عزة مسعود: 99 كاتباً أكدوا في «عربية الهوى» أن الهم والمعاناة العربية واحدة (حوار)
عزة مسعود: 99 كاتباً أكدوا في «عربية الهوى» أن الهم والمعاناة العربية واحدة (حوار)
التجارب الأدبية المشتركة تؤكد أن الهم العربي واحد والقضايا والمعاناة واحدة
"عربية الهوى" و"ومضات" هدفتا للتأصيل لفنيات أنواع من الكتابة واجهت الكثير من الانتقاد
هناك من يريد شيطنة التصنيفات الأدبية بهدف تعلية جنس أدبي على آخر
الرواية تسيطر على المشهد ودور النشر تسير عكس اتجاه المنطق وسياقاته
مقتول بسكينتين من يكتب الصحافة والأدب معاً
أنا ومشاعري تحت المراقبة دائماً والمسافة وأبطال قصصي محسوبة بالشعرة
بيني وبين الكتابة خصومة وما أنتجته من نصوص نتاج فترات الهدنة بيننا
إذا كانت الكتابة هي الطريق إلى الشعور بالحرية، فإن أول ما قد يواجهه الكاتب هو الخوف من هذه الحرية، الخوف من مواجهة اللغة، لأن أول منازل الكتابة اللغة، والكتابة ليست وسيلة لتفريغ الاحتشاد النفسي، بل هي تصنع الاحتشاد وتؤكده.
وقد يجد الكاتب نفسه صريع نوعين من الاحتشاد، لكل منهما طبيعته وأدواته التي تختلف كلية عن الآخر، ما يجعل نجاح مهمته شبه مستحيل، وإذا كان النجاح في أحدهما يُعد إنجازًا فحتمًا اعتلاء قمتهما بمثابة كسر المستحيل.
تجسد النظرية السابقة الكاتبة والصحفية عزة مسعود، ففي الوقت الذي تألقت فيه كصحفية، انتشرت عربيًا ككاتبة لأنواع أدبية عدة، كان آخرها فن "الومضة","القصة القصيرة جدا" خلال مؤلف "عربية الهوى" شارك فيه 99 كاتبا عربيا، من 14 دولة عربية في إصدار جديد، أعلن منتدى الجياد للثقافة والتنمية في الأردن عن طباعته مؤخرًا بالاشتراك مع دار إيليا للطباعة والنشر- العراق.
وكما هو مخطط له، سيكون الكتاب مرجعا في هذا الجنس الأدبي الذي أصبح له كتابه ورواده ولن يكون مكان القصة القصيرة بالمطلق، وهو جنس أدبي ليس بالسهل حيث يعتمد على الجزالة والدهشة.
وتم إنجاز العمل على مدار خمسين يوما بين استقبال الأعمال والتنسيق والإخراج ضمن فريق الجياد الذي أصبح على خبرة ودراية بالموسوعات والكتب الورقية المشتركة عبر ثماني سنوات من العمل الجاد والهادف إلى الشراكات العربية ودمج الخبرات المتنوعة في كتابة العمل السردي حيث شارك في كتاب “عربية الهوى” كُتَّاب لهم مؤلفات عديدة وتجارب كبيرة في تحكيم المسابقات المتعلقة بهذا الجنس الأدبي.
كانت عزة مسعود ممن شاركوا في الكتاب، ولذا كان هذا الحوار الثري بالحديث عن فكر وحياة الكاتبة المهنية، وحال الساحة الأدبية وأيضًا تأثرها بالذكاء الاصطناعي من عدمه.
فإلى نص الحوار:
-بداية، نهنئك على صدور "عربية الهوى"، ونريد معرفة كيف تستطيعين تنظيم مشاعرك ووقتك بين كونك صحفية وكونك أديبة؟
ذكي هذا السؤال، لأنه يلمس إشكالية أعاني منها حقيقة وهي" تنظيم المشاعر" تجاه نوعين مختلفين من الكتابة: الأولى الصحافة والثانية: الأدب، مع الفارق، فالكتابة للصحافة -خاصة الاستقصائية منها- تختلف تماما عن الكتابة أدب شعراً كان أو قصة، والتحدي هنا يتمثل في صعوبة التنقل بين حالتين لعالمين لكلٍ منهما لغته وأدواته؛ فلغة الصحافة جادة معنية بالحقائق المستندة إلى معلومات موثقة بالأرقام حيث لا مجال للافتراض أو الخيال، عكس الكتابة الأدبية حيث اللغة ترتدي ثوبها الأكثر نعومة، وربما عنفا حسب الحالة الشعورية للكاتب، الأمر أشبه بالسير تحت الشمس في طريق ذو حواف صريحة واضحة وحادة، والسير تحت المطر في طريق آخر مليء بالتجاويف والمنحنيات والظلال.
