العلاقات المغربية- الجزائرية.. توتر رسمي يُفرِّق وتلاحم شعبي يُقرِّب
العلاقات المغربية- الجزائرية.. توتر رسمي يُفرِّق وتلاحم شعبي يُقرِّب
-دعم الجزائر لجبهة "البوليساريو" الانفصالية واحتضانها فوق أراضيها أساس الخلاف بين البلدين
-الجزائر أغلقت الحدود البرية مع المغرب عام 1994 وأغلقت الأجواء في وجه طائراته في 2021
- باحث جزائري في التراث الصوفي والعيش المشترك والتنمية: المغرب والجزائر شعب واحد في بلدين
-مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية: القيادة الجزائرية ترفض الاستجابة للأيادي المغربية الممدودة
-خبير في العلاقات المغربية-الجزائرية: أول مكسب من الصلح هو تقليص ميزانيات الجيشين وضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد
-محلل سياسي جزائري: الصلح سينعكس على منطقة المغرب العربي وسينتج عنه ازدهار اقتصادي
المغرب- سامي جولال
سنة تلو الأخرى تزداد حدة التوتر بين المغرب والجزائر، البلدين الجارين، اللذين تجمع بين شعبيهما العديد من الروابط والتاريخ المشترك، وتفرقهما الخلافات السياسية المستمرة منذ عقود، لكن تبرز من حين إلى آخر بعض الوقائع والأحداث، التي تظهر أن تدهور العلاقات الرسمية لم ينل من مشاعر الأخوة والمحبة بين الشعبين الشقيقين، وتتيح لهما الفرصة للتعبير عن تلك المشاعر، ولو على مواقع التواصل الاجتماعي، والتحسر على الوضع الحالي.
آخر تلك الأحداث كانت التقاط لاعبي المنتخبين المغربي والجزائري للناشئين صورة وهم متعانقون، قبيل بداية المباراة، التي جمعت بين المنتخبين في ربع نهائي كأس إفريقيا للأمم لأقل من 17 سنة، الذي احتضنته الجزائر ما بين 29 إبريل و19 مايو، وانتهت بفوز المنتخب المغربي على نظيره الجزائري بثلاثة أهداف مقابل لا شيء، وحصدت صورة المنتخبين تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبرت تعبيراً عن المصير الموحد للشعبين، وعن العلاقة الحقيقية التي تجمع بينهما، والقائمة على مشاعر الحب والتقدير، رغم الخلافات والصراعات على المستوى الرسمي.
بدايات الخلاف
بعد استقلال المغرب في عام 1956، بعد 44 سنة قضاها تحت نظام الحماية الفرنسية، ثم استقلال الجزائر في عام 1962، بعد 132 سنة من الاستعمار الفرنسي، دخل البلدان في أكتوبر عام 1963 في حرب عسكرية أطلق عليها اسم “حرب الرمال” التي نشبت بعدما طالب المغرب الجزائر بإرجاع منطقتي بشار وتندوف، باعتبارهما جزءاً من أراضيه ضمهما الاستعمار الفرنسي إلى التراب الجزائري، وهو الأمر الذي رفضته الجزائر. وانتهت الحرب بين البلدين في 5 نوفمبر عام 1963، ووقعا اتفاقاً لوقف إطلاق النار في 20 فبراير عام 1964.
وتدهورت العلاقات بشكل كبير بين البلدين، بعدما دعمت الجزائر جبهة "البوليساريو" الانفصالية، التي أَسست في عام 1975 جمهورية وهمية أطلقت عليها اسم "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، واتخذت من تندوف بالجزائر مقراً لها، وبدأت تطالب بانفصال منطقة الصحراء المغربية.
وتدعو "البوليساريو" إلى استفتاء يقرر من خلاله سكان الصحراء المغربية البقاء تحت السيادة المغربية، أو الانفصال عنها، بينما يرفض المغرب ذلك، ويعتبر المنطقة جزءاً لا يتجزأ من أراضيه، وكانت تابعة له قبل أن تستعمرها إسبانيا عام 1884، ويقترح منذ عام 2007 مقترح الحكم الذاتي لحل هذه الأزمة.
وفي عام 1994، قررت الجزائر إغلاق حدودها البرية مع المغرب، بعدما اتُهمت مخابراتها بالوقوف وراء تفجير فندق أطلس أسني في مراكش في السنة نفسها، وفرض الرباط تأشيرة دخول على الجزائريين.
