التحول المحتمل.. هل من الممكن أن يصبح عضو البرلمان «روبوتاً»؟
التحول المحتمل.. هل من الممكن أن يصبح عضو البرلمان «روبوتاً»؟
في ظل التطور المتسارع للتكنولوجيا، يتوارد إلى الذهن العديد من الأسئلة حول مدى إمكانية تطبيقها في مختلف المجالات، بما في ذلك الحكومة والسياسة.
واحد من هذه الأسئلة التي تثار هي: هل يمكن لروبوت أن يكون عضوًا في البرلمانات ومجالس تشريع القوانين؟
ويبقى السؤال الأكثر إلحاحًا هو: هل سيكون هناك حاجة إلى تأسيس إطار قانوني متفق عليه لضمان شفافية ونزاهة عملية صنع القرار؟
بالفعل أصبحت الأنظمة الذكية قادرة على تحليل وفهم اللغة الطبيعية والتفاعل مع البشر بطريقة مماثلة للإنسان، وهناك اعتقاد متزايد بأن القدرات اللغوية والتحليلية المتقدمة لهذه الروبوتات يمكن أن تؤهلها للمشاركة في العملية السياسية.
من الناحية النظرية، إمكانية أن يصبح الروبوت عضوًا في البرلمان باتت ممكنة، فعلى سبيل المثال، يمكن للروبوت أن يقرأ ويحلل القوانين والتشريعات المعقدة بشكل أفضل من البشر، ويتمتع بمستوى عالٍ من الكفاءة والدقة في عملية صنع القرار.
ويمكن تجهيز الروبوت ببنية من البيانات الضخمة في المعلومات التاريخية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية، ما يساعده على اتخاذ قرارات مستنيرة ومواكبة التغيرات الحاصلة في المجتمع.
ومع ذلك، هناك العديد من التحديات التي تحتاج إلى تجاوزها قبل أن تصبح هذه الفكرة واقعًا.
واستبعد محللون هاتفتهم "جسور بوست"، أن يكون عضو البرلمان "روبوتاً"، فيما رأى آخرون أنه في المقام الأول، يتعين على الروبوت أن يتعلم ويستوعب القيم والمبادئ الإنسانية المحظورة مثل العدل والتعددية وحقوق الإنسان.
علاوة على ذلك، يجب أن يتم ضمان سلامة نظام الروبوت وحمايته من أي تهديدات أمنية.
ويعتقد المحللون أن النقاش حول عضوية الروبوت في البرلمان فكرة جريئة ومستقبلية، ومن المحتمل أن يشكل استخدام التكنولوجيا الذكية في الحكومة نقلة نوعية في كيفية اتخاذ القرارات وتنمية المجتمعات، ومع استمرار التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، يجب علينا أن نفكر بجدية في التحديات والفرص المحتملة التي يمكن أن يوفرها انضمام الروبوتات إلى هذه المجالات الهامة.
ولكن ماذا عن إشكالية كون عضو البرلمان رجل تشريعات ومراقبة لضمان حقوق الأفراد، وفي نفس الوقت هناك تخوفات من انتهاك الذكاء الاصطناعي حقوق الإنسان، فكيف إذن سيكون حاميًا لها في البرلمان، فقد يشكل تحديات لحقوق الإنسان إذا لم يتم التعامل معه بحذر ووضع قواعد وأطر قانونية مناسبة، قد يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي في بعض الحالات إلى تأثير سلبي على الخصوصية والحرية الشخصية، وتعزيز التحيزات وتفاقم الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية.
من بين التحديات الأخرى وفقًا لمحللين، قد يؤدي الاعتماد الكبير على الذكاء الاصطناعي في أنظمة المراقبة واتخاذ القرار إلى تفاقم الاضطهاد والتمييز.
على سبيل المثال، في حالة استخدام الذكاء الاصطناعي في نظام مراقبة آلية، قد يتم توجيه الاهتمام بشكل مفرط نحو فئات معينة من الأفراد أو تعريضهم لما يشبه الاستبداد.
"جسور بوست"، تناقش الأمر مع خبراء ومتخصصين للوقوف على إمكانية حدوثه وإيجابيات ذلك أو سلبياته.

مستبعد وغير مناسب
وردًا على تساؤلات كثيرة، علق الخبير السياسي جهاد سيف بقوله، إن ما يجب فعله أولًا، تفسير ماهية العمل البرلماني، فهو تمثيل لفئة من المواطنين بالبرلمان لمهمة التشريع والرقابة، وهي المهمة الأكثر رقيًا في مهام العمل العام، لأنها المحددة لمستقبل الأمم، ووقوع هذا الأمر في يد الذكاء الاصطناعي يخرجه من هدفه، حيث كان الهدف من الأساس تمثيل البشر لأنفسهم وليس القيام بمهمة وظيفية، فنيابة البرلمان ليست مهمة وظيفية وإنما إبداعية.