-أي منهما إذاً أثر في الآخر، طريق الأدب أم الصحافة؟ وسلبا أم إيجابا؟
حقيقة كلا منهما أثر على الآخر سلبا ربما أكثر من إيجابا، فمن يكتب الصحافة والأدب معا مقتول بسكينين، سكين الأدب أنك تكتب صحافة، وسكين الصحافة أنك تكتب أدبًا، الأمر ليس بسهل أن تعطل مشاعرك تماما وتفك الاشتباك بينك وأبطال قصصك الصحفية في سبيل أن تكتب بموضوعية؛ المهنية شرط الكتابة للصحافة، وعلى النقيض تحرر مشاعرك وتمنحها السطوة أن تصنع أبطال قصصك الأدبية، تشتبك وتتفاعل مع الشخوص والأحداث، تثبت النهايات وتمحوها.
هذا الأمر يضعني ومشاعري تحت المراقبة دائما، أحمل على عاتقي مهمة الحفاظ على المسافات بيني وبين أبطال القصص صحافة أو أدباً موزونة "بالشعرة"، كثير ما اضطر تحت تأثير الخوف من عدم ضبط ذلك للتوقف عن الكتابة وإن كانت الصحافة لا تسمح فهي حاضرة دائما، خلاف الأدب أدونه شعرا كان أو قصة في شكل مسودات شبه نهائية حتى تستقيم الأمور وأن كنت أخجل عند معاودة قراءة هذه المسودات، فالشعور الذي يحاوطني أنني لم أخلص للأدب، لذلك وفي المقابل هو في خصومة معي، أنا صادقة حينما أقول إن الكتابة لم تصالحني وما أنتجته من قصص ونصوص حتى الآن هو نتاج فترات الهدنة بيننا.
-فترات الهدنة تلك كانت لصالح الشعر أم القصة؟
بدأت الكتابة في مرحلة ما قبل الجامعة وأول ما كتبت شعر التفعيلة لكنني أعتبر نفسي قاصة، ذلك لأن القصة عالم أكثر رحابة بالنسبة لي تتسع تعبيرا ومجازا بالمقارنة، والشعر الذي أشعر دائما أنني ومشاعري وأفكاري مكبلة بأوزانه وقوافيه، ولا أنكر أن خيطاً منه مسيطر على القصص التي كتبت، خاصة الأولى منها لدرجة أن أساتذة من النقاد يصنفونها بـ"القصص الشاعرية"، وبعيدًا عن لعبة التصنيفات التي لا تعنيني بقدر ما تعنيني الفكرة والحالة الشعورية التي تتملكني قبل اختيار القالب الذي سأكتب من خلاله، أحب دائمًا أن أختبر السير في طرق جديدة، فأنا في حالة بحث دائم عني، وبالتالي عن قالب كتابي يكون بمقاس تجاربي، ويتسع لحالة الصراع التي تعيشها الأفكار برأسي، معاناة لا تنتهي إلا في اللحظة التي أرفع فيها يدي عن الحرف الأخير في النص الذي أكتبه، تلك اللحظة بمثابة الخلاص بالنسبة لي.
-مشاركتك لأكثر من مرة في إصدارات متخصصة في أنواع معينة من الأدب ماذا تعني إذا غير أنك مهتمة بالتصنيفات كقضية؟
عندما أتحدث عن التصنيفات أقصد المعارك التي تدار حول نوع ما من الأجناس الأدبية، هناك خلاف قائم، حالات لبس، ورفض لنوعيات معينة من الكتابة وهذا الأمر يستفزني جدا، فالانتصار لنوع أدبي معين في مقابل التقليل من فنيات نوع آخر ممارسة غير جديرة بالاحترام، لأنها لم تضع في اعتبارها أن هناك كاتبا من حقه أن يختار القالب الأنسب له، والقارئ هو صاحب الكلمة الأخيرة، ومشاركتي في الإصدارات المتخصصة في نوع من جنس أدبي معين لا تعني أنني مهمومة بالتصنيف كقضية إنما التأكيد على فنيات جنس أدبي وإزالة اللبس حوله وربما الدفاع عنه ضد موجات الانتقاد التي تظهر فجأة ودون مبرر.