تاريخ ونضال مشتركَان
تحدث الخبير المغربي في العلاقات المغربية الجزائرية، أحمد نور الدين، لـ"جسور بوست"، عن مجموعة من الروابط، التي تجمع بين البلدين وشعبيهما، من بينها "اللغة الأمازيغية قبل الإسلام، والأمازيغية والعربية بعد الإسلام، ونفس اللهجة، إذ بإمكانك أن تنتقل من المغرب إلى الجزائر دون أن تحس بتغير اللهجة نهائياً، والدين من خلال المذهب المالكي، والطائفة السنية، وقراءة ورش، وكذلك النسيج القبلي الاجتماعي"، موضحاً أنه “قبل الإسلام كانت تمتد في المنطقة المغاربية بصفة عامة، وفي المغرب والجزائر بصفة خاصة، قبائل كبرى وقبائل أمازيغية، منها قبائل صنهاجة، وزناتة، ولمثونة، ومغراوة، وبعد الفتوحات الإسلامية قبائل بني معقل، التي انتشرت في هذه المناطق مع توافد القبائل العربية مع الفتح الإسلامي، وكانت أجزاء منها تنتشر في الجزائر، وأجزاء أخرى في المغرب، وذلك يتجسد اليوم -بحسب نور الدين- حتى في الأسماء العائلية المنتشرة في هذه المنطقة، مثل الزياني، والإدريسي، والصنهاجي، والكثير من الأسماء العائلية، التي لا يمكن حصرها”.
وأضاف نور الدين، في حديثه مع "جسور بوست"، أنه "بعد استقلال المغرب سنة 1956، وحتى قبل استقلاله، انخرط العديد من رجال المقاومة المغربية مع جيش التحرير الجزائري، وأعطوا أرواحهم ودماءهم لثورة التحرير الجزائرية، وأنه خلال حرب التحرير الجزائرية كان جزء كبير من قيادات الثورة الجزائرية في المغرب، خاصة القيادات التي تولت القيادة في ما بعد في الجزائر، ذَكر منهم الهواري بومدين، ثاني رئيس للجزائر بعد الاستقلال، الذي عاش فترة طويلة جداً في المغرب، وأنه كان هناك دعم رسمي مباشر من طرف الملك محمد الخامس، وبعده الملك الحسن الثاني، في الفترة ما بين 1956 (تاريخ استقلال المغرب) و1962 (تاريخ استقلال الجزائر)، وأن أحمد بن بلة، أول رئيس للجمهورية الجزائرية المستقلة، اعترف في برنامج شهير في إحدى القنوات العربية الكبرى بفضل دعم الدولة المغربية جيش التحرير الجزائري والثورة الجزائرية، وأعطى تفاصيل مفادها أن الأسلحة كانت تصل إلى الدار البيضاء باسم الجيش المغربي، الذي كان ينقلها إلى الحدود المغربية الجزائرية، للدخول إلى التراب الجزائري، الذي كانت تحتله آنذاك فرنسا، من أجل دعم جيش التحرير الجزائري، وأن الحسين آيت أحمد، أحد الزعماء الخمسة لثورة التحرير الجزائرية، أكد أن السفن التي كانت تحمل السلاح للثورة الجزائرية، كانت تضع أسلحتها في الشواطئ المغربية، خاصة في مدينة الناظور أو السعيدية، ويتم نقلها في ما بعد، عن طريق المغاربة والجزائريين، نحو الداخل الجزائري، لدعم جيش التحرير الجزائري".
وأبرز نور الدين أن "النساء المغربيات كن يتبرعن بحليهن لثورة التحرير الجزائرية، وأن هناك وثائق معروضة لحد الآن تخص الوصولات، التي كان يتلقاها المواطنون المغاربة مقابل تبرعاتهم لجيش التحرير الجزائري، وأن تأسيس أول جهاز للمخابرات الجزائرية، التي كانت مخابرات جيش التحرير الجزائري، وأصبحت في ما بعد المخابرات العسكرية الجزائرية، كان في مدينة الناظور في المغرب (الشمال الشرقي)، وأن أول إذاعة لجبهة التحرير الجزائرية أعطيت انطلاقتها من المدينة نفسها".
وقدَّم نور الدين لائحة طويلة من الروابط والمشتركات، التي تجمع بين البلدين والشعبين، وأوضح أن "هذا التلاحم لا يمكن، بأي حال من الأحوال، حصره في تصريح، أو كتاب، وأن موسوعةً هي التي يمكن أن تجمع شتات هذا الدعم والكفاح المشترك بين الشعبين".
