السياحة الشاطئية مهددة بالتراجع على وقع التغيرات المناخية
في ظل تآكل الشواطئ والفيضانات
جراء التأثيرات السلبية الفارقة للتغيرات المناخية، تلقى دورة اقتصاد السياحة الشاطئية تضررا على مستوى العالم، بسبب إفساد الشعاب المرجانية واختفاء الأسماك النادرة في أعماق البحار والمحيطات.
وتغطي المسطحات المائية 70 بالمئة من مساحة الكرة الأرضية، حيث تحتوي على 75 بالمئة من جميع أنواع الكائنات المعروفة، بحسب الأمم المتحدة.
هذه البيئة الفريدة، التي ما زالت غير مستكشفة إلى حد كبير وبعيدة عن أنظار العالم، كما أنها تؤدي دورا مهما في تنظيم درجة حرارة الكرة الأرضية وهي المنتج الرئيسي للأكسجين.
ويؤدي الاحتباس الحراري والموجات الساخنة إلى خنق الشعاب المرجانية وضعف قدرتها على النجاة والصمود لفترات طويلة، إذ أظهرت الدراسات أن ارتفاع 1.5 درجة مئوية من شأنه اختفاء ما بين 70 و90 بالمئة من الشعاب المرجانية.
ويعد تغير المناخ مهددا صارخا للشعاب المرجانية والأسماك الكبيرة والنادرة، وتؤكد الدراسات العلمية تأثر المسطحات المائية بزيادة معدل الانبعاثات الكربونية والغازات الدفيئة الناجمة عن الأنشطة البشرية.
ويتسبب ارتفاع درجات الحرارة في حدوث تبييض للشعاب المرجانية، والذي ينتج عنها ارتفاع معدل إتلافها بسبب جفاف وضمور الطحالب التي تعيش داخل أنسجتها وتزودها بالغذاء بفضل عملية التمثيل الضوئي.
وخلال العقد الماضي، شهدت البحار والمحيطات موجات حرارية متكررة الحدوث وذات آثار تدميرية؛ ما أسفر عن مقتل مئات الكائنات البحرية وتغيير سلوك بعضها الآخر.
ويؤثر التغير المناخي بشكل مباشر على حياة الأسماك، حيث تؤثر هذه التغيرات في البيئة البحرية على إمدادات الغذاء وأنماط الهجرة والتكاثر وسلوك الأسماك عموما في محاولة للتكيف.
وكشف خبراء علوم البحار أن السبب الرئيسي وراء تغير سلوك أسماك القرش وهجومها على البشر يرجع جزء كبير منه إلى التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة في قاع البحار والمحيطات.
ومع زيادة الاحتباس الحراري وتزايد كميات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وتمتصه المياه، تتغير درجة حمضية المياه التي تعطل تكاثر بعض أسماك الكبيرة أبرزها القرش، ما يضطرها إلى الانتقال من مكانها بحثا عن مياه أكثر برودة.
ومؤخرا، انتشرت ظاهرة "الأسماك الغازية" وهي الكائنات البحرية التي تغزو بيئة مائية جديدة عليها وتستوطن بها، إلى حد تهدّد الكائنات الأصلية.
القيمة الاقتصادية
ونشأت معظم المدن الرئيسية على طول السواحل كمناطق للتجارة، ويظهر حجم نمو هذه المدن في النسبة المئوية من سكان العالم (نحو 80 بالمئة) الذين يعيشون في حدود 100 كيلومتر من الساحل ويعتمدون على البحار في الحصول على سبل رزقهم (نحو 3.5 مليار نسمة).
وتقول الأمم المتحدة إن أفقر سكان العالم يعتمدون في بقائهم على علاقاتهم الوثيقة بالبحار، ومما يشهد على الأهمية الاقتصادية للبحار ما تقدمه نظمها الإيكولوجية من خدمات من خلال مصائد الأسماك، والسياحة، والحماية الساحلية، وما تقوم به من دور كمصدر للمواد الأولية.
وعقب تنامي الظواهر المناخية المتطرفة وارتفاع درجة حرارة الأرض، يتعرض هذا الاعتماد على البحار للمخاطر جراء الأوضاع البيئية التي أحدثها تغير المناخ العالمي.
ويتوقع أن تؤدي الزيادة المتوقعة في درجة حرارة المحيطات إلى تنشيط هجرة الكائنات البحرية حسب تحملها للحرارة، حيث ستوسع الأنواع الأكثر تحملا للحرارة من نطاق تواجدها شمالا وستنحسر الأنواع الأقل تحملا للحرارة.
وسيترتب على هذا التغير في ديناميات المحيطات أثر سلبي على الأنواع التي لا تكون قادرة على الهجرة وقد يؤدي إلى فنائها أو انقراضها.
وزيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون في البحار والمحيطات أو ما يعرف بـ"التحمض" سيؤدي إلى خفض درجة تركيز أيونات الهيدروجين في المياه، ومن ثم تناقص كمية العوالق النباتية، وخفض درجة التكلس في حيوانات بحرية معينة مثل المرجانيات والمحاريات، ما سيؤدي إلى ضعف هياكلها وإعاقة نموها.
وتؤثر تلك العوامل على استغلال السواحل والسياحة الشاطئية، والتي تعد أهم أنواع السياحة الشعبية أو الجماهيرية، وغالبًا ما تتضمن بُعدًا صحيًا ورياضيًا كأنشطة التزلج والتنس الرملي والتأمل والتجديف.
السياحة الشاطئية في خطر
بدوره، قال مستشار برنامج المناخ العالمي وأمين اتحاد خبراء البيئة العرب الدكتور مجدي علام، إن بعض المقاصد السياحية على المدى البعيد ستكون غير صالحة للسكن، لأنه من المتوقع أن تغمر المياه المدن الساحلية والجزر، وذلك إذا لم يتم خفض معدل الانبعاثات الكربونية.
وأوضح علام في تصريح لـ"جسور بوست"، أن تزايد الفيضانات وموجات الجفاف والطقس الحار، وهطول السيول بغزارة وهبوب العواصف الشديدة وانتشار حرائق، سيؤثر بشكل مباشر على البنية التحتية في المدن والبلدان السياحية الشهيرة.
وأضاف: "السياحة الشاطئية من أهم أنواع السياحة وأكثرها شيوعا وإقبالا من السائحين في مختلف دول العالم، وبالتالي فإن تأثرها بالظواهر المناخية الشرسة سيؤدي إلى تراجع عوائدها بصورة كبيرة، فضلا عن تضرر سان المدن الساحلية".
وتُعد البيئة الطبيعية والمناخ من بين العوامل الرئيسية التي تؤثر على اختيار الوجهة السياحية، إلا أن توقع استمرار ظاهرة تغير المناخ وتداعياته الخطيرة، سيمتد تأثيرها أيضا إلى الوجهات السياحية الشهيرة حول العالم.
ويمكن أن تتعرض الشواطئ والسواحل للتآكل والفيضانات، وانتشار حرائق الغابات بكثرة، والعواصف وارتفاع مستوى البحر، الإضافة إلى اشتداد الظواهر المناخية مثل احترار المحيطات والجفاف وذوبان الأنهار الجليدية.