-"ومضات عربية" كان جزءا من المعارك التي تتحدثين عنها؟
لم يكن جزءاً من معركة أبدا، فأنا بعيدة تماما عن ذلك وأعتبر نفسي ضيفا على الوسط الأدبي، لدرجة أنني وحتى فترة قريبة كنت أخفي كوني أكتب أدبا لأسباب لا مجال لمناقشتها الآن، أما "ومضات عربية" فجاءت بالتزامن مع موجة من موجات الانتقاد الحاد وجه لفن الومضة، أحد أنواع الكتابة القصصية والتي وصلت لحد إخراجه من التصنيف واعتباره كتابة لا علاقة لها بالأدب أصلا.
كان ذلك في عام 2015 على وجه التحديد حيث شهدت الأوساط الثقافية والأدبية جدلا حول تعريف هذا النوع من الكتابة، لأي جنس أدبي ينتمي؟ شعر أم قصة! ومراحل تطوره؟ الأمر لم يخلُ من محاولات التأصيل لكونه امتدادا لفن التوقيعات، وتجاوزا للأصل في فكرة الإبداع والتطوير في حد ذاتها والقائمة على توليد أنواع جديدة تتفرع من الأجناس الأدبية المعروفة، هناك من قرر توجيه أصابع الاتهام لمن يكتبون "الومضة" أنهم أصحاب نَفَس قصير في الكتابة.
هذا الأمر يعني التقليل من شأن هذا النوع ومن يكتبه، ما دفعني وقتها للتعاون ودار نشر مصرية على تجميع إسهامات الكتاب من مختلف الدول العربية وتضمينها في كتاب يحمل قراءة نقدية وتعريفاً بفن الومضة بهدف التأصيل لهذه النوعية من الكتابة وتقديمها للجمهور لتقيمها، وهذا لا يعني بالضرورة أنني معنية بالتصنيفات الأدبية كقضية بل بالعكس أراني ضد شيطنتها بهدف تعلية فن على حساب فن آخر، لما له من سلبيات نشهد آثارها الآن ممثلة في سيطرة الرواية مثلا كجنس أدبي بالمقارنة مع القصة القصيرة التي تشهد تراجعا كبيرا ناهيك عن أنواع أخرى متفرعة منها كالقصة القصيرة جدا والقصة الومضة.
-ما معيارك للحكم بتراجع جنس أدبي بالمقارنة بجنس آخر؟ وما تفسيرك لهذا التراجع؟
المعيار هنا قوائم ما تصدره دور النشر سنويا، عدد الجوائز المخصصة للرواية والشعر أيضا في مقابل القصة القصيرة مثلا، ولا أنكر أن عوامل عدة تحرك البوصلة باتجاه معاكس لما هو متوقع لمستقبل الأجناس الأدبية ويأتي في سياقات مفهومة منها مثلا أن يميل القارئ نحو الكتابات القصيرة والمركزة لأنها الأنسب لإيقاع الحياة، لكن ما حدث العكس تماما، أن تجد دور النشر تتحرك باتجاه الكتابات المطولة كالروايات خاصة المتخصصة في الجريمة، هذا المشهد أنا لا أفهمه، وتقديم تفسيرات بشأنه أمر يحتاج لبحث في ميول القارئ أولا، وحجم الدعم المقدم للنوعيات المختلفة من الكتابة، علما بأنه ليس بالضرورة أن يكون هذا الدعم ماديا، فهناك أنواع من الدعم مغلفة، تقدم في صورة احتفاءات واحتفالات ونشر مكثف.
-ماذا عن "عربية الهوى" خاصة أنها مجموعة عربية مشتركة أيضا تضم نوعا من الكتابة المتخصصة؟
عربية الهوى هي الأخرى تجربة من التجارب التي تؤكد نوعية من نوعيات الكتابة هي القصة القصيرة جدا، شاركت فيها ضمن 99 كاتبا وكاتبة من 14 دولة عربية خلاف كتّاب القصة في بلاد المهجر، وهي صادرة عن منتدى الجياد للثقافة والتنمية بالأردن، بالمشاركة ودار إيليا للنشر والتوزيع العراق، الأحد 9 يوليو كان حفل إشهارها أو توقيعها بمقر البيت العربي بالمملكة الأردنية الهاشمية وذلك بحضور الأديبة سلّامة عبد الحق الرئيس الفخري لمنتدى الجياد، القاص سامر المعاني مدير المنتدى، والأساتذة (القاص أحمد أبو حليوة، الأديب على القيسي والكاتبة هند السليم والصحفي الأردني محمود الشبول، منسق عام المنتدى) وقد لقيت احتفاء عربيا كبيرا غير متوقع.
-حدثينا عن أهمية هذه التجربة ولماذا وجدت هذا الاحتفاء الإعلامي العربي؟
تأتي أهمية "عربية الهوى" أنها تجاوزت الحدود بين دول الوطن العربي وتأشيرات الدخول أن جمعت تجارب الكتاب العرب في مجموعة واحدة هدفت في الأساس لإزالة اللبس حول القصة القصيرة جدا والتي يختلف النقاد حتى الآن حول فنياتها لدرجة أن البعض يميز بينها وأنواع أخرى من القصص ومنها القصة الومضة بعدد الكلمات والأسطر، وهذا أمر غريب على الكتابة الأدبية، المجموعة بها تعريف لمفهوم القصة القصيرة جدا واشتراطات وفنيات كتابتها من تركيز وتكثيف دون الإخلال بعناصر القصة العامة: الفكرة والحدث والحبكة والنهاية، وتأكيدا على ذلك تضم المجموعة عدداً يتجاوز الـ200 قصة تم اختيارها بمعرفة لجنة متخصصة ووفق الاشتراطات التي تحدثنا عنها.
-ما أبرز الموضوعات التي تم العمل عليها؟
لم يحدد موضوع للمشاركة، فكل القضايا مطروحة للنقاش ورغم ذلك ومن خلال مشاركاتي في المجموعات العربية المشتركة ألاحظ عند القراءة النهائية لجميع الأعمال أن الهم العربي واحد والمعاناة واحدة والقضايا واحدة لا خلاف سوى الأدوات التي استخدمها كل كاتب للتعبير عن فكرته.
-إذا تحدثنا عن الأدب بشكل عام، يلاحظ أن ثمة ركوداً في الساحة الأدبية العربية.. لماذا في نظرك؟
بالعكس أرى رواجا، فالساحة الأدبية مزدحمة بالأصوات والأسماء، كثير من الفعاليات، والحفلات، والمناقشات، والندوات، وورش الكتابة أحد مستحدثات العصر لكن دون نكهة، والسبب أن المعنيين بحركة الأدب والثقافة تخلوا عن دورهم في تقديم ما هو جيد.
-ما رأيك في ما أثير مؤخرًا من أن الذكاء الاصطناعي يمكنه تأليف قصة وكتابة قصيدة.. هل سيؤثر ذلك في الساحة الأدبية إيجابًا أو سلبًا؟
من الغباء إنكار القدرات المتولدة نتاج حركة التطور التكنولوجي، والذكاء الاصطناعي قادر على تغذية جهاز بما يكفي لإنتاج نص أيا كان نوعه، لا مشكلة في ذلك، لكن تبقى فكرة القوالب المصنوعة، والمنهجيات المحددة سلفا أنها تفقد الأشياء نكهتها، أتخيل أنني في سباق وجهاز يكتب عن قريتي التي تقع في إحدى محافظات الصعيد، يرسم الجهاز خطوط المكان ويصفها بدقة أشجار ونخيل وظلال بينما أنا أكتب عن رائحة هذه الأشجار عن بصمة المكان الواقع حضن الجبل، عن خلوة جدي في آخر الحقل والجهاز لن يعرف عنها شيئا، دائما هناك تفاصيل صغيرة، تلك التي تصنع الفن وتمنحه روحا وبهاءً.