وقال نور الدين إن "كل شيء يجمع المغرب والجزائر، ولا شيء يفرقهما غير المشروع الانفصالي في جنوب المغرب، الذي تتبناه الجزائر، وأن هذا هو المسمار الذي يعكر صفو هذه العلاقات، وهو السرطان الذي أصاب جسد الاتحاد المغاربي، وأصاب بالخصوص جسدي المغرب والجزائر".
وقررت الجزائر في 24 أغسطس 2021 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، وسحب سفيرها في الرباط، قبل أن تقرر في 22 سبتمبر 2021 إغلاق مجالها الجوي في وجه كل الطائرات المدنية، والعسكرية، المغربية، وأيضاً تلك التي تحمل رقم تسجيل مغربياً.
ما يجمع أكثر مما يفرق
من جانبه، قال المحلل السياسي الجزائري، إسماعيل معراف، إن "ما حدث خلال مباراة لكرة القدم بين شبان الفريقين المغربي والجزائري، وحالة من العناق، والود، والحب، بين هؤلاء الشباب، الذين يمثلون مستقبل منطقة المغرب العربي، وأيضاً مستقبل العلاقات بين البلدين، يعتبر حادثة رائعة جداً، تحفر في تاريخ العلاقات بين البلدين، لأن ما يجمع الشعبين المغربي والجزائري شيء قوي جداً أكثر مما يفرقهما"، موضحاً أنه يجمعهما "تاريخ مشترك، ومصاهرة، وجغرافيا، ومستقبل واحد، وأن مشكلات الجزائر والمغرب هي مشكلات واحدة".
وأضاف معراف، لـ"جسور بوست"، أنه "قبل عام 1989، تجاوز الرئيس الجزائري الأسبق، الشاذلي بن جديد، والملك الحسن الثاني، الكثير من الخلافات، والتقيا (4 مايو 1987) في منطقة جوج بغال في الحدود الجزائرية المغربية، بوساطة العاهل السعودي، الملك فهد بن عبدالعزيز، واستطاعا أن يضعا الكثير من الخلافات جانباً، وسارا نحو علاقات ودية، سمحت بلقاء زرالدة (يونيو 1988)، ثم لقاء مراكش (17 فبراير 1989، وشهد إعلان ميلاد اتحاد المغرب العربي)، وبدا للشعوب أن التقارب ممكن، وفتحت الحدود، وبدأت الجماهير في البلدين تتوافد، وشعرنا في تلك اللحظة بأن هناك شيئاً يسير في اتجاه إيجابي، لكن للأسف هذه الأمور كلها تبخرت الآن".
ما الذي يعيق الصلح؟
بيَّن الخبير المغربي في العلاقات المغربية الجزائرية، أحمد نور الدين، أنه "على الأقل منذ عام 2018 هناك خطابان ملكيان وتصريح لجلالة الملك، أحدها في ذكرى المسيرة الخضراء، وآخر في عيد العرش، يمد فيها يد المصالحة للجزائر، ويدعوها إلى تجاوز الخلافات، بل يعطي مخرجاً للقيادة الجزائرية، حينما خاطبها بأن المشكل الواقع الآن في الصحراء لم تكن وراءه القيادة الحالية لا في المغرب ولا في الجزائر، وبالتالي علينا أن نتجاوزه، ولسنا مجبرين على تحمل تبعات مشكل موروث عن قيادات سابقة تعود إلى عام 1975 في البلدين".
وأبرز نور الدين أن "المغرب مد يده للصلح من أعلى قمة الحكم، واقترح لجنة لتدارس كل الملفات دون طابوهات، ودون تحديد أجندة معينة، وترك الباب مفتوحاً للجزائر لتختار مستوى هذه اللجنة، على مستوى الرئيس والملك، أو على مستوى رئيسي الحكومتين، أو وزيري الخارجية، أو لجان وزارية مشتركة، ولم يحدد أي سقف، بل وقال بدون طابوهات، ما يعني -وفق نور الدين- إمكانية طرح كل الإشكالات على الطاولة، لكن في المقابل رفضت الجزائر هذا الطرح الملكي، وهذه اليد الممدودة لعدة سنوات، والتي تكررت في عدة خطابات، وصرحت سواء عن طريق الرئيس الجزائري الحالي عبدالمجيد تبون، أو عن طريق بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، بأنها ترفض أية وساطة عربية وغير عربية بين المغرب والجزائر"، وهو ما اعتبره نور الدين "فضائح الدبلوماسية".
