، ورفعت الدولة اللبنانية الدولار الجمركي إلى 45 ألف ليرة مع بداية الشهر نفسه ما انعكس زيادة على ارتفاع أسعار عدد من السلع.

النمط الاستهلاكي تأثر سلباً

وكشف الصحفي الاقتصادي عماد شدياق في حديث لـ "جسور بوست"، أن “الأزمة الاقتصادية سوف تؤثر على نمط الاستهلاك لدى الشعب اللبناني، فالأرقام توضح أن استهلاك اللحمة انخفض 50% من بداية الأزمة لليوم، فقد كان استهلاكنا يعتمد على اللحوم، وبالتالي فلتتخيّل أن الاستهلاك انخفض 50% في رمضان، هذا رقم كبير جداً، الناس ستتأثر، فالمائدة الرمضانية سيغيب عنها الكثير من المكونات بسبب الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار التي تزيد معاناة اللبنانيين”.

عماد شدياق

عماد شدياق

وردا على سؤال حول أسباب ارتفاع الأسعار، يقول شدياق إن “الذي يفاقم الأسعار في لبنان هو الفوضى وغياب الرقابة من قبل مديرية حماية المستهلك بشكل كلي”. 

ويضيف أن “اللعب بين التسعير باللبناني والدولار هو بحد ذاته مشكلة؛ إذ تختلف الأسعار من محل تجاري إلى محل آخر تقريباً 50 ألف ليرة وهذه الأرقام ليست قليلة.. ونحن ليس لدينا جهاز في الدولة قادر على ضبط أو أن يحدد سعر السلعة”.

وحول الحلول الممكنة يقول: “من المفروض أن يكون هناك تطبيق يحدد رأسمال كل سلعة والمحلات التجارية تزيد الأسعار بإرادتها، وهكذا الناس تصبح لديها مرجعية إذا رأت سلعة تستطيع أن ترى الرأسمال الأساسي للسلعة وكم أضاف التاجر من ربح”.

وبخصوص عوامل صمود الشعب اللبناني في ظل الأزمة يقول شدياق إنه “لولا التحويلات الخارجية ولولا العمل أونلاين والمنظمات الدولية الموجودة، لكان الاقتصاد اللبناني متعباً.. فنحن لدينا بحدود 7 مليارات دولار تأتي على شكل تحويلات من الخارج بين مصارف وشركات تحويل الأموال، والاقتصاد ما زال صامدا بسببها، كما أن أغلب الناس أصبحوا يعملون صرافين، حتى موظفو الدولة يعملون في وظيفة ثانية”. 

 ويضيف: “هناك الكثير من الدولارات التي تدخل من خلال العملة الرقمية، كما أن المغتربين الذين يأتون في المناسبات إلى لبنان يملكون الدولار ويصرفونه في الإجازة، كما يعطون الأموال لعوائلهم في الوطن”.

وحول نسبة الفقر في لبنان، يقول شدياق إنه “بحسب آخر الإحصاءات والتقديرات عن نسبة الفقر في لبنان، فالبنك الدولي والأمم المتحدة يقولان إن نسبة الفقر أصبحت بحدود الـ80 بالمئة”، ولكن شدياق يشكك بهذه الأرقام ويعتبرها مغلوطة وغير صحيحة، إذ يعتقد أن “نسبة الفقر أقل من 80% بل قد تكون بحدود الـ50 أو الـ40 بالمئة، فالبنك الدولي والأمم المتحدة وحتى الدولة اللبنانية تعتمد على الأرقام الرسمية الموجودة عن إدارات الدولة، ولكن نحن نعلم أن هناك تهربا ضريبيا وهناك ما يسمى باقتصاد الكاش الذي هو تقريباً بين الـ50 والـ60 بالمئة مخفي والدولة لا تعلم به”.

ويضيف: “لذلك؛ فأرقام الدولة أن نسبة الفقر 80% كلام غير صحيح وغير دقيق، كلنا نرى المطاعم كيف هي كل يوم ممتلئة”.

ويلقي شدياق اللوم على مصرف لبنان بسبب تدهور سعر صرف الليرة فيكشف أن “مصرف لبنان  يتدخل لجمع الدولارات لدفع رواتب القطاع العام وهكذا يرتفع الدولار، فنحن لولا تدخل مصرف لبنان لكان الشعب اللبناني بألف خير، فعلى الأقل لن يعاني كالمعاناة التي يعيشها اليوم، ولكان بقي الدولار بحدود 50 أو 40 ألفاً وليس 100 أو فوق الـ100، فهناك دولارات تدخل إلى البلد، ومن يقل لك ليس هناك دولار مخطئ، هناك الكثير من الدولارات ولكن مشكلتنا أن الدولة لا تملك الدولار”.