وتابع: أستطيع التفهم أن يكون الذكاء الاصطناعي محاميا، فهو مقيد بنصوص قانون وبإجراءات محددة ومناهج فكرية معينة نستطيع تزويد الذكاء الاصطناعي بها، فيستطيع إعداد مذكرة جيدة تأتي بالبراءة لمتهم ما بعد النظر لكافة القوانين المنظمة لهذا الحدث، أما التشريع فهو عملية إبداعية ابتكارية بحتة يجب أن تكون في اتجاه مصلحة الناس وهذا ما لا أثق فيه عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي، وعليه أرفض أن يكون فيه "روبوت" لأننا في اليوم الذي سنوافق على عضوية الروبوت للبرلمان سيكون اليوم الذي سنوافق فيه على عبودية البشر للذكاء الاصطناعي.
وأضاف سيف في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، سيحتاج ذلك إلى تغيير شكل الحياة وليس فقط تعديل للقوانين، فلو أتينا بسياسيين من ثقافة أخرى كالغرب مثلًا وكلفناهم بمهمة التشريع في البرلمان المصري، قطعًا لن تخرج التشريعات ملائمة ومعبرة عن المجتمع المصري وموروثه الثقافي، فلا يتوقف الأمر على تغيير بعض القوانين أو آليات العمل ولكن ستكون ثورة جديدة تمامًا سيكون فيها المواطن عبدًا للذكاء الاصطناعي يحدد ما له وما عليه.
وعن تقبل رجل الشارع للأمر أجاب “سيف”، بقوله: "مستحيل.. لن يتقبل رجل الشارع الأمر، التغييرات الجذرية في الأمم تأتي من النخب فدائمًا رجل الشارع بداية لا يتقبل الجديد وإنما يُفرض عليه.
وأضاف: أستبعد تمامًا أن يفرض على رجل الشارع في أي دولة أن يكون المشرع ‘روبوتاً‘، ففي هذه الحالة لن يُنتخب الذكاء الاصطناعي، وذلك أمر في منتهى الخطورة، وهذا بالطبع سيؤثر على حرية البشر".

النائب الإلكتروني والتشريعات
يرى محللون أن إمكانية تحويل الروبوت لعضو برلمان يستلزم تغييرات تشريعية، وفي ذلك يقول الخبير القانوني الدكتور مصطفى السعداوي، من المرجح أن الأعوام القادمة قد تجعلنا نرى "النائب الإلكتروني"، وهو النائب الذي يستطيع إصدار تشريعات ما كان لها أن يصل إليها الإنسان، ولكن في كل الأحوال لا يمكن الاستغناء عن المشرع الإنسان، ولكن هذا المشرع بدون الذكاء الاصطناعي سينتج تشريعات ميتة، والذكاء الاصطناعي طفرة والسنوات القادمة سوف تنتج تشريعات إلكترونية بشكل تجعلنا نصفها بالطفرة.
وفصل الخبير القانوني القول في تصريحات لـ"جسور بوست": “إن الإنسان عدو ما يجهله وهي مقولة تمتد في ثقافات الشعوب، وأبرز تطبيقاتها الذكاء الاصطناعي، فالإنسان يتعامل مع الذكاء الاصطناعي على أنه العدو الخفي الذي ربما هدد الإنسان في حياته وربما هدد كوكب الأرض، إلا أن تلك النظرة اختفت سريعًا وأصبح هذا المنتج يستطيع الإنسان الوصول من خلاله لحلول جذرية قويمة مستقيمة لبعض المشكلات التي قد يعجز العقل البشري عن إيجاد حلول لها في العصر الحالي”.
وأضاف “السعداوي”: "أما يتعلق بالمجال القضائي، فمنذ 2018 تسارعت الخُطا في استخدام الذكاء الاصطناعي وتحقيق عدالة ناجزة في إنتاج تشريعات قويمة تحقق المساواة في القانون، وبدأ ذلك حينما شرع معهد أبحاث الأنظمة القضائية في عقد مؤتمره الدولي حول الذكاء الاصطناعي وإدارة المحاكم، وربما لا يعلم الجميع أن الذكاء الاصطناعي كان له دور في صياغة المبادئ التوجيهية للمجلس الأوروبي، ومن هنا بدأ الذكاء الاصطناعي يدخل في ما يسمى بـ"التقاضي الإلكتروني"، وهناك شواهد على المستوى الدولي تظهر مدى كفاءة المنتج العدالي المستخدم فيه الذكاء الاصطناعي.
وتابع، إذا كان الذكاء الاصطناعي له دور في تحقيق العدالة فما دوره في التشريعات، نستطيع استخدامه في إنتاج تشريعات غير متناقضة بما يتعارض مع التطبيق، فمن الممكن إصدار قانون يخالف نصا دستوريا، ويضحى استخدام هذا القانون غير دستوري، وعليه فاستخدام الذكاء الاصطناعي في التشريعات يحقق الملاءمة والمواءمة التشريعية، كما يخفض من الإنفاق، ويحقق استقرارا تشريعيا بما ينتج عنه تحقيق تنمية اقتصادية، والتي تتطلب قبل البدء بها تحقيق استقرار تشريعي.
واختتم “السعداوي” حديثه بقوله، يتعين على المجتمع العالمي والمنظمات والحكومات وصناع السياسات تبني إطار قوانين وتوجيهات تحمي حقوق الإنسان عند استخدام الذكاء الاصطناعي، ويجب وضع الضوابط والمراقبة المناسبة لضمان التطبيق العادل والأخلاقي للتكنولوجيا وتجنب أي استغلال لها.