وبيّن أن "الجزائر التي كانت تزعم وقت سعيها إلى احتضان القمة العربية أنها قمة المصالحة، وترفع شعار المصالحة والمساعي الحميدة بين سوريا وبين بقية دول الخليج، لرأب الصدع، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، أصدر وزير خارجيتها بياناً يقول فيه إن الجزائر ترفض أية وساطة مع المغرب، وأن الرئيس الجزائري عبر عن الأمر نفسه وقال في حوار صحفي آخر إن الأمور بين البلدين قد وصلت إلى نقطة اللاعودة".
وأردف نور الدين أنه "واضح إذاً الطرف الذي يدعو إلى المصالحة، وإلى فتح الحدود، وإلى إعادة الأمور إلى نصابها، وإلى تقوية هذا الجسد المغاربي، عن طريق الصلح بين البلدين، وواضح الطرف الآخر الذي يرفض من أعلى قمة في السلطة في الجزائر، وهو الرئيس، بالإضافة إلى وزير خارجيته، أية مبادرة للصلح، عربية أو غير عربية، ورفض حتى إدراج المشكل المغربي الجزائري في جدول أعمال القمة العربية، بل وصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية في 24 أغسطس 2021، وقطع بعد ذلك الأجواء على الطيران المدني المغربي، وأن الطائرات المغربية التي تمر من المغرب نحو تونس، أو نحو المشرق العربي، عليها أن تقوم باللف حول البحر الأبيض المتوسط، لكي تتفادى الأجواء الجزائرية، لتصبح المغرب والجزائر المنطقة الوحيدة في العالم المقطوعة فيها الأجواء بين بلدين جارين، وأنه حتى بين الكوريتين الجنوبية والشمالية الحدود البرية مقطوعة، لكن الأجواء غير مقطوعة".
وأفاد نور الدين بأنه "أثناء الأزمة، التي عاشتها الجزائر في صيف 2021، بسبب اشتعال الحرائق في شمال الجزائر، خاصة في منطقة القبائل في تيزي وزو، اقترح المغرب على الجزائر تقديم طائرات الكنادير، للمساهمة في إخماد الحرائق، لكن الجزائر رفضت العرض المغربي، بينما توجهت بطلب لفرنسا لإعطائها طائرات لإخماد الحرائق، وقدمت لها فرنسا طائرتين، وأن الأدهى من ذلك، والذي أثار سخرية على وسائل الإعلام الدولية المرموقة، أن الجزائر اتهمت المغرب بإشعال الحرائق في تيزي وزو، التي تبعد بـ600 كيلومتر عن الحدود المغربية، بينما من المعروف في ذلك الوقت وفي ذلك الصيف أن ارتفاع الحرارة، والاحتباس الحراري، والتغيرات المناخية، تسببت في الكوارث في الغابات، ليس فقط في الجزائر، وإنما في الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، في إسبانيا، وإيطاليا، وتركيا، وقبرص، وغيرها، والجزائر الوحيدة التي اتهمت دولة مجاورة بإشعال هذه الحرائق، رغم أن الحرائق اشتعلت في منطقة تبعد بـ600 كيلومتر عن الحدود المغربية الجزائرية".
في هذا الجانب، قال المحلل السياسي الجزائري، إسماعيل معراف، إن "التصور الموجود الآن هو أن هناك رفضاً من طرف نظم الحكم في البلدين لفتح هذا الملف الخلافي، وإفساح المجال للاتفاق حول الكثير من النقاط، والكثير من العوامل، التي تجمع بين البلدين أكثر مما تفرق"، موضحاً أن "هناك عوامل خارجية تلعب دوراً كبيراً في هذا المجال، ودولاً تلعب دور معرقِلٍ، وأن بعض الوساطات العربية للأسف لا تريد نجاح العلاقات الودية بين البلدين، ربما لمصالح خاصة تتعلق بهذه الدول داخل المنطقة".
وأبرز معراف أنه "حتى الآن ما زال الوضع تقريباً ميؤوساً منه، وأنه ربما هناك طرف جزائري مصر على عدم فتح العلاقات والحدود، لأنه ما زال يعتقد بأن من قام بإغلاق الحدود هو النظام المغربي بعد حادثة فندق مراكش سنة 1994، وأن الجزائر تعتبر إغلاقها للحدود رد فعل، وأن المغرب يعتبر أن الجزائر تتدخل في شأنه الداخلي، من خلال مساندة جبهة البوليساريو، وأن الاتهامات متبادلة بين الطرفين".