الدولة تعمل قدر الممكن 

مدير عام وزارة الاقتصاد محمد أبوحيدر كشف في حديث لـ"جسور بوست"، أن لبنان يستورد 86% من طعامه، وبالتالي أي ارتفاع في سعر صرف الدولار يؤدي إلى انخفاض في القدرة الشرائية عند المواطن نتيجة ارتفاعها في السوق مقارنةً بالعملة المحلية.

محمد أبوحيدر

محمد أبوحيدر

وحول الخطوات التي تتخذها الدولة لضبط التلاعب بالأسعار يقول أبو حيدر: “مراقبو حماية المستهلك يتابعون جولاتهم في كل الأراضي اللبنانية وينظمون محاضر ضبط للمخالفين وتتم إحالتهم للقضاء المختص، على أمل أن تكون العقوبات رادعة أكثر وتكبح جشع بعض التجار”. 

ويضيف: “نعم في الفترات الأخيرة كان هناك اختلاف في الأسعار، ولكن ليس بالمقدار الذي كان موجودا من قبل، فنحن باعتماد الدولار للتسعير، وبالتالي أي مخالفة تحصل يكتب بها محضر وتحال إلى القانون”.

ويكشف أبو حيدر أن لبنان استورد خلال سنة 2022 ما يقارب 19 مليار دولار من احتياجاته.

يذكر أن عدد مراقبي وزارة الاقتصاد لا يتجاوز المئة، ما يصعب مهمة مراقبة كل المحال التجارية على امتداد الأراضي اللبنانية. 

الجمعيات تساند المحتاجين

أدت نسبة الفقر المرتفعة إلى زيادة نشاط الجمعيات الإنسانية وخاصة تلك التي تُعنى بتوفير الغذاء، وفي هذا الإطار تقول المديرة التنفيذية في بنك الطعام اللبناني، سهى زعيتر، إن “بنك الطعام اللبناني وبالتعاون مع ١٤٥ جمعية بكل المناطق اللبنانية، تمكّن من الوصول إلى أكبر عدد ممكن من اللبنانيين في كل لبنان”.

وأضافت أن "البنك يعمل على مدار السنة على توزيع أطباق ساخنة لأن الطلب أصبح عالياً جداً عليها بسبب ارتفاع سعر قارورة الغاز والكهرباء، كما أن الحصول على هذه الأطباق يخفف عنهم الكثير من الحمل".

وحول البرامج التي أطلقها البنك استجابة للأزمة تجيب زعيتر: “البرامج التي نعمل عليها ليست جديدة، بل بدأنا بها منذ فترة كورونا بسبب جائحة كورونا حيث أغلقت الكثير من المحلات، فقد كنا نوزع حصصاً غذائية ونتعاون أيضاً مع مطابخ اجتماعية لنتمكن من مساعدة الأفراد”. 

وتتابع "وجدنا أن هذا المشروع كان ناجحاً وفعالاً جداً، واستكملنا العمل عليه منذ 2019 حتى اليوم، فهناك تعاون مع مطابخ اجتماعية تابعة لجمعيات خيرية ويتم دعم السيدات بطريقة أن يكنّ هنّ من يقمنّ بتحضير الطعام وتدريبهن للسلامة الغذائية لجودة الطعام، وكيف يحفظن الطعام، وهكذا نكون قد ساعدنا هذه السيدة على أن تكون فعالة في المجتمع وساعدنا عائلتها، ومن جهة أخرى نكون ساعدنا أفرادا ليحصلوا على وجبات ساخنة وطعام جيد ولذيذ".
 

سهى زعيتر

سهى زعيتر

وتكشف زعيتر أن “البنك سيقدم إفطارات رمضانية بالتعاون مع عدة مطابخ اجتماعية في عكار، وطرابلس، وبيروت، وعرمون، وصيدا، وجب جنين، وبعلبك، لتوفير إفطارات رمضانية تقريباً 40 ألف وجبة إفطار يوميا”، مضيفة: “سنوزع نحو 4750 حصة غذائية على الناس خلال رمضان”.

وحول تأثير الأزمة الاقتصادية على تلقي الجمعيات الدعم المالي، تكشف زعيتر أن "الأزمة أثرت بشكل كبير على المساعدات بالمجمل، فكل شيء أصبح بالدولار، والمواطنون الذين كانوا يتبرعون داخل لبنان أموالهم محجوزة في البنوك، والأفراد الذين كانوا يتبرعون من خارج لبنان أصبحوا يفضلون إرسال الأموال إلى عائلاتهم في لبنان، لأن عائلاتهم أيضاً أموالهم محجوزة في البنوك". 

وتتابع كاشفة انعكاس غياب التمويل على برامج دعم المحتاجين "لقد حاولنا قدر المستطاع ألَّا نغير عدد المستفيدين، ولكن بالطبع السنة السابقة كانت أكثر، كان هناك متبرعون أكثر ولكن هذا العام صندوق الغذاء اللبناني يسحب المال من الرصيد ليتمكن من المحافظة على العدد الكافي”.


 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية