الهند.. تجربة جديدة لتمكين المرأة من خلال المدفوعات الرقمية المباشرة
الهند.. تجربة جديدة لتمكين المرأة من خلال المدفوعات الرقمية المباشرة
باسم ثروت
أصبحت حقوق المرأة واحدة من أهم ملامح الحكم الرشيد والأنظمة الديمقراطية، فقد أخذت الدول تطور حقوق المرأة والسعي نحو تمكينها سياسياً واقتصادياً ومالياً، كما أضحى تمكين المرأة أحد أهداف وتوجهات العديد من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية في الآونة الأخيرة.
كل ما سبق ساهم بشكل أو بآخر في ارتفاع مستويات تمكين المراءة وخصوصاً في الدول النامية، فقد ظهرت العديد من المبادرات والاستراتيجيات من الدول النامية بهذا الشأن، الأمر الذي دفع مجموعة من الباحثين إلى استحداث تجربة جديدة من نوعها تم تنفيذها في ولاية ماديا براديش الهندية، ركزت هذه التجربة على منح السيدات سيطرة رقمية أكبر على أجورهن أدت إلى مجموعة مذهلة من الفوائد.
تتمحور دراسة ” تمكين المرأة من خلال المدفوعات الرقمية المباشرة” حول تجربة جديدة أجراها روهيني باندي من مركز “ييل لدراسات التنمية الاقتصادية” والمؤسسة الخيرية TroyerMoore ومركز MacMillan، تدرس هذه التجربة كيف يؤثر تعزيز السيطرة المالية للمرأة على عرض العمالة والمعايير الجنسانية؟
تعتبر التجربة التي أجراها فريق البحث تجربة سياسية واسعة النطاق تلقي الضوء على الدور الذي تلعبه معايير النوع الاجتماعي في انخفاض وتراجع معدل النساء في القوة العاملة في الهند وكيفية إشراك المزيد من النساء في القوة العاملة مع تغيير هذه المعايير.
في البداية لاحظ الاقتصاديون أن مشاركة المرأة في القوى العاملة تتبع منحنى على شكل حدوة حصان مع تطور الدولة، يُفهم هذا عادة على أنه يعكس اتجاهات متعددة: في البلدان الفقيرة،حيث يعمل عدد كبير من النساء، لا سيما في الزراعة؛ بعد ذلك، ومع ارتفاع الدخل، تخرج النساء من القوى العاملة للتركيز على تقديم الرعاية والحفاظ على المنزل.
في وقت لاحق، عندما تدخل دولة ما في مستويات أعلى من الدخل،تميل النساء إلى إنجاب عدد أقل من الأطفال، والحصول على مزيد من التعليم، والعودة إلى القوى العاملة حيث يمكنهن كسب المزيد من خلال العمل.
ومع ذلك، تُظهر حالة الهند أن بإمكان القوى الأخرى منع النساء من الالتحاق بالقوى العاملة، فبين عامي 2005 و2018، وهي فترة نمو اقتصادي قوي للهند، ارتقت الهند إلى مرتبة الدخل المتوسط، انخفضت الخصوبة وازداد التحصيل العلمي للمرأة، ومع ذلك انخفضت مشاركة الإناث في القوى العاملة من 32 إلى 21 في المئة.
وعلى الرغم من هذا المستوى المنخفض لمشاركة النساء في القوى العاملة، أشارت دراسة استقصائية وطنية، إلى أن ثلث ربات البيوت الهنديات يظهرن اهتمامهن بالعمل خارج المنزل.
لكن ترى ما الذي يمنع النساء في الهند من العمل أكثر؟
تعد المعايير الجنسانية عائقاً واضحاً ومهماً أمام النشاط الاقتصادي للمرأة في الهند، في المناطق المحافظة خاصة كما وصفها الكاتب، غالباً ما يُتوقع أن يكون الزوج هو المعيل الأساسي، ويُنظر إلى الزوجة التي تعمل مقابل أجر على أنها مصدر وصمة عار أو وصمة اجتماعية.