وتابع معراف لـ"جسور بوست" قائلاً: "أعتقد أنه لا بد أن تكون هناك وساطات بين البلدين، لكي تدلل الصعاب، وتبحث في المشكلات المطروحة، وأعتقد أنه نستطيع أن نفتح هذا المجال، ونسوي الأوضاع بشكل عادي وطبيعي، ويمكن أن تعود العلاقات بين البلدين إلى أحسن مما كانت، لأن في النهاية هناك شعبان متضررين من هذا الانقطاع عن العلاقات، وأيضاً أعداءً في الخارج".
من جهته، قال مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، المغربي عبدالفتاح الفاتحي، إنه "يعتقد أن كل الإمكانيات لحل سياسي ودبلوماسي ممكنة بين المغرب والجزائر، بالنظر إلى الأيادي الممدودة، التي يبعث بها المغرب في كل حدث سياسي، أو في كل ذكرى، أو في كل لحظة، وأن هناك إمكانيات كبيرة جداً، سواء جغرافية، أو ثقافية، أو تاريخية، إلى جانب التحديات المستقبلية، خاصة أن المنطقة تعيش على وقع تهديدات إرهابية، وتهديدات تستهدف الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو ما يفرض على البلدين أن يكون هناك تعاون مستدام، وأن تكون العلاقات ودية".
وأردف الفاتحي، لـ"جسور بوست"، أن "الجزائر للأسف الشديد اتخذت بعض المواقف، التي تم من خلالها إغلاق الحدود، وقطع العلاقات الدبلوماسية، وكذلك الاقتصادية، والتنموية، وأن هذا يضر بمصلحة البلدين، على الرغم من أن هناك رغبة شعبية تجسدت في كثير من المحطات، منها الثقافية والكروية، على الصعيد العالمي أو القاري، وحالة من الارتياح الشعبي ما بين المغاربة والجزائريين، لكن القيادة الجزائرية ترفض لحد اللحظة أية وساطة، وأية استجابة للأيادي المغربية الممدودة، التي أعلن عنها الملك محمد السادس في أكثر من خطاب ملكي".
وأضاف الفاتحي أن "الحوار السلمي والتفاوضي يبقى هو الأنجع والأسلم لتعزيز الروابط بين البلدين، وأن المغرب يراهن دائماً على المستقبل، وأن الواقع الجغرافي لا يجعلنا نتباعد إلى ما لا نهاية، ولذلك فإن المغرب يؤمن بأن هذا الخصام هو لحظي مؤقت، سرعان ما يتبدد بمتطلبات وبتحديات كثيرة، منها الحاجة إلى تنمية اقتصادية، من أجل الرفع من نسبة النمو الداخلي والخام ما بين البلدين، بالنظر إلى العلاقة التكاملية والاقتصادية على مستوى الموارد، والكفاءات البشرية، ونوعية السياسات العمومية، والمشاريع المقتَرحة من قِبل المغرب والجزائر على شركائهما الأفارقة".
لماذا لا تتفاعل الجزائر مع دعوات المغرب؟
تعليقاً على عدم تفاعل النظام الجزائري بشكل إيجابي مع دعوة الملك محمد السادس القيادة الجزائرية إلى الصلح في خطابين ملكين، الأول في 6 نوفمبر 2018 بمناسبة الذكرى الـ43 لذكرى المسيرة الخضراء (مسيرة سلمية استرجعت عبرها المملكة المغربية أقاليمها الجنوبية من إسبانيا بعد 91 سنة من الاحتلال)، والثاني في 30 يوليو 2021 بمناسبة الذكرى الـ22 لعيد العرش، أفاد الباحث الجزائري في التراث الصوفي والعيش المشترك والتنمية، وأستاذ علم الاجتماع في جامعة مستغانم بالجزائر، مصطفى راجعي، بأن "الخطاب الأول كان نداءً قوياً من الملك، ولكن النظام الجزائري كان في تلك الفترة السياسية يشهد خلخلة، وصراع أقطاب، لأن الرئيس في ذلك الوقت، عبدالعزيز بوتفليقة، كان يحاول أن يبقى في السلطة، وأن النظام السياسي كانت فيه أطراف سياسية لديها رؤى متباينة، وبالتالي فالنظام في ذلك الوقت لم يكن قادراً على الاستجابة بقوة، وبسرعة، وفي المستوى، ووفق التوقعات، وكان ينتظر حتى تمر الانتخابات، ويتم التجديد لبوتفليقة، وكانت الرؤية غير واضحة سياسيا".
وفي ما يخص غياب أي تفاعل إيجابي جزائري أيضاً مع الخطاب الملكي الثاني الداعي إلى الصلح بين البلدين، الذي جاء بعد تولي الرئيس، عبدالمجيد تبون، قيادة البلاد، والذي ألقاه الملك محمد السادس في 30 يوليوز 2021 بمناسبة الذكرى الـ22 لعيد العرش، قال راجعي إنه "يرى النظام والخطاب السياسيَّين من خلال الإشارات السياسية، وأنه يعتبر قدوم الوفد المغربي للشباب، وحسن استقبالهم من الجزائر، وبروز مشاعر الأخوة والتعاطف، كلها رسائل سياسية إيجابية يبعثها النظام السياسي إلى المغرب، وأن النظام السياسي الجزائري رئاسي، وليس ملكياً كما في المغرب، وبالتالي فالنظام الرئاسي يأخذ دائماً بعين الاعتبار عدة معطيات، حتى يستجيب لهذه القضايا، لأنه يحاول دائماً أن يوازن بين التزامات مختلفة، ويستجيب لمجموعات مختلفة، وأنه لا ينبغي الحكم على النظام السياسي، ويجب قراءة الاستجابة والتفاعل من خلال هذه الإشارات السياسية، وأن هذه الإشارات والأحداث الرياضية تحمل إشارات سياسية إيجابية".
وأضاف راجعي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن "التطورات الأخيرة كانت إيجابية جداً، وأن هذه الأحداث الرياضية بيَّنت أن هناك إرادة سياسية، وأرسلت رسائل سياسية"، موضحاً "أن شباباً يفرحون مع بعضهم البعض، وينتصر الفريق المغربي، ونراها بصفة أخوية، فإنها إشارة إيجابية جداً وقوية بعثها النظام السياسي الجزائري؛ مفادها أنه لا توجد مشكلات".
وأبرز راجعي أن “الخطاب السياسي الرسمي الجزائري يقول إن قضية الصحراء هي قضية تفصل فيها الأمم المتحدة، ولا تؤثر على العلاقات، وأنه يظن أن هذه الأحداث الرياضية أرسلت إشارات إيجابية مطمئنة وواعدة في المستقبل، وأن العالم يتغير بسرعة، ويعرف تحولات كبيرة”، ضارباً المثل بالقمة العربية الأخيرة في جدة وعودة سوريا إلى الجامعة العربية.
وتابع راجعي أن “الوضع تدهور قليلاً، وتم إغلاق الحدود، ولكن ربما هذه هي الفرصة لكي نناقش القضية، وما هو الخلل”، وأنه "يَكتفي بهذه الإشارات الإيجابية، ويتوقع أن تكون هناك إشارات إيجابية أخرى في المستقبل، لأن مصير البلدين مشترك، والعالم يتغير، والتحديات كبيرة في منطقتنا؛ تحديات الهجرة والمناخ، وأن البلدين جارين ويجب أن يتعاونا على رفع التحديات، وأن كل القضايا الخلافية تُحل، والأمم المتحدة هي الإطار لحل هذه القضايا"، مردفاً أنه “متفائل على كل حال، وأن هذه بداية إشارات إيجابية”، متمنيا أن "تكون هناك إشارات وأحداث أخرى في المستقبل، تبعث رسائل سياسية إيجابية أخرى قوية نحو منظور جديد للتعاون، ولمَ لا الصلح، والانفتاح أكثر على بعضنا، وفتح الحدود".
مكاسب الصلح
في ما يخص مكاسب البلدين في حال حدوث الصلح بينهما، قال راجعي إنه "إذا تحقق الصلح، سيربح البلدان كل شيء، وإنهما يخسران الآن كل شيء، وإنه يمكن القول إن المغرب والجزائر شعب واحد في بلدين، والعلاقات بينهما عميقة ومتجذرة، وتجمعهما وشائج قربى دموية، والجغرافيا، والتاريخ المشترك".
من جانبه، قال الخبير المغربي في العلاقات المغربية الجزائرية، أحمد نور الدين، إن "المكاسب سواء من الناحية الثقافية، أو السياحية، أو الاقتصادية، مشهورة ومعروفة، وأن أول فائدة هي أن الميزانيات الفلكية، التي أصبحت تبتلعها الجيوش في البلدين، الأولى بها أن تذهب إلى التنمية، وإلى خلق مناصب الشغل، وإلى خلق بنيات تحتية تليق بالقرن الـ21، أو بالعشرية الثالثة للقرن الـ21".