يتماشى هذا الكلام مع بيانات المسح الوطني الذي سبق وأشرنا إليه، حيث أفادت غالبية النساء الهنديات بأن لأزواجهن القول الأكبر فيما إذا كان بإمكانهن العمل خارج المنزل.
وفي الأماكن المحافظة مثل ولاية ماديا براديش الهندية التي تظل فيها النساء خارج القوى العاملة بسبب الأعراف التقيدية الخاصة بالنوع الاجتماعي، وضع فريق البحث فروضاً لاختبراها، مثل هل منح النساء سيطرة أكبر على أجورهن المحتملة يدفعهن إلى العمل، ويمكّنهن على نطاق أوسع؟ وهل يمكن أن تؤدي هذه السيطرة المالية المتزايدة إلى تحرير المعايير التقييدية المتعلقة بعمل الإناث؟
من هنا شرع فريق البحث في العمل في شمال ولاية ماديا براديش، وهي بيئة ذات معايير جنسانية قوية، تعاون فريق البحث مع شركاء حكوميين حتى يتمكنوا من الإيداع المباشر لأجور النساء من برامج العمل الفيدرالي في حساباتهن المصرفية الخاصة بدلاً من حساب الأسرة الذي يسيطر عليه الذكور، غطت الدراسة 197 مجموعة قرويةواستطلعت ما مجموعه 4300 امرأة.
في إحدى المجموعات القروية، اٌنشئت حسابات للنساء، واودعت الأجور بشكل مباشر فيها، وتلقوا تدريباً قصيراً على كيفية استخدام أكشاك البنوك المحلية التي تخدم هذه الحسابات.
أدت هذه السياسة التي زادت من سيطرة النساء على أجورهن في برنامج العمل الحكومي إلى مزيد من العمل، سواء في مجال العمل أو بشكل مدهش في الوظائف الخاصة.
كما أن مقارنة بالنساء اللائي تلقين للتو حسابات بنكية، مع أولئك اللواتي تلقين الحسابات بنكية بالإضافة إلى إيداع مباشر وتدريب على استخدام الحساب حصلوا على 24% فرص أكثر في التوظيف في القطاع الخاص سنوياً.
وكانت النساء في المجموعة القروية التي تلقت حسابات جديدة وتدريباً، أكثر ميلاً لأن يكون لديهن نظرة إيجابية للمرأة والعمل، فقد أفادوا في استطلاعات الرأي التي أجراها فريق البحث بأن المرأة العاملة تصنع زوجة أفضل، كما أن زوج المرأة العاملةزوج ومُعيل أفضل.
اجمالاً، أدى هذا التدخل البسيط نسبياً كتزويد النساء الفقيرات في ولاية ماديا براديش الريفية بإيداع مباشر للأجور من برنامج الحكومة للعمل في حساباتهن المصرفية، إلى زيادة عمل النساء خارج المنزل، وتحرير معتقداتهن بشأن قدرة المرأة على العمل، بيت القصيد أن الدراسة تظهر أن السياسات التي تعزز السيطرة المالية للمرأة يمكن أن توسع استقلالية وتمكين المرأة.
يمكننا الاستفادة من هذه التجربة كمجتمعات عربية تحمل عادات تشبه تلك التي في الهند الناظرة للمرأة العاملة على أنها وصمة عار أو خارجة عن حدود الطاعة، فقد تمكننا هذه التجربة من المزيد من التمكين للمرأة وخطوة نحو الحكم الرشيد والتحول الديمقراطي.
تعد الهند دولة متباعدة بين الدول التي لديها مستوى مماثل من التطور مع انخفاض معدل النساء في القوة العاملة وهو عائق أمام النمو الاقتصادي، ناهيك عن استقلالية المرأة فالمعتقدات التقليدية حول أدوار الجنسين تحد من عمل المرأة لكن من غير الواضح كيف تعمل هذه المعايير أو كيف يمكن تغييرها.