وأوضح أن "الجزائر كانت قد صادقت في هذه السنة على ميزانية للجيش قدرها 22 مليار دولار، قبل أن يتم تخفيضها قليلاً إلى 18 مليار دولار، في بلد ما زال مواطنوه يغادرونه بزوارق بطرق غير شرعية نحو السواحل الإسبانية والأوروبية بصفة عامة، وفي بلد لا يزال يعاني من اهتراء البنيات التحتية، ولا يزال الناس فيه يقفون في طوابير للحصول على المواد الأساسية مثل الزيت والحليب، حسب ما تنشره الصحافة الجزائرية والتلفزيون والإذاعات الجزائرية، وأن المغرب في إطار سباق التسلح مضطر للتوازن العسكري مع الجزائر، وأن الميزانية العسكرية للمغرب ارتفعت بشكل مهول في الـ10 سنوات الأخيرة، لمواجهة هذه التهديدات الجزائرية، لأنه في موقف دفاعي، في الوقت الذي يصف فيه قائد الجيش الجزائري المغرب بالعدو الاستراتيجي، وإجراء الجزائر خلال الـ5 أو الـ6 سنوات الأخيرة ما بين مناورتين و3 مناورات عسكرية ضخمة سنوياً على الحدود المغربية وبالذخيرة الحية"، وهو ما يعتبر، بحسب نور الدين "استفزازاً أكثر منه مناورات، وبالتالي فإن المغرب لا يمكن أن يقف مكتوف الأيدي، ما أدى إلى تصاعد كبير في ميزانية الجيش المغربي خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يستنزف اقتصاد البلدين، وأنه إذا تم الصلح بينهما، فستتقلص ميزانيات الجيشين إلى مستوى طبيعي مثل بقية الدول، التي تعيش في أمن وسلام، ويمكن ربما ألا تتجاوز 3 أو 4 مليارات دولار في أبعد تقدير، وليس 18 ملياراً بالنسبة للجزائر أو 12 ملياراً بالنسبة للمغرب، وستضخ في الاقتصاد مليارات الدولارات في البنيات التحتية، والصناعة، والفلاحة، وخلق مناصب الشغل، وتطوير المستشفيات والصحة، وتطوير الخدمات الموجهة للمواطنين في البلدين، عوض توجيهها نحو شراء أسلحة الدمار والتدمير، التي ربما إذا استعملت في حرب، فإن البلدين سيعودان إلى حقبة ما قبل الكهرباء وما قبل شبكات الماء والتطهير الصحي، مثل ما حدث في بلدان عربية أخرى"، ضارباً المثال بالحرب العراقية الايرانية، التي قال إنها "دمرت البنية التحتية في البلدين".
وتحدث نور الدين عن المكسب، الذي تتحدث عنه كبريات المؤسسات الدولية، وعلى رأسها البنك الدولي، الذي أوضح المتحدث أنه يقول منذ سنوات كثيرة إنه "بمجرد فتح الحدود بين المغرب والجزائر، وليس التعاون الاقتصادي، فإن الاقتصاد في البلدين سيكسب نقطتين في نسبة النمو"، مبيِّناً أن "نسبة نمو واحدة فقط (أي 1%) تخلق الآلاف من مناصب الشغل، وتخلق ثروات في اقتصاد البلد، وأن الحركة التجارية ستخلق قيمة مضافة في اقتصاد البلدين، وستنعش الاقتصاد بينهما، لأنه من المعروف أن المبادلات التجارية تسهم في تنشيط الحركة الاقتصادية، بالإضافة إلى الحركة السياحية في الاتجاهين".
وأوضح نور الدين أن "الشعبين المغربي والجزائري تجمع بينهما علاقات القرابة والمصاهرة، خاصة في المناطق الحدودية، وأن لدينا عائلات في الجانب الآخر، والعكس صحيح، وبالتالي حينما سيتم فتح الحدود على الأقل سنوقف هذه المأساة والتراجيديا الإنسانية، التي فصلت بين العائلات، وسيتم جمع الشمل بين العائلات، وسيفتح المجال لعودة العلاقات العائلية إلى طبيعتها"، مبرزاً أنه "ربنا هناك من لم يرَ أحد أقربائه لمدة 30 أو 40 سنة، وأنه تقريباً منذ قطع الحدود البرية، أصبحت الكثير من العائلات محرومة من الوصول إلى الجزائر، والعكس صحيح".
من جهته، قال معراف إن وجود علاقةً قوية بين البلدين، وفتح الحدود، وحدوث اندماج اقتصادي بينهما، والتزاوج في مشاريع مختلفة، إلى غير ذلك، ستعطي قوة للعلاقة بينهما، ستنعكس أيضاً على منطقة المغرب العربي، التي تضم أكثر من 95 مليون نسمة، ما سينتج عنه ازدهار اقتصادي، وستكون هناك سوق اقتصادية وتجارية، واستثمارات تتدفق في المنطقة، إلى غير ذلك، لأن الخلافات والحزازات ستنتهي.
وفي هذا الجانب، أبرز الفاتحي أنه في حالة حدوث الصلح "يُنتظر أن يكون هناك تعزيز للعلاقات السياسية، وتحقيق نقط جيدة في الحوار المغاربي-الأوروبي، وفي الحوار المغاربي-الأمريكي، وسيقوي كذلك الدول الإفريقية، ودول شمال إفريقيا؛ المغرب والجزائر، وأن حل هذه الخلافات الثنائية سيحيي بالضرورة مطامح عودة تنشيط هياكل الاتحاد المغاربي، وسيجعل للدولتين نفوذاً متزايداً وكبيراً على الصعيد الإقليمي، وهو ما يمكنهما من لعب أدوار طلائعية على كل المستويات، سواء إقليمياً، أو عربياً، وكذلك دولياً، وأن الإمكانيات متاحة من الجوانب كافة، لكن لسوء الحظ ما زلنا لم نشهد إرادة سياسية بالقدر الكافي، وثقة ما بين الأطراف، وخاصة من الجانب الجزائري، من أجل الوصول إلى حلول تجعلنا لا نضيع الجهد، والوقت، والإمكانيات المادية، في مناطحة بعضنا بعضا"، موضحاً أن "هذا سُجل على مستوى ارتفاع ميزانية التسلح بالنسبة للبلدين، وكذلك اشتداد التوتر على مستوى الحدود، وهذا ما قد ينذر بكارثة".
وقال الفاتحي إن "البلدين لهما أدوار حضارية، وثقافية، وتاريخية، يجب أن يلعباها، بدل أن يتناحرا معاً، وأن هناك إمكانيات اقتصادية، وتكاملاً اقتصادياً، ورؤية سياسية-اقتصادية وتنموية مغربية وجزائرية في إفريقيا، يمكن أن يكون هناك تعاون بشأنها، لتحقيق نتائج أفضل، وأن تطبيع العلاقات سيؤدي إلى تنشيط الاتحاد المغاربي على المستوى الاقتصادي، وسيرفع كذلك الدخل الخام الفردي والوطني لكلا البلدين، وسيقوي دفوعاتهما خلال مفاوضات اقتصادية وتنموية مع الشريك الأوروبي، أو في إطار الشراكة الأوروبية المغاربية، وسيقوي مواقفهما السياسية في العلاقات الدولية وداخل إفريقيا".
وتم الإعلان عن تأسيس اتحاد المغرب العربي في مدينة مراكش (جنوب المغرب) بتاريخ 17 فبراير 1989، من طرف المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، وموريتانيا.
وأُعلِن عن ذلك من قبل حكام تلك الدول وقتها، وهم: الملك المغربي الحسن الثاني، والرئيس التونسي زين العابدين بن علي، والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، والزعيم الليبي معمر القذافي، والرئيس الموريتاني معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، قبل أن يتجمد ويصبح مجرد إدارات متفرقة في البلدان المغاربية، منذ آخر قمة لقادتها في سنة 1994 بتونس، بسبب خلافات سياسية بين الدول الأعضاء، على رأسها مشكل الصحراء المغربية بين المغرب والجزائر.
وبيَّن الفاتحي أنه "على المستوى الشعبي، هناك محاولات كثيرة، وهيئات تعمل على هذا المجال، من أجل الدفع بالحكام أو بصناع القرار إلى الدخول في مفاوضات مباشرة للتطبيع، ومعلوم أن المغرب كان دائماً يبادر، لكن الجزائر في المقابل كانت دائماً ترفض، ورفضت في الآونة الأخيرة مقترحات وساطة إفريقية مغاربية وكذلك دولية، لكن المغرب، والشعوب المغاربية بصفة عامة، أملها كبير في أن تتحسن العلاقات بين البلدين في المستقبل، وأن المطلب الشعبي يبقى أحد الحوافز الأساسية، التي ستكون لها كلمتها في المستقبل، وستجعل الحكام يخضعون لهذه الإرادة الشعبية، وسيقبلون بأي شكل من الأشكال الجلوس على طاولة المفاوضات، طالما أن الصراع والتوتر، أو الحروب، مؤلمة ومكلفة"، مبرزاً أنه "أن البلدين يعيان ذلك، ولكن علينا ألّا نضيع المزيد من الوقت، والجهد السياسي، وكذلك المادي".